يعمل الناشط الليبي عبدالمنعم أبو صبيع متطوعًا مع الهلال الأحمر الليبي بمدينة الخْمس (120 كم شرق العاصمة طرابلس) ضمن فريق لانتشال جثث المهاجرين غير الشرعيين من شاطئ المدينة الذي يبلغ طوله 30 كيلومتراً، إذ تنهش الكلاب الجثث في بعض الأحيان بعد أن تبقى الجثث على رمال شاطئ المدينة لفترات طويلة تصل في بعض الأحيان حتى الشهر كما يقول.
وحتى بعد وضع الجثث في أكياس الحفظ لا تُدفن في بعض الأحيان لعدم تخصيص مقابر لاستقبالها، كما يكمل أبو صبيع قائلاً "الجهات الرسمية لم تتحمل مسؤولياتها في توفير مقبرة واستكمال الإجراءات اللازمة للدفن".
وتتكرر حوادث غرق المهاجرين أمام السواحل الليبية وأحدثها ما كشف عنه المتحدث باسم البحرية الليبية العميد أيوب قاسم في يناير/كانون الثاني إذ أعلن عن فقدان 100 مهاجر غير شرعي وإنقاذ 17 آخرين في البحر المتوسط بعد غرق زورقهم قبالة السواحل الليبية، وخلال العام الماضي تكشف تقديرات المنظمة الدولية للهجرة عن وفاة 2832 مهاجراً خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا من شمال أفريقيا مقابل 4581 في عام 2016، بينما تمكن 119310 من الوصول إلى إيطاليا في عام 2017 مقابل 181436 في عام 2016، بحسب تقرير الهجرة العالمي والذي نشرته المنظمة بداية العام الجاري.
تعفن الجثث
تبقى جثث المهاجرين غير الشرعيين على شواطئ مدينة الخمس لأسابيع، كما يقول مكرم اليسير مدير مكتب الإعلام بالمجلس البلدي للخْمس، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، "لا ننتبه لها غالبًا إلا بعد انبعاث رائحة التعفن من بين الصخور نظرًا لطول الشاطئ وهذا الوضع المؤسف مستمر منذ سنوات، لكن تزايدت الأعداد في الفترة الأخيرة نظرًا لتركيز الأجهزة المعنية بمكافحة الهجرة على المناطق المشهورة بالتهريب على شواطئ زوارة وصبراتة مما اضطر المهربين على ما يبدو للبحث عن منافذ جديدة بالقرب من الخمس، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مدينة الخمس وحدها فمدن زوارة وصبراتة والقربوللي وغيرها تشهد سواحلها الأمر ذاته".
وتزيد الظاهرة خلال الفترة من يوليو/تموز حتى نهاية سبتمبر/أيلول (موسم السردين) والتي تعد ذروة النشاط البحري في ليبيا، إذ يكون البحر هادئاً ودافئاً كما يقول المتحدث باسم المجلس البلدي لمدينة الخمس.
ويعاني متطوعو فرع الهلال الأحمر بالمدينة ضعف التجهيزات مثل وسائل النقل للفريق العامل والجثث وعدم توفر أدوات الوقاية من الأمراض ووسائل حفظ الجثث وتغليفها ودفنها، بحسب إفادة الناشط أبوصبيع الذي يصف العمل بـ"العشوائية ومحدودية الإمكانيات"، وأضاف أنهم طالبوا المجلس البلدي بتوفير الدعم، لكنه ظل يتحجج بقلة الإمكانيات وعدم وجود بند في الميزانية يغطي تكلفة توفير مقابر المهاجرين والإنفاق على عمليات الانتشال وما يلزمها بالرغم من توفر موارد حرة لدى المجلس خارج إطار الميزانية من رسوم وتحصيلات على الخدمات المصرفية والتجارية والموانئ وغيرها، لكنه لا يرغب في الدعم حسب تعبيره.
اقــرأ أيضاً
لكن مدير مكتب الإعلام بالمجلس البلدي في الخْمس يرد قائلاً "في العادة نعتمد على الهلال الأحمر في التعامل مع حوادث انتشال المهاجرين فهو من يحمل على عاتقه مهمة الانتشال والدفن والمتابعة باعتباره جهة مختصة ولديه بند إداري ومالي واضح بالخصوص، لكنه يعاني من قلة الإمكانيات وضخامة العبء لهذا تواصلنا مع الصليب الأحمر ليقدم لنا الدعم المالي واللوجستي، لكنه أجاب بعدم استطاعته وهو ذات الجواب الذي نتلقاه من كل الجهات التي تواصلنا معها محليًا ودوليًا، ومنها الدولة الليبية نفسها التي لم تقدم للمجلس ما يساعده على حل المشكلة".
