الجزائر اتجاه لإلغاء الانتخابات الرئاسية واستقالة حكومة بدوي

25 مايو 2019
الطلاب يتظاهرون كل ثلاثاء (العربي الجديد)
+ الخط -
تتبلور ملامح تطورات سياسية إيجابية في الجزائر، وفق تأكيدات مصادر مقربة من الحكومة كشفت لـ"العربي الجديد" أن "المؤسسات السيادية المؤثرة في البلاد بدأت في البحث عن تصورات سياسية ودستورية تضمن حل الأزمة، وعلى الأرجح إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل وبدء ترتيبات إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تتولى تنظيمها في غضون أشهر". وذكرت المصادر أن "الحكومة الجزائرية بقيادة نور الدين بدوي قد تقدم استقالتها خلال فترة قصيرة لا تتجاوز منتصف شهر يونيو/ حزيران المقبل، مباشرة بعد الانتهاء من ترتيبات امتحانات شهادة البكالوريا". وأضافت أن "استشارات سياسية ودستورية تتم على مستوى عالٍ في السلطة في الجزائر، للسماح باستقالة حكومة بدوي المرفوضة سياسياً منتصف شهر يونيو المقبل، لتسهيل مهمة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في تكليف شخصية توافقية تتولى تشكيل حكومة مستقلة، تشرف على مرحلة انتقالية قصيرة الأمد، بمواكبة الجيش، ويتم فيها تعديل قانون الانتخابات، بما يسمح بإنشاء هيئة مستقلة للانتخابات تشرف على الاقتراع الرئاسي بالكامل".

وعززت التظاهرات الحاشدة للطلاب، يوم الثلاثاء الماضي، قرب مكتب بدوي، وحالة الحصار الشعبي والمقاطعة السياسية المضروبة على وزراء الحكومة، اقتناع الجيش بضرورة تقديم الحكومة ككبش فداء لفك نسبي للانسداد السياسي الحالي. بالتالي، يُنتظر أن يعلن بن صالح عن إلغاء الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد إخطاره من قبل المجلس الدستوري بعدم توفر شروط تنظيمها، وسط توقعات بأن يبلغ بموقف المجلس يوم الأحد المقبل. وكان يفترض أن تنتهي آجال إيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية أمس، الجمعة، من دون أن يعلن المجلس الدستوري عن فتح باب استقبال ملفات المرشحين المفترضين للانتخابات الرئاسية والمحددة في الدستور بـ45 يوماً من تاريخ استدعاء الهيئة الناخبة الذي تمّ في 9 إبريل/ نيسان الماضي، وقبل 45 يوماً من يوم الاقتراع الرئاسي المقرر في 4 يوليو. ما يعني أن الانتخابات باتت عملياً في حكم الملغاة، وفي حال تأكد ذلك فإنها ستكون المرة الثانية التي يتم فيها تأجيل الانتخابات الرئاسية، بعد خطوة مماثلة في 18 إبريل الماضي.

وخلت قائمة نشرتها وزارة الداخلية تضمّ 77 مرشحاً مفترضاً، ذكرت أنهم قاموا بإيداع "رسالة نية" للترشح لديها وسحب استمارات التفويضات، من أي شخصية سياسية معروفة، عدا رئيسي حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد. وهو عامل إضافي سيدفع المجلس الدستوري إلى إعلان عدم استيفاء أي من شروط الانتخابات، وعدم المغامرة بتنظيم انتخابات مرفوضة شعبياً وسياسياً. وساعد تطور موقف الجيش، الذي بدأ متمسكاً بموعد الانتخابات الرئاسية ثم انتقل إلى الإقرار بالأمر الواقع وعدم إمكانية تنظيمها قبل إنشاء الهيئة العليا المستقلة، في تعزيز التوجه نحو إلغاء الانتخابات المقبلة.

