الثورة والثروة

12 مايو 2015
+ الخط -
لم تهدأ تونس، ولم يهدأ التونسيون منذ أطاحوا بالدكتاتورية في 14 يناير/ كانون الثاني 2011، ويسيطر عليهم قلق يوميّ دفين ومكتوم يخرج أحياناً إلى العلن ويسيطر على مجرى الأحداث ليعود مجدداً إلى ركنه الأول ينتظر أن تتغيّر الأحوال، على رأي الراحل الأبنودي. يُرَدّ مصدر القلق أحياناً إلى انكسار الأمل الكبير الذي علّقه التونسيون على ثورتهم، فثمّة في داخل كل تونسي اقتناع تام بأن بلدهم يمكن أن تكون أجمل وأكثر عدلاً وثراءً، غير أن الأمور في ظاهرها لا تتغيّر كثيراً، بل لعلّها تسوء عمّا كانت عليه في بعض المناطق.

لا يفهم التونسيون لمَ لا تتغيّر الأحوال الآن، ولمَ لا نقفز مباشرة الى "الدولة العادلة" وإلى "الدولة الراقية" وإلى "الدولة الغنية" أيضاً؟ هي أسئلتهم الجوهرية التي قادتهم الى إنجاز ثورتهم، ظناً منهم أن يوم 15 يناير سيكون مختلفاً، وسيبدأ خلاله إنجاز مشروعهم الجميل الذي حلمت به أجيال ودفعت من أجله سنوات عمرها في المنافي والسجون... غير أن نهاية النفق لا تزال بعيدة على الرغم من إشراقات حقيقية تضيء الدرب أحياناً، وهو ما يرفضه التونسيون، ويعبّر عنه تململهم وغضبهم بين الحين والآخر.

اسألوا أي تونسيّ عن تونس، في أي مقهى أو شارع، سيجيبك إن تونس يمكن أن تتحوّل غداً إلى سويسرا العرب، لكنه لا يفهم لمَ لا يحدث هذا الآن؟ لا يعرف مَن يقف ضدّ حلمهم المشروع. يرفض التونسيون قطعاً تبرير "الدولة الفقيرة"، لأن ما نُهب منهم وما يُنهب إلى اليوم بإمكانه أن يحقق آمالهم، ومع أخبار النفط والغاز ومناجم الفوسفات الجديدة، تكبر أحلامهم، غير أن إصرارهم للوقوف ضد السرقة هذه المرة واضح وصريح. يريد التونسيون أن يبقى شيء من عائداتها حيث استُخرج، بقطع النظر عن أحقية هذا الطلب من عدمه، لحل مشاكلهم المتراكمة منذ عقود، ولضمان الا تُسرق بالكامل، لذلك ينتفض الجنوب في جهتيه الشرقية والغربية حيث توقف قطار النماء منذ نصف قرن، وسكتت الحضارة عن أي كلام.
المساهمون