الجزائر... الديمقراطية من ذيلها
تبدو ولاية بوتفليقة الجديدة تكراراً للولايات السابقة (بلال بنسالم/Getty)
الحيرة التي أصابت الجزائريين والعالم بعد إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، ليس منشأها الترشح للرئاسة للمرة الخامسة، لأن ذلك يمكن أن يكون مفهوماً على الأقل بالنسبة لحاكم عربي يرفض أن يترك منصبه إلا برصاصة أو انقلاب أو وفاة. منشأ الحيرة الأول أن ذلك يتم في الجزائر، التي كانت متخمة بالعنفوان الثوري والحيوية السياسية، وإذ إنها الدولة العربية الأولى التي قدّم فيها رئيس جمهورية استقالته من منصبه ولم يعد عنها (الشاذلي بن جديد عام 1992، بينما الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب استقال ثم عاد عن الاستقالة)، بغضّ النظر عن الظروف والملابسات، وتنحى فيها رئيس (اليامين زروال) من منصبه قبل نهاية فترته الرئاسية عام 1998. الجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي وصل فيها عدد رؤساء الجمهورية الأحياء خارج السلطة إلى أربعة (الشاذلي بن جديد وأحمد بن بلة وعلي كافي واليامين زروال). ومنشأ الحيرة الثاني أن بوتفليقة نفسه أقرّ في رسالة ترشحه بأنه "عاجز بدنياً ولم تعد له القدرة التي كانت"، وبرأي كثير من الخبراء الدستوريين المستقلين، فإن هذا الإقرار كافٍ لإقناع نفسه ومحيطه لاستبعاده من الترشح لولاية رئاسية خامسة، ذلك أن مهام رئيس الجمهورية تستدعي كامل القدرة البدنية والحضور الذهني، وقد يقود ذلك إلى استدعاء الكثير من الطروحات من قبيل "من يحكم من؟".
عانت الجزائر لفترة طويلة من مؤسسات الحكم الموازي للمؤسسات الرسمية، ولم تكن المؤسسات الموازية على قدر كبير من الانسجام مع خطاب المؤسسة الرسمية، بما في ذلك في فترة العشرية الدامية في التسعينيات. مع العلم أن الجزائريين اعتبروا أن تفكيك جهاز المخابرات الذي كان يمثل الدولة الموازية أنهى عدم الانسجام ذاك، لكنه في الحقيقة نقل موقعها من الجهاز إلى فريق آخر ليس إلا.
ماذا يمكن أن يقدم الرئيس في ظروفه تلك ووضع الدولة الصعب؟ احتياطي الصرف يواصل التآكل، إذ انخفض من 200 إلى 84 مليار دولار. وطرح الرئيس في خطته الانتخابية للولاية الخامسة اقتراحات عدة، منها عقد مؤتمر للتوافق الوطني وإجراء تعديل دستوري. وقد سبق أن عقدت ندوات عدة في مشاورات الإصلاحات السياسية عام 2012، ومشاورات تعديل الدستور في 2014. كما أجريت خلال ولاياته الرئاسية الأربع، أربعة تعديلات دستورية.
تجرّ الجزائر الديمقراطية من ذيلها، ولم يكن التسلّق إلى الديمقراطية على هذا النحو صحيحاً، ولا يمكن أن تكون الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، بهذه الصورة التي شوّهت كثيراً، صورة عن الجزائر.