في موازاة ذلك، فإن أكثر الأسئلة المطروحة في الوقت الحالي في الجزائر، والمرتبطة بتأجيل الانتخابات، تتعلق بالموقف الدستوري لبن صالح الذي تنتهي صلاحياته الدستورية في 9 يوليو المقبل، وما إذا كانت البلاد ستدخل مرحلة الفراغ الدستوري على مستوى الرئاسة. وتذهب بعض الترجيحات إلى تقدير أن رفض الجيش الخروج عن الإطار الدستوري واعتراضه على مقترح هيئة أو شخصية رئاسية تتولى رئاسة الدولة لفترة انتقالية، قد يدفع المجلس الدستوري إلى إصدار تفسيرات دستورية تتيح لبن صالح البقاء في منصبه إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مقبلة، وذلك تحت مبرر أنه مكلف بالحفاظ المؤقت على العهدة الرئاسية إلى حين تسليمها لرئيس منتخب. فالقراءة الموسعة للدستور تؤكد أنه لا يقع فراغ دستوري لعدم تنظيم الانتخابات خلال 90 يوماً، بل يتم التمديد للرئيس المؤقت لغاية تسليم المهام لرئيس الجمهورية المنتخب. والمادة 102 تتحدث عن تنظيم الانتخابات في غضون 90 يوماً، لكنها لا تنص صراحة على أنها المدة الدستورية لرئيس الدولة، ونهاية مهمته تكون بتسليم المهام، وليس بانتهاء 90 يوماً.
وإذا أخذ بالاعتبار أن استقالة حكومة بدوي ستتم لتعيين حكومة مستقلة بديلة، خصوصاً في ظل توفر المخرج الدستوري المناسب، إذ تمنع المادة 104 من الدستور رئيس الدولة المؤقت من إقالة أو تعديل الحكومة، من دون أن تنص على منع الحكومة من الاستقالة كحالة ثالثة، وإذا ما أضيف لهذه الخطوة، متى ما تمت، النجاح المرتقب لنواب البرلمان في الإطاحة برئيسه معاذ بوشارب، فإن هذه التحركات بمجملها تسمح للجيش والسلطة الحاكمة بتحقيق جزء كبير من مطالب الحراك الشعبي والقوى والشخصيات السياسية التي تطالب برحيل بدوي وبوشارب. عليه، يبقى بن صالح العقدة الأكبر في معادلة البقاء. ويرجح مراقبون أن ينجح الجيش في إقناع قوى المعارضة بالقبول ببقاء بن صالح، بصلاحياته الدستورية المحدودة، تجنباً لخرق الدستور والدخول في مرحلة البحث عن شخصية توافقية قد لا تتوفر في الوقت الحالي، في مقابل وجود حكومة جديدة مستقلة تقوم بالشؤون التنفيذية. لكن قوى المعارضة السياسية لا تُبدي قبولاً في هذا الاتجاه، بل تعتقد أن الضرورات السياسية والشعبية تفرض تجاوزاً كلياً للمعطى الدستوري.

في السياق، اعتبر القيادي في حركة مجتمع السلم، نصر الدين حمدادوش، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الوضع يتطلب توليفة لاستبدال بن صالح بشخصية وطنية توافقية مقبولة لدى الحراك الشعبي قبل انتهاء عهدته". لكنه لمّح إلى أن "الأمر لا يتوقف على الأشخاص بقدر ما يتوقف على نزاهة الانتخابات، لأنه ليست لدينا مشكلة مع الأشخاص كأشخاص، والعبرة بمضمون الإصلاحات وآليات ضمان نزاهة الانتخابات قبل الذهاب إليها". وأشار إلى أن "الانسداد يتطلّب نقاشاً وتنازلات من كل الأطراف لتجاوز الوضع"، وتوقف عند أهمية "التنازل المتبادل بين جميع الأطراف المعنية بالانتقال الديمقراطي، فتتنازل المؤسسة من جهة، والأحزاب من جهة، والحراك من جهة أخرى".

وعزّز وزير الخارجية الجزائري الأسبق، أحمد طالب الإبراهيمي، في رسالته التي نشرها يوم الأربعاء الماضي، هذا التوجه، إذ كان قد دعا الجيش إلى إفساح المجال للبحث عن حلّ سياسي للأزمة بدلاً من التمسك الحرفي بالدستور. وقال إنه "يتعين على الجيش أن يصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وألا يكون سنداً لمؤسسات لا تحظى بالرضى الشعبي حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت كان مبرمجاً لحالات عادية، وليست استثنائية كالتي نمر بها اليوم". ودعا إلى "البحث عن حلول للأزمة خارج الدستور واعتبار الحراك الشعبي كاستفتاء، وصياغة حل يجمع بين المرتكزات الدستورية في المادتين السابعة والثامنة وما يتسع التأويل فيهما سياسياً".
المساهمون