الأخطر من وباء الكوليرا في الجزائر تلك القطيعة التي برزت مجدداً بين المكون السكاني والمؤسسة السياسية الرسمية. وحتى عندما يتعلق الأمر بالصحة الفردية والجماعية يرفض الجزائريون مخرجات الحكومة، ويشككون في قراراتها وتحاليلها للظاهرة الوبائية. كذلك فعل سكان بلدة أحمر العين قرب العاصمة الجزائرية، عندما أقدموا على الشرب من مياه منبع طبيعي أمام مسؤولين حكوميين، برغم إعلان السلطات أنه منشأ وباء الكوليرا الذي ظهر في البلاد مجدداً بعد اختفائه قبل ثلاثة عقود.
ليست المرة الأولى التي يشكك فيها الجزائريون في ما تقوله الحكومة، ولو في مجال حساس كالسلامة الصحية. فقبل سنتين رفض قطاع واسع من الجزائريين تلقيح أبنائهم في المدارس بسبب شكوك في صلاحية اللقاح، برغم تطمينات الحكومة. وحين يصبح الجزء الغالب من الشعب لا يصدق حكومته، حتى في سلامة المياه التي يشربها أو صلاحية لقاح يتطعم به، يصبح الأمر جديراً بأن يوصف بأنه قطع تام لحبل الثقة بين الشعب والحكومة.
ويشك الجزائريون في أن يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو من يدير الحكم، وفي جنرالات الجيش والإرهاب ومجازر التسعينات، والحزب والنقابة وصحف الحكومة وقنواتها، وفي نتائج الانتخابات، ونسبة النجاح في البكالوريا، وفي نشرة الأحوال الجوية ودرجات الحرارة في الجنوب، والإعلان عن هلال رمضان والعيد حتى، وفي بنوك الحكومة وبريدها، ومداخيل النفط وكلفة المشاريع والمنشآت، وفي أحكام القضاء وخطب الجمعة، وفي فواتير الكهرباء وشركات الاتصالات، وفي الشرطي والقاضي، وفي صفحات الكتاب المدرسي وكل رواية كتبتها الحكومة عن ثورة التحرير، وفي سقوط الطائرات والكوارث حتى.
على ماذا تأسس كل هذا الشك لدى الجزائريين إزاء النظام ومقولاته؟ وكيف تراكمت كل هذه الريبة في ما تقوله الحكومة وتفعله؟ هناك كثير مما يمكن أن يقال في هذا السياق، ليس أوله طبيعة نظام السياسي الذي ولد في مناخ متوتر، فرض عليه إعدام الشفافية والسكون إلى الغموض كآلية لإدارة الحكم وأزماته، وليس آخره تزوير الانتخابات وهندسة الفساد واختلاق الأزمات كحل لمآزق كل مرحلة. لكن الحقيقة أن النظام تعمد تربية الريبة وأدار هذا الشك لصالحه، طالما أنه أسس لدولة ريعية يرتبط فيها المواطن بصرّة الحكومة التي تمنحه التعليم والعلاج المجاني والسكن بالمجان أو بالتقسيط، والحليب والخبز والوقود المدعم. لم تبنِ الحكومة للثقة مع الجزائريين جسوراً، ولا تبدو مهتمة بذلك. ولم يدفع الشك المزمن الشعب للبحث عن الحقيقة. كل طرف راضٍ بما آتاه الله من نعمة الغموض أو من جحيم الشك. الانتخابات تنظم والبلد يدور والحكومة تقول والشعب يعبر يومياته.
ليست المرة الأولى التي يشكك فيها الجزائريون في ما تقوله الحكومة، ولو في مجال حساس كالسلامة الصحية. فقبل سنتين رفض قطاع واسع من الجزائريين تلقيح أبنائهم في المدارس بسبب شكوك في صلاحية اللقاح، برغم تطمينات الحكومة. وحين يصبح الجزء الغالب من الشعب لا يصدق حكومته، حتى في سلامة المياه التي يشربها أو صلاحية لقاح يتطعم به، يصبح الأمر جديراً بأن يوصف بأنه قطع تام لحبل الثقة بين الشعب والحكومة.
ويشك الجزائريون في أن يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو من يدير الحكم، وفي جنرالات الجيش والإرهاب ومجازر التسعينات، والحزب والنقابة وصحف الحكومة وقنواتها، وفي نتائج الانتخابات، ونسبة النجاح في البكالوريا، وفي نشرة الأحوال الجوية ودرجات الحرارة في الجنوب، والإعلان عن هلال رمضان والعيد حتى، وفي بنوك الحكومة وبريدها، ومداخيل النفط وكلفة المشاريع والمنشآت، وفي أحكام القضاء وخطب الجمعة، وفي فواتير الكهرباء وشركات الاتصالات، وفي الشرطي والقاضي، وفي صفحات الكتاب المدرسي وكل رواية كتبتها الحكومة عن ثورة التحرير، وفي سقوط الطائرات والكوارث حتى.
على ماذا تأسس كل هذا الشك لدى الجزائريين إزاء النظام ومقولاته؟ وكيف تراكمت كل هذه الريبة في ما تقوله الحكومة وتفعله؟ هناك كثير مما يمكن أن يقال في هذا السياق، ليس أوله طبيعة نظام السياسي الذي ولد في مناخ متوتر، فرض عليه إعدام الشفافية والسكون إلى الغموض كآلية لإدارة الحكم وأزماته، وليس آخره تزوير الانتخابات وهندسة الفساد واختلاق الأزمات كحل لمآزق كل مرحلة. لكن الحقيقة أن النظام تعمد تربية الريبة وأدار هذا الشك لصالحه، طالما أنه أسس لدولة ريعية يرتبط فيها المواطن بصرّة الحكومة التي تمنحه التعليم والعلاج المجاني والسكن بالمجان أو بالتقسيط، والحليب والخبز والوقود المدعم. لم تبنِ الحكومة للثقة مع الجزائريين جسوراً، ولا تبدو مهتمة بذلك. ولم يدفع الشك المزمن الشعب للبحث عن الحقيقة. كل طرف راضٍ بما آتاه الله من نعمة الغموض أو من جحيم الشك. الانتخابات تنظم والبلد يدور والحكومة تقول والشعب يعبر يومياته.