15 نوفمبر 2024
الثورة والبركان
مع كل انزلاق في بلاد الثورات العربية إلى مزيد من الاقتتال والدمار والوحشية، يخرج معارضو الثورات للتنظير أن هذه الحركات الشعبية، المدنية والمسلحة، لم تجلب سوى الخراب إلى البلدان التي قامت فيها. ويستدلون على ذلك بالإشارة إلى الأوضاع في تونس، والتي على الرغم من أنها أفضل حالاً من غيرها، غير أن أمنها بات مستباحاً، ويتابعون بالتأكيد على الأوضاع في ليبيا وسورية واليمن، وأخيراً مصر. يجادلون بأن هذه الدول ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا هذه الثورات والتغييرات التي حدثت فيها، وما فرّخته من جماعات أصولية، لا تلبث تتمدد في كل أصقاع العالم، وتحمل معها الكثير من القتل والدماء، أينما حلت.
قد تكون هذه السجالية سليمة في ظاهرها، غير أن الرد عليها ودحضها ليس بتلك الصعوبة. السجال المقابل لن ينطلق من الثورات المضادة، أو بقايا الأنظمة وداعميها الداخليين والخارجيين، على الرغم من أهمية هذين العنصرين في تأجيج الخراب وتدمير كل ما كان من الممكن إنجازه في هذه الدول. الرد أيضاً لن يكون بالحديث عن الدول التي كانت رافضة للتحركات الاجتماعية منذ البداية، وفعلت ما في وسعها لتدمير كل أثر لها، وهو أمر ملموس في كل الدول التي حدثت فيها ملامح تغييرات لم تكتمل.
النقاش الأساس لا بد أن يكون داخلياً، ومنطلقاً بالذات من جذر كلمة "الثورة"، واستعمالاتها العربية ومآلاتها في النهاية. يمكن قياس الكلمة على استعمالها في الحديث عن البراكين وثوراتها، وهو ما يمكن تحديداً إسقاطه على الحالات الشعبية، ليس في الدول العربية وحسب، بل في كل البلاد التي سبق أن حدثت فيها حركات تغييرية. في الحالتين، هناك تماثل بين الطبيعة والبشر، هي حالة غليان داخلي مكبوت سنوات وسنوات، وجد المتنفس للخروج إلى السطح. وكما هي حمم البركان تخرج معها كل ما يحويه باطن الأرض من نيران مدمرة وأتربة ملوثة، كذلك هي الثورات التي أخرجت من المجتمعات كل ما فيها من قيح وأمراض، لا يمكن أن تخبو بين ليلة وضحاها، خصوصاً أنها كانت تستعر سنوات بالسر، تحت رماد الاحتقان، والذي ساهمت فيه الأنظمة المستبدة بشكل أساس، عندما لم تسع إلى بناء دول حقيقية ومجتمعات مدنية فاعلة ومؤثرة. بالتأكيد ليس كل ما نراه اليوم على الساحة العربية وليد الثورات الشعبية، بل هو مكنون الأرض المتشكّل على مدار سنوات طويلة، كما هي الحمم ليست وليدة البركان، بل هي وجدت في فتحته المنفذ إلى السطح.
المقارنة إلى الآن متطابقة، وهي لا بد لاحقاً أن تكتمل. فكما تخمد حمم البراكين، مخلفة ما يسمى في علم الجغرافيا "التربة البركانية"، والتي تعد الأخصب، لا بد لهذه النيران الناتجة عن الثورات أن تنتهي يوماً، على أمل أن تخلف أرضية خصبة أيضاً لقيام حركات اجتماعية وسياسية واقتصادية، نابعة من المفاهيم الأساسية التي قامت وفق التحركات الشعبية. هذا اليوم قد لا يكون قريباً، خصوصاً أن الجنون في ذروته، والنيران في قمة هيجانها، لكنه لا بد أن ينتهي، لأن لا مشروع ناظماً لحراكه، ولا أفق حقيقياً لاستمراره، والعناوين التي يعمل على أساسها تعود إلى أزمة غابرة، قديمة وحديثة، وسبق لها أن جربت وأثبتت فشلها.