وأكد أن المجلس البلدي شكل لجنة في العام 2016 للتعامل مع الأزمة لكنه في كل الأحوال ليس جهة اختصاص، قائلاً "نجتهد في دعم نشطاء الهلال الأحمر في حدود إمكانياتنا الضعيفة نظرًا لعدم وجود بند في الميزانية المجلس وفقاً لتشريعات الإدارة المحلية يغطي هذا الملف، وهو ما يشكل أزمة في حال تزايد عدد الجثث"، إذ شهدت مدينة القربوللي المجاورة التي تشترك كثير من الإدارات فيها مع إدارات مدينة الخْمس حادثة استثنائية من هذا النوع عام 2015 عندما ظهرت على شواطئها 100 جثة لمهاجرين غرقوا في البحر دفعة واحدة، مما وضع الإدارات المعنية في ورطة كبيرة كما يقول.
جثث مجهولة الهوية
يشكو اليسير مما اعتبرها المشكلة الأكبر "وهي الجثث التي لا يمكن التعرف عليها تماماً" نظراً لما تشكله من عبء من نواحٍ كثيرة، إذ لا "نستطيع دفن الجثة لعدم معرفتنا بديانة الغريق وهو أمر مهم في مراسم الدفن واختيار مقبرة تستقبله، ولا نعرف جنسيته حتى نحتفظ بعينة لفحص DNA ونخاطب سفارة بلاده".
وفوجئ أهالي مدينة الخْمس الصغيرة ذات الـ 200 ألف نسمة، في شهر يوليو/تموز الماضي بـ 17 جثة ملقاة على شاطئ المدينة في يوم واحد، بينما بلغ عدد الجثث مجهولة الهوية بالمدينة خلال العام الماضي 48 جثة، بحسب اليسير، والذي قال "في البداية كنا ندفن الجثث بصفة شخصية عرفية إذ يتبرع المواطنون بالدفن لكن مع كثرة الأعداد بدأت العائلات ترفض استقبال الجثث في مقابرها فكل عائلة بحاجة لمساحة مقبرتها لدفن أبنائها، المجلس البلدي عجز عن توفير قطعة أرض كمقبرة وهو ما جعل الجثث تبقى ملقاة في العراء لفترات طويلة حتى تدبير مكان لها بإحدى المقابر، كما أن تزايد أعداد جثث المهاجرين شكّل ضغطاً على أجهزة المدينة وكوادرها من أطباء ومستشفيات ونيابة وطب شرعي، حتى أصبحت جثث المهاجرين تشغل ثلاجات المستشفى بشكل شبه كلي كما تظل بعض الجثث في الثلاجة لستة وسبعة أشهر وإحدى الجثث لمهاجر إفريقي مجهول الهوية بقيت في الثلاجة لمدة ثلاث سنوات".
صحة المواطنين مهددة
يحذر الجراح في مستشفى الخمس التعليمي منير المدهون من الأمراض التي تنتقل عبر الاقتراب من الجثث التائهة والمنسية ومن بينها الكوليرا، قائلاً "من يتعامل مع الجثة دون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة يمكن أن تنتقل له الأمراض التي عانى منها المتوفى، مثل الجرب والدرن وغيرها من الأمراض الوبائية والمعدية".
وأعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس عبر صفحة الجهاز على "فيسبوك" في سبتمبر/ أيلول الماضي أن الجهاز رصد مهاجرين غير شرعيين يعانون من مرض الجرب بالإضافة لأمراض معدية خطيرة أخرى كالدرن والسل وفيروسات الكبد الوبائية ما يهدد حياتهم وحياة غيرهم من المتحفظ عليهم.
ويؤكد المستشار الإعلامي في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ميلاد الساعدي لـ"العربي الجديد" إن "عودة الأمراض السارية والمعدية وبعض الأمراض التي استطاعت ليبيا القضاء عليها منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي من أخطر الظواهر المصاحبة لموجات المهاجرين، إذ تم رصد تزايد معدلات الإصابة بأمراض الالتهاب الكبدي والسل الرئوي والإيدز والجَرَب".
ويشتكي الناشط أبوصبيع من التهديد البيئي والصحي جرّاء بقاء الجثث على الشاطئ فترات طويلة قائلاً "في الفترة الماضية أكلت الكلاب عدداً من الجثث ما دفعها لمهاجمة الناس في الشوارع واعتدت على شخصين أحدهما لا يزال في تونس يتلقى العلاج جراء عضّة الكلب"، وأدى تكرار الحادثة إلى تشكيل الحرس البلدي فرقة لقتل كلاب الشوارع قتلت 13 كلباً على شاطئ البحر".
