الجامعة الأردنية: حلا وقاطعو الرؤوس

22 يناير 2017
(جانب من الأعمال المخرّبة)
+ الخط -
عندما اختارت الشّابة حلا طوال، أن يكون مشروعها في الجامعة عملًا يُحاكي اضطهاد المجتمع للمرأة، لم يخطر ببالها أن هذا العمل سيُصبح ضحية أفكار هذا المجتمع، وشاهدًا على خطورة ما آل إليه مستواه الثقافي والمعرفي. لم تكن هذه المرّة الأولى التي تُشيّع فيها طالبة النحت حلا وزملاؤها في الجامعة الأردنية، تماثيل ومنحوتات فُصِل رأسها عن جسدها لانتزاع روح العمل الفني وغايته، فقبل ثلاث سنوات، هاجمت مجموعة مجهولة ليلًا أعمالًا فنيّة في الجامعة، من بينها تمثالٌ لأستاذ النحت كرام النمري، بعدما تسلّلت إلى طلاب الجامعة موجة من "الفتن المذهبية"، تعتبر أن ما يقوم به طلاب النحت هو تجسيد للأصنام والأوثان.

تقول الشّابة حلا: "توقّف عملي على المشروع عام 2013، لم أتمكّن من إنهاء العمل تمامًا لعدم توفّر المواد اللازمة في الجامعة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تخرّجي ومعرفتي بأن أي عمل يُنجزه الطلبة هو ملك للجامعة، ولا يحق لنا أخذه أو التصرّف فيه، بحسب قوانين الجامعة. قبل أيّام تلقيتُ اتصالًا من الجامعة يُخبرني بضرورة أخذ العمل وإلا سيتمُّ التخلص منه. حدّدنا موعدًا لأقوم بإجراءات نقله، فالتعامل مع مجسّم بارتفاع يفوق المترين أمرٌ ليس سهلًا".

وصلت حلا في الموعد الذي حُدّد لها، لكنها تفاجأت أن المجسّم لم يعد موجودًا، راجعت عميد الكلية الذي نفى علمه بالموضوع، وبعد بحث طويل وجدت أن تمثالها وأعمالا أخرى غيرها، قد تحوّلت جميعها إلى حطام في مكّب الكلية، مُشرف النحت برّر الموضوع، بأنه أرسل في طلبها مرّات عديدة، وعندما لم تحضر تصرّف كما يجب.

كانت أعمالها وأعمال زملائها، انطلاقًا من فكرة أن الفن يمزج في أعماقه بين التوتّر والتناقض، ولا يصدر فقط عن معاناة من الواقع، بل يتجاوزها بتركيبٍ يكتسب شكلًا موضوعيًا من خلال تحكّم الفنان في مادته، وأن الفنّ في حد ذاته هو أصل العمل الفني، وأن كل محاولات إدراك الصفة الشيئية للعمل من خلال التساؤل عن بنيته، تحول دون دخول الإنسان إلى عمق وجود العمل الفني، الأمر الذي يشكّل نقطة الانطلاق الوحيدة في عقلية هذا المجتمع نحو تشييء المنحوتات إلى أصنام، والتعامل مع النحّات كمشرك، حسب المفاهيم الدينية التي أسّس لها الفكر التكفيري، على حدّ تعبيرها.

تضمّنت دفعة حلا أربعة طلّاب فقط، في جامعة يرتادها آلاف الطلبة في مختلف التخصّصات، هذه الجامعة التي تصنّف من بين أفضل عشرين جامعة عربية، ما زالت تُسجّل اعتداءات على أعمال طلبة الفنون، الأمر الذي يطرح عدّة أسئلة حول مسؤولية هذه الاعتداءات، والجهات التي تحرّض على ذلك، وهذا يشمل مجتمع الجامعة من طلبة وأكاديميين، وكيف تخطّت هذه الأفكار "الظلامية" ونظرتها للفن بشكل عام وللنحت بشكل خاص، أسوار الجامعة.

ترى حلا، أن هذه التصرّفات ممنهجة وليست فردية، ولا تخص مجتمعًا أو فئة أو طبقة في حد ذاتها، مشيرةً إلى أنه لدى خروجنا إلى الشارع، سنجد أن أعمالًا فنيّة تُهدّم لتنتصب مكانها إشارات مرور، كما هو الحال مع إزالة عمل الفنان السوري ربيع الأخرس، وعنوانه "بوابة التاريخ" في منطقة الدوار السابع. أو تُستبدل بأشجار نخيل كما حدث مع الفنان غسان مفاضلة، الذي أزيل عمله من مدخل محافظة جرش بغايبه، بحجّة احتوائه على أعمدة تجسّد الشمعدان اليهودي.

تدرس المجتمعات تاريخ من سبقوها وحضارتهم بتحليل ما تبقى شاهدًا عليهم من فنون العمارة والنحت. نتساءل هنا: ماذا ستخبرنا إشارات المرور ومكب نفايات كلية الفنون، وأشجار النخيل عنّا؟ ومن سيتولى مهمّة الكشف عن جهلنا بعد ألفي عام من الآن؟ وكيف سنفسّر تعصّبنا لفكرة ربط النحت بالأصنام والشرك بالله؟ إذا ما تتبعنا تاريخ الدولة والمجتمع الإسلامي، وفتوحات وصلت فيه الجيوش الإسلامية إلى الصين وإسبانيا، وما زال أبو الهول يحمل رأسه بين كتفيه، فهل كانت هذه الدولة ومجتمعاتها جاهلة بالدّين أم تقدّر الفن؟ هذا ما لن يجيبنا عليه قطع رأس التمثال بطبيعة الحال.

المساهمون