اختلفت العلاقات بين الجيران. يمكن القول إنها اتخذت شكلاً آخر في ظل تغيّر قيم المجتمع، بالإضافة إلى إيقاع الحياة السريع. في ما مضى، لم تكن المشاكل لتقع بين الجيران إلا نادراً. كان هناك ما يسمى بـ"حسن الجوار"، والذي نتج عنه علاقة مميزة بين أشخاص لا تربطهم أي صلة قرابة. اليوم، ربما يحصل شجار من أجل ركن سيارة، أو بسبب القمامة وغيرها.
في الماضي، كانت زيارة القاطن الجديد في المبنى بهدف تهنئته بمنزله الجديد ودعوته إلى تناول الطعام، أمراً ضرورياً بحسب التقاليد. أيضاً، كان تأديب الجار لابن جاره بمثابة واجب في حال أساء التصرف. ولطالما اعتاد الجيران الاهتمام بأحوال بعضهم البعض. وعادة لا يهدأ بالهم إلا حين يزورون بعضهم ويقدمون المساعدة. وكان الجيران يتشاركون همومهم ويتحدثون عن مستجدات حارتهم، ويقيمون أفراحهم في جو من الألفة والمحبة.
اليوم، تغيرت هذه العلاقات. ويمكن القول إن العادات التي كان الجيران يحرصون عليها اختفت. في هذا السياق، يقول علي ولد سيدي محمود (44 عاماً)، وهو موظف ورب أسرة، إن "مشاغل الحياة والتفكك الاجتماعي أثّرا على العلاقة بين الجيران. صار الجار يسكن في منزله الجديد، يدخل ويخرج منه، من دون أن يعرفه أحد. حتى إن البعض لا يردّون التحية على جيرانهم، فيما يتحاشى آخرون الخروج من المنزل حين يعلمون أن جارهم يهمّ بترك بيته".
من حين إلى آخر، يحنّ محمود إلى الألفة التي كانت قائمة بين الناس، والعلاقة الجميلة التي كانت تجمع الجيران. ويلفت إلى أنه "كان هناك ثقة. أما اليوم، فلا يمانع الجيران من اللجوء إلى المحاكم لحل أبسط الخلافات".
ضوضاء ونميمة
يفضّل كثيرون في الوقت الحالي العزلة وعدم التواصل مع محيطهم السكني، خشية حدوث مشاكل مع الجيران. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي ومشاغل الحياة أثّرت بشكل كبير على العلاقات الاجتماعية، خصوصاً بين الجيران. يضاف إلى ذلك عدم معرفة البعض بالحقوق والواجبات، ما قد يؤدي إلى مشاكل كثيرة.
تخشى عائشة بنت عبد الرحمن (37 عاماً)، وهي ربة منزل، حدوث مشاكل مع جيرانها. تضيف أن "هناك مشاكل بسيطة تحدث بين الجيران بسبب الأطفال وتنظيف المبنى، أو انزعاج الآخرين بسبب الضوضاء والنميمة وأعمال الصيانة. هذه الأمور قد تؤدي إلى مشاحنات وتصل أحياناً إلى العداوة، على غرار ما حدث قبل فترة، حين تشاجر جاران حول مكان ركن السيارة، وتحول خلافهما إلى نزاع مسلّح كاد أن يتحوّل إلى صراع بين قبيلتين". وتشير إلى أنها تفضل العزلة، لافتة إلى أن "كثيرا من الجيران يتجاوزون حدود اللياقة ولا يعرفون حقوقهم أو واجباتهم".
غرباء
إلى ذلك، يمكن القول إن تغيّر العلاقات بين الجيران أدى إلى زيادة أعمال سرقة البيوت، علماً أن هذه الجرائم تنتشر بشكل كبير في البلاد. ولأنه بالكاد يتواصل الجيران مع بعضهم البعض، صار المجرمون لا يخشون التسلّل إلى المنازل والسرقة في وضح النهار. من جهة أخرى، تفتقد بعض الأحياء للزينة وأعمال الصيانة والنظافة بسبب عدم تعاون الجيران مع بعضهم البعض.
في هذا السياق، يقول الباحث الاجتماعي سيد أحمد ولد الناجي، إن العلاقة بين الجيران اليوم تفتقد لأبسط مقومات الجيرة، باستثناء الأحياء الشعبية القديمة وعدد من القرى، التي ما زال أهلها يحرصون على الاطمئنان على جيرانهم ومساعدتهم. يضيف: "قلة هم الجيران الذين يكترثون للحفاظ على العلاقات المتينة مع بعضهم البعض"، مشيراً إلى أن آخرين بالكاد يلقون التحية، وقد تتحول مشاكلهم البسيطة إلى صراعات. يضيف أنه "في القرى، بات الاقتتال على آبار المياه القليلة أمراً عادياً، حتى يحافظ القرويون على وجودهم وقوتهم، ويؤمنون المياه لري أراضيهم".
وعن أسباب تدهور علاقات الجيران، يرى الباحث أن المودة بين الناس لم تعد موجودة كما في السابق، وقد تأثرت العلاقات الاجتماعية بصفة عامة، خصوصاً بين الجيران. ويلفت إلى مشكلة أخرى تتمثل في التوسّع العمراني، وبُعد البيوت عن بعضها البعض، واختلاف طباع الناس. يضيف أنه "في مجتمع فتي كالمجتمع الموريتاني، نلاحظ أن الكثير من سكان المدن قدموا من مناطق مختلفة من أجل العمل والدراسة، لتتحول إلى مزيج من عادات وتقاليد مختلفة. وبسبب اختلاف الطباع والعادات، صارت غالبية الجيران بمثابة غرباء أو أعداء". لذلك، يدعو إلى تقريب الفجوة بين الجيران، وحلّ مشاكل المتخاصمين ومناقشتها برويّة، وإطلاق مبادرات لإحياء العلاقات الطيبة بين الجيران.
اقرأ أيضاً: التقاليد تتسبب بسرطان الثدي في موريتانيا