الجامعات "البوليسية" في إسرائيل: ممنوع التعاطف مع غزة

03 اغسطس 2014
نشاط داخل جامعة تل أبيب بذكرى النكبة(أرشيفية/جاك جويز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

انكشفت إسرائيل إعلامياً، خلال العدوان المستمر على غزة، وسقطت قيم تدّعيها تخص حرية الرأي والتعبير. وكلما امتدت فترة العدوان، انفضحت حقائق جديدة، ولا سيما في اضطهاد الحريات وملاحقة وكتم الأصوات الإسرائيلية الخافتة أصلاً، الرافضة للحرب على غزة، أو حتى تلك التي تقف على الحياد. ووصل الأمر إلى مطالبة أحد الأساتذة الجامعيين بالاعتذار لمجرد تمنيه السلامة لطلابه الأبرياء في غزة.

وهو ما دفع صحيفة "هآرتس" للقول في افتتاحيتها إن "المكارثية" (الرجعية والارهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين) تزداد انتشاراً في إسرائيل وارتفعت درجة، وباتت تتهدد المعاهد الأكاديمية، محذّرة من اسقاطاتها على حرية التعبير، ومسها بالجامعات والكليات.

وكان المحاضر في كلية الحقوق في جامعة "بار ايلان" الإسرائيلية، حانوخ شينمان، قد بعث رسالة عبر البريد الإلكتروني لطلابه يبلغهم بها موعد امتحانهم، كتب في مقدمتها؛ "أتمنى مع استلامكم لهذه الرسالة، أن تكونوا في مكان آمن، أنتم وعائلاتكم، وأن لا يكون أقاربكم بين مئات الناس الذين تعرضوا للقتل، والآلاف الذين جُرحوا، أو عشرات الآلاف الذين هُدمت بيوتهم".

ولم ترقْ هذه الرسالة لعدد من الطلاب الذين اعتبروها مسّاً بمشاعرهم، وأنها تتضامن مع أهالي غزة، ورافضة للعدوان الإسرائيلي. ووصلت الأمور إلى حد الضغط على عميد الكلية، الذي بدا غاضباً، معبّراً عن صدمته مما بدر عن زميله، ومعتبراً الرسالة تمس بالإسرائيليين، وتوعّد بمحاسبته وطالبه بالاعتذار. وأضاف أنها تتنافى مع "قيم" الجامعة وكلية الحقوق.

أما المحاضر نفسه فقال لاحقاً إنه لم يفهم بعد سبب مطالبته بالاعتذار. وأجابه كاتب اسرائيلي بأن "إبداء أي موقف انساني بات يعتبر موقفاً سياسياً في جامعتك ودولتك". وشرح أن هناك أكثر من 1400 شخص (ارتفع ليقترب من 1700) قتلوا في غزة غالبيتهم من الأطفال والنساء والرجال الأبرياء، لم يقترفوا أي ذنب، ولكن عميد الكلية وغيره يعتبرونهم "مخربين" من حركة "حماس"، وبالتالي ابداء أي تعاطف معهم محظور بشدة، على حد تعبيره.

أما صحيفة "هآرتس" التي نشرت مواد عدة عن الموضوع في أكثر من عدد، واتخذت موقف المدافع عن المحاضر وحرية التعبير، فتساءلت عن "القيم" التي يقصدها عميد الكلية. وانتقدت تصرفه؛ فبدل أن يشيد بالموقف الإنساني للمحاضر والدفاع عنه وعن القيم التي يحاول زرعها في طلابه، انضم إلى قافلة المحرضين التي تجتاح إسرائيل وتخترق وتتهدد المعاهد الأكاديمية.

كما تساءلت الصحيفة عن نوعية الطلاب التي يريد العميد أن يخرّجها على يديه والقيم التي يريد أن يزرعها فيهم.

وكتبت عن ردة فعل الطلاب، مشيرةً إلى أن ما حدث يعبّر عن وجهة جيل المستقبل وطباعه، ولو كانت الجامعة تفرض عليهم مساراً اساسياً في "فهم المقروء" لأدركوا أن ما فعلوه مثير للسخرية، "فهناك قتلى وجرحى في إسرائيل أيضاً بسبب الحرب. وهناك بيوت تضررت وسكان في منطقة غلاف غزة تركوا بيوتهم متوجهين إلى أماكن أكثر أمناً".

 ولا يتوقف الأمر عند هذه الحادثة في جامعة "بار ايلان"، لكن رؤساء واداريي جامعتَي "تل أبيب" و"بن غوريون" في بئر السبع، قاموا أخيراً، بتحذير المحاضرين والموظفين والعاملين فيهما، من نشر "تصريحات متطرفة وغير لائقة". وهو ما تبيّن لاحقاً أنه يشمل حتى المواقف الإنسانية التي قد يبديها البعض تعاطفاً مع الأبرياء في غزة.