ربما هي أفكار طوباوية في ظل الحروب المندلعة في المنطقة، والتي تأتي، الآن، على الأخضر واليابس. لكن، لا خيار إلا التمسك بالحلم، لا الانجرار إلى إفرازات المجتمعات، ولا عودة إلى استبداد الأنظمة. حلم يراهن على زهرة كامنة وسط الحمم، تنتظر فرصتها لتخرج وتزهر، بعد أن تأكل النيران بعضها بعضاً. من المؤكد أن مثل هذه النظرة فيها الكثير من الرومانسية، لكنها قد تكون ضرورة ملحّة، وسط الكابوس الذي نعيشه.
قد تكون هذه السجالية سليمة في ظاهرها، غير أن الرد عليها ودحضها ليس بتلك الصعوبة. السجال المقابل لن ينطلق من الثورات المضادة، أو بقايا الأنظمة وداعميها الداخليين والخارجيين، على الرغم من أهمية هذين العنصرين في تأجيج الخراب وتدمير كل ما كان من الممكن إنجازه في هذه الدول. الرد أيضاً لن يكون بالحديث عن الدول التي كانت رافضة للتحركات الاجتماعية منذ البداية، وفعلت ما في وسعها لتدمير كل أثر لها، وهو أمر ملموس في كل الدول التي حدثت فيها ملامح تغييرات لم تكتمل.
النقاش الأساس لا بد أن يكون داخلياً، ومنطلقاً بالذات من جذر كلمة "الثورة"، واستعمالاتها العربية ومآلاتها في النهاية. يمكن قياس الكلمة على استعمالها في الحديث عن البراكين وثوراتها، وهو ما يمكن تحديداً إسقاطه على الحالات الشعبية، ليس في الدول العربية وحسب، بل في كل البلاد التي سبق أن حدثت فيها حركات تغييرية. في الحالتين، هناك تماثل بين الطبيعة والبشر، هي حالة غليان داخلي مكبوت سنوات وسنوات، وجد المتنفس للخروج إلى السطح. وكما هي حمم البركان تخرج معها كل ما يحويه باطن الأرض من نيران مدمرة وأتربة ملوثة، كذلك هي الثورات التي أخرجت من المجتمعات كل ما فيها من قيح وأمراض، لا يمكن أن تخبو بين ليلة وضحاها، خصوصاً أنها كانت تستعر سنوات بالسر، تحت رماد الاحتقان، والذي ساهمت فيه الأنظمة المستبدة بشكل أساس، عندما لم تسع إلى بناء دول حقيقية ومجتمعات مدنية فاعلة ومؤثرة. بالتأكيد ليس كل ما نراه اليوم على الساحة العربية وليد الثورات الشعبية، بل هو مكنون الأرض المتشكّل على مدار سنوات طويلة، كما هي الحمم ليست وليدة البركان، بل هي وجدت في فتحته المنفذ إلى السطح.
المقارنة إلى الآن متطابقة، وهي لا بد لاحقاً أن تكتمل. فكما تخمد حمم البراكين، مخلفة ما يسمى في علم الجغرافيا "التربة البركانية"، والتي تعد الأخصب، لا بد لهذه النيران الناتجة عن الثورات أن تنتهي يوماً، على أمل أن تخلف أرضية خصبة أيضاً لقيام حركات اجتماعية وسياسية واقتصادية، نابعة من المفاهيم الأساسية التي قامت وفق التحركات الشعبية. هذا اليوم قد لا يكون قريباً، خصوصاً أن الجنون في ذروته، والنيران في قمة هيجانها، لكنه لا بد أن ينتهي، لأن لا مشروع ناظماً لحراكه، ولا أفق حقيقياً لاستمراره، والعناوين التي يعمل على أساسها تعود إلى أزمة غابرة، قديمة وحديثة، وسبق لها أن جربت وأثبتت فشلها.
ربما هي أفكار طوباوية في ظل الحروب المندلعة في المنطقة، والتي تأتي، الآن، على الأخضر واليابس. لكن، لا خيار إلا التمسك بالحلم، لا الانجرار إلى إفرازات المجتمعات، ولا عودة إلى استبداد الأنظمة. حلم يراهن على زهرة كامنة وسط الحمم، تنتظر فرصتها لتخرج وتزهر، بعد أن تأكل النيران بعضها بعضاً. من المؤكد أن مثل هذه النظرة فيها الكثير من الرومانسية، لكنها قد تكون ضرورة ملحّة، وسط الكابوس الذي نعيشه.