من المسؤول عن انتشال الجثث؟
ينفي ميلاد الساعدي مسؤولية جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية عن انتشال جثث المهاجرين بعد غرقهم قائلاً "هذا العمل يقع على عاتق جهات الاختصاص التي حددها القانون وهي جهاز حرس السواحل وإدارة أمن السواحل المكلفان بعمليات البحث والإنقاذ والمراقبة الأمنية في البحر وعلى الشواطئ، بالإضافة لمسؤولية مركز الشرطة عن الجثث التي يتم العثور عليها على الأرض في دائرته الجغرافية الذي بدوره يحيل الموضوع للنيابة العامة".
وأضاف الساعدي أن ملف الهجرة غير الشرعية بشكل عام حساس وشائك، قائلاً "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يواجه معاناة شديدة ومسؤوليات تتطلب ميزانيات ضخمة لتوفير الخدمات المطلوب توافرها بمراكز الإيواء من رعاية صحية وإعاشة للمهاجرين، ما بالك بالجثث العديدة التائهة على الشواطئ وفي البحر".
ليبيا في مأزق
في الوقت الذي يشتكي فيه المتحدث باسم جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية من ضعف الإمكانيات المطلوبة لمواجهة الظاهرة، يبدي استياءً من عدم التعاون الفعلي من المجتمع الدولي رغم وجود العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم من ناحية أخرى إذ تُرِكَت ليبيا وحيدة في مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي تصاحبها توابع خطيرة تتمثل في جرائم الإرهاب والإتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلاح ودخول المهاجرين في النزاعات المسلحة وغسل الأموال وانتشار السطو والجريمة المنظمة والدعارة والتسول، بالإضافة إلى جثث المهاجرين التائهة.
اقــرأ أيضاً
ويتفق فتحي أبو زخار الكاتب الليبي المهتم بقضية المهاجرين مع الساعدي، قائلاً "يجب على أوروبا معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية وعلى رأسها النزاعات المسلحة وغياب التنمية بالدول المصدرة للمهاجرين"، ولفت إلى أن استقرار ليبيا وقيام حكومة قوية عاملٌ مهمٌ لوقف ظاهرة تهريب المهاجرين وسيحد من نشاط عصابات التهريب التي تتخذ ليبيا معبراً، وبالتالي ستتوقف توابع ظاهرة الهجرة غير الشرعية ومن بينها مشكلة جثث المهاجرين التائهة".
وحتى بعد وضع الجثث في أكياس الحفظ لا تُدفن في بعض الأحيان لعدم تخصيص مقابر لاستقبالها، كما يكمل أبو صبيع قائلاً "الجهات الرسمية لم تتحمل مسؤولياتها في توفير مقبرة واستكمال الإجراءات اللازمة للدفن".
وتتكرر حوادث غرق المهاجرين أمام السواحل الليبية وأحدثها ما كشف عنه المتحدث باسم البحرية الليبية العميد أيوب قاسم في يناير/كانون الثاني إذ أعلن عن فقدان 100 مهاجر غير شرعي وإنقاذ 17 آخرين في البحر المتوسط بعد غرق زورقهم قبالة السواحل الليبية، وخلال العام الماضي تكشف تقديرات المنظمة الدولية للهجرة عن وفاة 2832 مهاجراً خلال محاولتهم الوصول إلى إيطاليا من شمال أفريقيا مقابل 4581 في عام 2016، بينما تمكن 119310 من الوصول إلى إيطاليا في عام 2017 مقابل 181436 في عام 2016، بحسب تقرير الهجرة العالمي والذي نشرته المنظمة بداية العام الجاري.
تعفن الجثث
تبقى جثث المهاجرين غير الشرعيين على شواطئ مدينة الخمس لأسابيع، كما يقول مكرم اليسير مدير مكتب الإعلام بالمجلس البلدي للخْمس، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، "لا ننتبه لها غالبًا إلا بعد انبعاث رائحة التعفن من بين الصخور نظرًا لطول الشاطئ وهذا الوضع المؤسف مستمر منذ سنوات، لكن تزايدت الأعداد في الفترة الأخيرة نظرًا لتركيز الأجهزة المعنية بمكافحة الهجرة على المناطق المشهورة بالتهريب على شواطئ زوارة وصبراتة مما اضطر المهربين على ما يبدو للبحث عن منافذ جديدة بالقرب من الخمس، وهذه الظاهرة لا تقتصر على مدينة الخمس وحدها فمدن زوارة وصبراتة والقربوللي وغيرها تشهد سواحلها الأمر ذاته".