وأعلنت جامعة "بن غوريون" قبل أيام، أنها تراقب تصريحات طاقمها الأكاديمي وطلابها عبر شبكة الانترنت، في ظل الوضع الراهن، محذّرة اياهم على لسان رئيسة الجامعة، بأنها تتلقى "شكاوى كثيرة حول تصريحات متطرفة وغير لائقة" ينشرها عدد من طلابها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ولم تخف أنها ستتعامل بحزم مع الموضوع وحتى امكانية تقديم شكاوى لدى الشرطة، علماً أن من تقصدهم هم الطلاب الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة بالأساس وربما بعض اليساريين الإسرائيليين.

وناقضت الجامعة نفسها في الرسالة حين أشارت إلى احترامها قيم الديمقراطية، التي تريدها ديمقراطية على هواها، لا تخالف الأغلبية ولا تُغضبها.

ولا يختلف الوضع في جامعة "تل أبيب"، التي أعلن رئيسها وطاقمها في رسالة نشرت عبر موقعها الالكتروني، أن "جامعة تل أبيب تلتف حول قوات الأمن وتستنكر التصريحات التي تمسّ بهم والتصريحات المتطرفة التي تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي". وحذّرت الجامعة من الخطوات التي يمكن أن تتخذها.

إلا أن هذا التوجه لم يرق لعدد من العاملين في الحقل الأكاديمي، من بينهم المحاضر في كلية الهندسة المعمارية في جامعة "تل أبيب"، هيلل شوكو، الذي اعتبر الرسالة تقييداً لحرية التعبير.

وكتب للإدارة يقول: "مع احترامي لرئيس الجامعة، فإن رسالتك غير مقبولة بتاتاً. الجامعة هي آخر مكان يمكن المساس فيه بحرية التعبير، وهذا حق أساسي في دولة ديمقراطية".

وأضاف "المرحلة المقبلة ستشهد تنازلاً عن الحرية الأكاديمية. للدولة أدواتها التي تراقب بها حرية التعبير، وحتى هي لا يتعين عليها استخدامها إلا في حالات استثنائية. أما الجامعة فمثلها مثل أي مكان عمل آخر لا حق لها بالتدخل في أمر كهذا".

من جهته، حذّر المحاضر في كلية الحقوق في جامعة "حيفا"، ومدير مركز "دراسات المركز العربي للحقوق والسياسات"، يوسف جبارين، من خطورة ما تشهده الجامعات والكليات الإسرائيلية.

وقال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "انحساراً خطيراً في حرية التعبير طرأ داخل اسرائيل حتى قبل الحرب على غزة، وذلك في ظل سيطرة اليمين على الساحة السياسية ومحاولاته المستمرة للمس حتى بحرية التعبير الأكاديمية".

وأضاف "قبل بضعة أشهر، على سبيل المثال، دعا وزير الخارجية الاسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، ادارة الجامعة إلى فصلي من هيئة المحاضرين بسبب مشاركتي في نشاط سياسي ضد الاحتلال".

وأكد جبارين، أنه "والآن نرى أن اليمين يستغل هذه الحرب من أجل التصعيد وتوجيه ضربة أخرى، أخطر وأقوى، الى كل صوت نقدي ضد الحرب وآفاتها سواء في الساحة السياسية أو الاكاديمية او الاجتماعية". وهو يستغل بذلك حالة الاجماع القائمة في اسرائيل على دعم الحرب ليعرض كل صوت نقدي كصوت خائن أو داعم للعدو.

و"فعلاً بلغت هجمة اليمين ذروة من التحريض العنصري الكلامي والجسدي، بدءاً بالتحريض الدموي على شبكات التواصل الاجتماعي، مروراً بالفصل من اماكن العمل، وصولاً الى كبت الاصوات النقدية في الحرم الجامعي".

وأوضح أن "إسرائيل فشلت في الامتحان الحقيقي للديمقراطية وحرية التعبير حتى داخل مؤسساتها، وهذا برأيي الثمرة المسمومة لسنوات طوال من سياسات التحريض والاقصاء ضد الاقلية الفلسطينية وضد كل صوت يساندها داخل المجتمع اليهودي".

واختتم كلامه بأنه "لا يوجد معنى لأي مؤسسة اكاديمية، اذا لم تحم حق حريّة التعبير لطواقمها ومحاضريها وطلابها. هذا الحق يلفظ أنفاسه الأخيرة في واقع إسرائيل الحالي".

المساهمون