يحاول المهتمون بالأدب في عالمنا العربي تفسير مفاجأة الجائحة الروائية، فالتوقعات لم تكن على مستوى حجمها، ومع هذا من المستحسن وصفها بالإقبال على الرواية، لئلا تبدو وكأنها وباء لا بد من مكافحته أو الحدّ منه.
ولئلا نتورط بالحديث عن قيمتها الأدبية، يمكن القول إنها ظاهرة اجتماعية أكثر منها أدبية، فمن ناحية الأدب بالذات لا يمكن الحكم عليها قبل أن تتبلور في داخلها الاتجاهات الكبرى التي ستحكمها، لذا من المبكر التساؤل عن قيمتها، ما يبشّر بخير أن تنوعها دليل على حيويتها، هذا الكم مرشح لإنتاج رواية تضع الأدب الروائي العربي على خارطة الأدب العالمي.
وربما لو كانت هناك متابعة نقدية جادة لتعرفنا إلى ما تتميز به نشأتها في هذه الظروف، لكن اتجاهات الإعلام الثقافي مكرس لروايات الجوائز واختلاق مبررات لفوزها.
الكلام عن أرقام الرواية الجديدة، ليس من قبيل المبالغة، فالإنتاج الروائي في البلاد العربية قارب ستمائة رواية سنوياً في الأعوام الثلاثة المنصرمة، ما شكّل قفزة هائلة بالمقارنة مع العقود السابقة، حيث لم يزد العدد سنوياً عن مائة رواية.
هذا الحراك الروائي، جاء في وقت غير ملائم له، فثورات "الربيع العربي"، استحوذت على الاهتمام بمتابعة أخبار الربيع وملاحقة مصائره المأساوية، ظهر في الانكباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان في الانصراف إليها اعتياد على القراءات السريعة والمناقشات والتعليقات الموجزة، وانصراف عن قراءة الكتب التي تأخذ وقتاً أطول بما لا يقاس.
إضافة إلى ما تعانيه القراءة أصلاً من تراجع طوال النصف الثاني من القرن الماضي، بعد ظهور التلفزيون، ثم هيمنة السينما الأميركية على الذائقة الفنية، ومؤخراً طغيان الإنترنت واستيلائه على أوقات الفراغ والتسلية.
في هذه الأجواء المحبطة، شقت الرواية طريقاً لها ولو كان عشوائياً، وسط المعوقات وأحرزت مكانة متواضعة ما برحت تتسع من عام لآخر.
لا نريد إغفال عامل الجوائز، وإن كانت محدودة التأثير وخطرة، لكنها مشجعة، مع أن الاستفادة أحياناً من نصيب الذين لا يجهلون توجهات الجائزة، وأساليب التسلل إليها.
إن العامل الأكبر في ما نشهده من دفق روائي، هو الحاجة القوية إلى التعبير عن متغيرات أصابت العالم من حولنا، والعجز إزاء تدفق الأفكار والمعلومات، بحيث استنهضت محاولات استيعابها وفهمها، بالنسبة للشبان مغامرات روائية طموحة.
فالإعلام أخفق في إقناعهم بتوجهات الدولة، بينما المسلسلات التلفزيونية فرضتها خطط الإنتاج الحكومية والخاصة، تراعي الأولى تسويق سياساتها، والثانية هدفها الربح. أما السينما فالأميركيون كرّسوها للرعب والجنس والخيال العلمي... ما لا يتجاوب مع الحاجات الآنية.
تقدّم الرواية كمحاولة للتفسير، ما تعجز عنه وسائل التعبير الأخرى مع تكلفة زهيدة؛ الكتابة بالقلم أو بالكومبيوتر، وإذا توفر الوقت، فالمقابل فسحة هائلة من التعبير. فالرواية تمثل شعبية الأدب، لذلك كانت الجائحة الروائية بحجم التساؤلات، وهي اليوم متنفس وأفق.