بدأ الجزائريون خلال الأيام الماضية يكررون سؤالاً خلال التحركات وفي مجالسهم العامة والخاصة: "أين ذهب مبلغ التريليون دولار؟"، وهو حجم ميزانيات الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة التي تم صرفها خلال ولاياته الأربع منذ العام 1999 حتى العام 2019. ويرجح المتابعون للحراك الجزائري أن يصبح هذا السؤال عنوان المرحلة المقبلة، وسط ضغوطات للكشف عن آليات صرف هذه الأموال.
ويقول الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "الرئيس المستقيل وكل من حكموا باسمه، اقترفوا خطأ كبيراً في عدم الكشف عن مصير الألف مليار دولار، التي تم صرفها منذ السنوات الأولى لتطبيق البرامج الخماسية للتنمية".
ويشرح في حديث مع "العربي الجديد" أن "قرابة نصف المبلغ، وجهت نحو الميزانية العمومية لتسيير شؤون الدولة، أي لأجور العمال والإنفاق الاجتماعي والدعم أي أكل وشرب وطاقة، المشكل يكمن في النصف الثاني أي 500 مليار دولار المتبقية".
الحديث عن "الألف مليار دولار"، يقود المتتبعين نحو ملف آخر تركه نظام بوتفليقة مفتوحاً، وهو الفساد، الذي واصل منحاه التصاعدي، ملتهماً جزءاً كبيراً من الإيرادات المالية للبلاد، في ظل غياب الهيئات المختصة التي تجمّد نشاطها لأسباب غير معروفة.
ولعل أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام كانت تلك المتعلقة بالطريق السيار "شرق -غرب" التي أهدر فيها 11 مليار دولار، وقضية شركة "سوناطراك" النفطية (250 مليون دولار رشوة)، بالإضافة إلى قضية رجل الأعمال عبد المؤمن الخليفة التي كلفت خزينة الحكومة 5 مليارات دولار، والتي تورطت فيها أسماء مقربة من محيط بوتفليقة، ونجحت في الإفلات من العقاب، بعدما أغلق القضاء الجزائري هذه القضايا مكتفيا بمعاقبة أسماء غير وازنة.
واللافت أن هذه القضايا وغيرها من قضايا الفساد التي طُرحت أمام القضاء بين سنوات 2012 و2015، لم تبلّغ عنها الهيئات الرسمية المخوّلة بمحاربة الفساد.
ويقول رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، جيلالي حجاج، لـ "العربي الجديد"، إن "حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بـ60 مليار دولار، تورط فيها مقربون من الرئيس بوتفليقة ومن النظام السياسي بصفة عامة".
ويضيف جيلالي أن "البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد".
وإذا كان شيء يحقق الإجماع في حصيلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بين الجزائريين، هو فشله في فك ارتباط الاقتصاد الجزائري بعائدات النفط التي تمثل 96 في المائة من عائدات البلاد، وإقامة اقتصاد قوي منتج للثروة.
ويرى الخبير الاقتصادي ومستشار لدى الحكومة الجزائرية (2014-2017) عبد الرحمان مبتول أن "العشرين سنة الماضية حولت الجزائر من دولة تستورد نصف ما تحتاجه وتأكله الى دولة تستورد كل ما تأكله، فبمجرد مقارنة فواتير الاستيراد نجد أن الفاتورة ارتفعت من 20 مليار دولار سنة 1999 إلى 64 مليار دولار سنة 2015، كما أن الأزمة النفطية كشفت هشاشة الاقتصاد الجزائري الذي بات مصيره مرتبطا أكثر من أي وقت مضى ببرميل النفط".