وتزيد الظاهرة خلال الفترة من يوليو/تموز حتى نهاية سبتمبر/أيلول (موسم السردين) والتي تعد ذروة النشاط البحري في ليبيا، إذ يكون البحر هادئاً ودافئاً كما يقول المتحدث باسم المجلس البلدي لمدينة الخمس.
ويعاني متطوعو فرع الهلال الأحمر بالمدينة ضعف التجهيزات مثل وسائل النقل للفريق العامل والجثث وعدم توفر أدوات الوقاية من الأمراض ووسائل حفظ الجثث وتغليفها ودفنها، بحسب إفادة الناشط أبوصبيع الذي يصف العمل بـ"العشوائية ومحدودية الإمكانيات"، وأضاف أنهم طالبوا المجلس البلدي بتوفير الدعم، لكنه ظل يتحجج بقلة الإمكانيات وعدم وجود بند في الميزانية يغطي تكلفة توفير مقابر المهاجرين والإنفاق على عمليات الانتشال وما يلزمها بالرغم من توفر موارد حرة لدى المجلس خارج إطار الميزانية من رسوم وتحصيلات على الخدمات المصرفية والتجارية والموانئ وغيرها، لكنه لا يرغب في الدعم حسب تعبيره.
لكن مدير مكتب الإعلام بالمجلس البلدي في الخْمس يرد قائلاً "في العادة نعتمد على الهلال الأحمر في التعامل مع حوادث انتشال المهاجرين فهو من يحمل على عاتقه مهمة الانتشال والدفن والمتابعة باعتباره جهة مختصة ولديه بند إداري ومالي واضح بالخصوص، لكنه يعاني من قلة الإمكانيات وضخامة العبء لهذا تواصلنا مع الصليب الأحمر ليقدم لنا الدعم المالي واللوجستي، لكنه أجاب بعدم استطاعته وهو ذات الجواب الذي نتلقاه من كل الجهات التي تواصلنا معها محليًا ودوليًا، ومنها الدولة الليبية نفسها التي لم تقدم للمجلس ما يساعده على حل المشكلة".
وأكد أن المجلس البلدي شكل لجنة في العام 2016 للتعامل مع الأزمة لكنه في كل الأحوال ليس جهة اختصاص، قائلاً "نجتهد في دعم نشطاء الهلال الأحمر في حدود إمكانياتنا الضعيفة نظرًا لعدم وجود بند في الميزانية المجلس وفقاً لتشريعات الإدارة المحلية يغطي هذا الملف، وهو ما يشكل أزمة في حال تزايد عدد الجثث"، إذ شهدت مدينة القربوللي المجاورة التي تشترك كثير من الإدارات فيها مع إدارات مدينة الخْمس حادثة استثنائية من هذا النوع عام 2015 عندما ظهرت على شواطئها 100 جثة لمهاجرين غرقوا في البحر دفعة واحدة، مما وضع الإدارات المعنية في ورطة كبيرة كما يقول.
جثث مجهولة الهوية
يشكو اليسير مما اعتبرها المشكلة الأكبر "وهي الجثث التي لا يمكن التعرف عليها تماماً" نظراً لما تشكله من عبء من نواحٍ كثيرة، إذ لا "نستطيع دفن الجثة لعدم معرفتنا بديانة الغريق وهو أمر مهم في مراسم الدفن واختيار مقبرة تستقبله، ولا نعرف جنسيته حتى نحتفظ بعينة لفحص DNA ونخاطب سفارة بلاده".
وفوجئ أهالي مدينة الخْمس الصغيرة ذات الـ 200 ألف نسمة، في شهر يوليو/تموز الماضي بـ 17 جثة ملقاة على شاطئ المدينة في يوم واحد، بينما بلغ عدد الجثث مجهولة الهوية بالمدينة خلال العام الماضي 48 جثة، بحسب اليسير، والذي قال "في البداية كنا ندفن الجثث بصفة شخصية عرفية إذ يتبرع المواطنون بالدفن لكن مع كثرة الأعداد بدأت العائلات ترفض استقبال الجثث في مقابرها فكل عائلة بحاجة لمساحة مقبرتها لدفن أبنائها، المجلس البلدي عجز عن توفير قطعة أرض كمقبرة وهو ما جعل الجثث تبقى ملقاة في العراء لفترات طويلة حتى تدبير مكان لها بإحدى المقابر، كما أن تزايد أعداد جثث المهاجرين شكّل ضغطاً على أجهزة المدينة وكوادرها من أطباء ومستشفيات ونيابة وطب شرعي، حتى أصبحت جثث المهاجرين تشغل ثلاجات المستشفى بشكل شبه كلي كما تظل بعض الجثث في الثلاجة لستة وسبعة أشهر وإحدى الجثث لمهاجر إفريقي مجهول الهوية بقيت في الثلاجة لمدة ثلاث سنوات".
