الجزائر: السلطة وأدلجة السينما

04 سبتمبر 2018
مشهد من الفيلم الذي يجسّد حياة العربي بن مهيدي(تويتر)
+ الخط -
منعت السلطات الجزائرية عرض فيلم سينمائي ذي بعد سياسي وتاريخي يحكي قصة أبرز شهيد في تاريخ الثورة الجزائرية، العربي بن مهيدي. وجاء المنع بسبب الجرأة التي خاض بها المخرج بشير درايس في السيرة والمناخ السياسي والثوري الذي عاشه القائد بن مهيدي، وتجاوزه إلى جوانب وصور متحفّظ عليها في التاريخ السياسي لثورة الجزائر. وكذلك إعادته كتابة القصة التاريخية سينمائياً -في غضون خمس سنوات من التصوير-، بشكل مستقلّ وخارج القالب التاريخي الذي تفرضه السلطة، التي تستمد وجهة نظرها من توازنات سياسية لا علاقة لها بالحقيقة التاريخية بالضرورة. منذ استقلال الجزائر، وضعت السلطة السينما، كما الجامعة والكتّاب والمسرح والحزب والمنظمات، في جيبها، وضمن أدوات التربية الإيديولوجية للجماهير والدعاية والبروباغندا السياسية. ومثلما لم تكن السلطة تسمح بتعدّد الرأي والفكرة، لم تكن تسمح بتصوير أيّ فيلم يخرج عن السياقات السياسية التي تتبناها. أكثر من ذلك، احتكرت السلطة التاريخ، فأغلقت كل النوافذ أمام الرواية المناوئة للرواية الرسمية أو طرح وجهة نظر مغايرة، واحتكرت أموال النفط تمويل الصناعة السينمائية والأفلام لصالحها.

في عام 2011، أمسكت الحكومة أكثر بتلابيب السينما، وأصدرت قانوناً يفرض على المنتجين والمخرجين الحصول على رخصة منها (وزارة المجاهدين) لتصوير الأفلام المتعلقة بتاريخ الثورة. وتنصّ المادة السادسة من القانون أنه "يخضع إنتاج الأفلام التي تتعلق بثورة التحرير الوطني ورموزها لموافقة مسبقة من الحكومة"، وصادق البرلمان على هذا القانون في جلسة عاصفة، ثارت فيها ثائرة نجل الشهيد عميروش آيت حمودة، أحد قادة ثورة الجزائر، النائب نور الدين آيت حمودة، الذي قال لوزيرة الثقافة حينها، خليدة تومي، إنّه "إذا قرّرت أن أنتج فيلماً عن والدي، سأطلب رخصة من الحكومة إذن؟".

لم يتحرّر المشهد السياسي في البلاد، ولم يتح للصورة والسينما الهامش الضروري من الحرية للمساهمة في معالجة مشكلات المجتمع، لأن البرلمان لم يكن سيّداً في موقفه وتقديره حين صادق على قانون السينما، ولأن السلطة في الجزائر ما زالت تفكّر بعقل النفط في كل المناحي؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تحتكر الموقف السياسي وسلطة التقدير الثقافي أيضاً، تريد أن تبقى وحدها رئيس تحرير الصحف والماسكة بزرّ الكاميرا وبمفتاح قاعات السينما. لم تتغير أدواتها المنبثقة عن الفكر الأحادي في عهد التعددية السياسية بعد عام 1989، كما في عهد الحزب الواحد قبل ذلك،ملا زالت تتعاطى مع كل فعل ثقافي وسينمائي يقدّم قراءة مغايرة للتاريخ والوقائع، بريبة وشكّ يؤديان إلى الحظر والمنع والتضييق وتُفَعل بشأنه نفس أدوات الرقابة البالية، تضيق بطروحات المعارضة وتحاصر الصحف المستقلة بالإشهار وتحاصر السينما بأموال النفط.

المساهمون