الجزائر: البرامج الرمضانية ومقص الرقيب

06 مايو 2020
+ الخط -
يتُوقُ الجزائريون في شهر رمضان المبارك لمشاهدة الإنتاج التلفزي الوطني، الذي تبثه مختلف القنوات الحكومية والخاصة، والتي قد تُعَبّر مضامينها عن يوميات وهموم المواطن، بحثا عن هويته بين الشاشات في عالم السماوات المفتوحة المتدفقة الأفكار والتوجهات والقيم المستحدثة أيضا بإشراف الصناعة الدرامية.

الكاميرا الخفية ومسلسلات الكوميديا على مائدة إفطار الجزائريين
دأب المشاهد الجزائري على أن ترافق إفطاره البرامج الترفيهية، وفي مقدمتها الكاميرا الخفية، ومسلسلات الكوميديا، والتي صارت تقليدا لدى العائلات المجتمعة على مائدة الإفطار، لذا تتسابق القنوات الفضائية، ولا سيما الخاصة والجديدة على المشهد الإعلامي المحلي، وكذا مؤسسات الإنتاج التلفزيوني إلى إنتاج حصص ترفيهية، التي قد تستقطب فيها نجوم السينما أو الإعلام أو الرياضة بالجزائر، كما تسعى جاهدة لتقديم رؤى إخراجية جديدة، وفق حُلّة قد تستحوذ على اهتمام أكبر قدر من المشاهدين، وخصوصا أن سوق القنوات يحكمها منطق المنافسة والإشهار.

ولكن المتابع من سنة لأخرى لمستوى أداء القائمين على الكاميرا الخفية وبرامج الكوميديا يلحظ تراجعا كبيرا في زوايا عدة من هاته البرامج، وأبرزها ما تعلق بمحتوى السيناريو، الذي تملق وانهار في سلَّم الأخلاقيات العامة في سبيل إضحاك الناس.


الكاميرا الخفية "أنا وراجلي" والمساس بالكرامة الإنسانية
شكلت الحلقة الأولى من الكاميرا الخفية - كاشي - المعنونة بـ"أنا وراجلي"، التي عرضتها إحدى القنوات الجزائرية الخاصة، صدمة حقيقية لدى الجزائريين، حيث كان ضحيتها شاب جزائري أوهمه البرنامج بأن هدية مشاركته في البرنامج "عروس"، وستتكفل القناة بكافة تكاليف العرس، وهو ما استهجنه رواد مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروه مساسا بسمعة الأفراد وإهانتهم، واعتبرته الأسرة الإعلامية ضرْبا للكرامة الإنسانية الجماعية، لما شَابَ البرنامج من أساليب الخداع والابتزاز والإهانة، ما استدعى تدخل سلطة ضبط السمعي البصري التي وجهت إنذارا قاسيا للقناة، وهذه الأخيرة أوقفت البرنامج عن البث. وقد وصفت سلطة الضبط في بيان لها، ما جاء في الكاميرا "كاشي" بـالمخالفات الجسيمة التي تمس بقواعد المهنة وأخلاقياتها وتخل بمبادئ وقواعد النظام العام.

سلسلة الفكاهة "دار العجب" والوقوع في المحظور
عرضت السلسلة الفكاهية "دار العجب" على قناة الشروق، شخصية أحد أبطال السلسلة وهو يقدم هدية مالية إلى جاره التونسي، وسط ظرف تكون فيه العائلة بحاجة إلى هذا المال، في إشارة إلى الوديعة المالية التي قدّمتها الجزائر إلى الشقيقة تونس، مطلع هذا العام، والمقدرة بـ250 مليون دولار، والتي أثارت لغطا شعبيا غير مفهوم بخصوصها.

المشهد الفكاهي المحاكي للسياسة الخارجية الجزائرية حيال دول الجوار، عُدَّ في خانة الإساءة والنقد غير المسؤول والتافه لسياسة الجوار بين دولتين تربطهما أواصر متينة، تستند إلى التاريخ الثوري المشترك بينهما، وروابط أخرى ثقافية، دينية وجغرافية، وهو ما عبر عنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر خرجة إعلامية له، الجمعة الماضي، واصفا إياه بالمساس "بسيادة" الدول، فيما اعتبرته سلطة ضبط السمعي البصري وقوعا في المحظور.

سلطة ضبط السمعي البصري والعودة إلى الواجهة
لفت تحرك سلطة ضبط السمعي البصري وإصدارها لبيانات تَشْجُبُ ما ورد في بعض البرامج الرمضانية، الأسرة الإعلامية بالجزائر التي انقسمت إلى صف معارض وآخر مؤيد لأدائها.

فأما الشق المعارض، فانطلق في موقفه من كون ذلك تضييقا على حرية التعبير في البلاد وأن من حق القنوات أن تبث واقع الحال في كل الأصعدة والمجالات، أما الصف المؤيد، فرأى أن تدَخُّل سلطة الضبط يُعد واحدا من مهامها، بل هو بمثابة إسمَاع لصوت هذه الهيئة المثبَّطَة والمُغيَّبة عن النشاط منذ تأسيسها، وأنَّ تحركها إزاء ما يجري في الساحة الإعلامية في الوقت الراهن، هو إعادة بعث لدورها المناط بها وفقا لقانون الإعلام المنظم للنشاط السمعي البصري بالجزائر 14- 04، وذلك للحد من انتهاكات القنوات الخاصة، في ظل سياسة جديدة يُؤمل منها إعطاء نفَس أفضل للإعلام في البلاد.

كما أن الرقابة على وسائل الإعلام السمعية البصرية بالجزائر (فتية التجربة)، أمر محمود لوضع مهنيي القطاع على السكة الصحيحة، خصوصا إذا تعلق الأمر بعدم احترام الآداب العامة للمجتمع وأخلاقيات المهنة.

غياب ميثاق لأخلاقيات المهنة بالجزائر
بين المؤيد والمعارض لدور سلطة ضبط السمعي البصري يبرز صوت آخر ينادي بتأسيس مواثيق خاصة بأخلاقيات المهنة لضبط الخروقات الحاصلة في القطاع السمعي البصري في المرحلة الراهنة من جهة وبما يحد من تدخل سلطة الضبط في المضامين الإعلامية من جهة أخرى.

فالمدقق في المنظومة الإعلامية في الجزائر يلحظ غيابا تاما لميثاق حديث خاص بأخلاقيات المهنة، حيث إن آخر ميثاق كان سنة 2000، صادر عن النقابة الوطنية للصحافيين.

لذا فالتأسيس لمواثيق منظّمة لأخلاقيات العمل الإعلامي بالجزائر أضحى أكثر من ضرورة لضبط المحتوى الإعلامي، سواء أكان تثقيفيا أم ترفيهيا أو غير ذلك.
دلالات
A5302409-CA2D-4BED-A56C-FD00F06C34E2
فوزية بن شرودة

صحافية جزائرية. محررة ومقدمة أخبار، ومنتجة ومقدمة برامج بالإذاعة الجزائرية. حاصلة على جائزة الصحافة الدولية للجوارالإعلامي المقدمة من قبل الاتحاد الأوربي 2015، وجائزة نجمة الإعلام المنظمة من قبل متعامل الهاتف العالمي أوريدو بالجزائر 2017