صحة المواطنين مهددة
يحذر الجراح في مستشفى الخمس التعليمي منير المدهون من الأمراض التي تنتقل عبر الاقتراب من الجثث التائهة والمنسية ومن بينها الكوليرا، قائلاً "من يتعامل مع الجثة دون أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة يمكن أن تنتقل له الأمراض التي عانى منها المتوفى، مثل الجرب والدرن وغيرها من الأمراض الوبائية والمعدية".
وأعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس عبر صفحة الجهاز على "فيسبوك" في سبتمبر/ أيلول الماضي أن الجهاز رصد مهاجرين غير شرعيين يعانون من مرض الجرب بالإضافة لأمراض معدية خطيرة أخرى كالدرن والسل وفيروسات الكبد الوبائية ما يهدد حياتهم وحياة غيرهم من المتحفظ عليهم.
ويؤكد المستشار الإعلامي في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ميلاد الساعدي لـ"العربي الجديد" إن "عودة الأمراض السارية والمعدية وبعض الأمراض التي استطاعت ليبيا القضاء عليها منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي من أخطر الظواهر المصاحبة لموجات المهاجرين، إذ تم رصد تزايد معدلات الإصابة بأمراض الالتهاب الكبدي والسل الرئوي والإيدز والجَرَب".
ويشتكي الناشط أبوصبيع من التهديد البيئي والصحي جرّاء بقاء الجثث على الشاطئ فترات طويلة قائلاً "في الفترة الماضية أكلت الكلاب عدداً من الجثث ما دفعها لمهاجمة الناس في الشوارع واعتدت على شخصين أحدهما لا يزال في تونس يتلقى العلاج جراء عضّة الكلب"، وأدى تكرار الحادثة إلى تشكيل الحرس البلدي فرقة لقتل كلاب الشوارع قتلت 13 كلباً على شاطئ البحر".
من المسؤول عن انتشال الجثث؟
ينفي ميلاد الساعدي مسؤولية جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية عن انتشال جثث المهاجرين بعد غرقهم قائلاً "هذا العمل يقع على عاتق جهات الاختصاص التي حددها القانون وهي جهاز حرس السواحل وإدارة أمن السواحل المكلفان بعمليات البحث والإنقاذ والمراقبة الأمنية في البحر وعلى الشواطئ، بالإضافة لمسؤولية مركز الشرطة عن الجثث التي يتم العثور عليها على الأرض في دائرته الجغرافية الذي بدوره يحيل الموضوع للنيابة العامة".
وأضاف الساعدي أن ملف الهجرة غير الشرعية بشكل عام حساس وشائك، قائلاً "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية يواجه معاناة شديدة ومسؤوليات تتطلب ميزانيات ضخمة لتوفير الخدمات المطلوب توافرها بمراكز الإيواء من رعاية صحية وإعاشة للمهاجرين، ما بالك بالجثث العديدة التائهة على الشواطئ وفي البحر".
ليبيا في مأزق
في الوقت الذي يشتكي فيه المتحدث باسم جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية من ضعف الإمكانيات المطلوبة لمواجهة الظاهرة، يبدي استياءً من عدم التعاون الفعلي من المجتمع الدولي رغم وجود العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم من ناحية أخرى إذ تُرِكَت ليبيا وحيدة في مواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي تصاحبها توابع خطيرة تتمثل في جرائم الإرهاب والإتجار بالبشر وتهريب المخدرات والسلاح ودخول المهاجرين في النزاعات المسلحة وغسل الأموال وانتشار السطو والجريمة المنظمة والدعارة والتسول، بالإضافة إلى جثث المهاجرين التائهة.
ويتفق فتحي أبو زخار الكاتب الليبي المهتم بقضية المهاجرين مع الساعدي، قائلاً "يجب على أوروبا معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية وعلى رأسها النزاعات المسلحة وغياب التنمية بالدول المصدرة للمهاجرين"، ولفت إلى أن استقرار ليبيا وقيام حكومة قوية عاملٌ مهمٌ لوقف ظاهرة تهريب المهاجرين وسيحد من نشاط عصابات التهريب التي تتخذ ليبيا معبراً، وبالتالي ستتوقف توابع ظاهرة الهجرة غير الشرعية ومن بينها مشكلة جثث المهاجرين التائهة".