خلال 50 سنة من الحكم، لم تخرج الدولة الوطنية في الجزائر من أساسها الثوري الذي يصيغ خطابها ويحدد سياساتها الرسمية ومواقفها السياسية، والذي يعدّ المرجع الذي تحتكم إليه في صراعها مع الكيانات والمجموعات السياسية والمدنية المحلية التي تطالب بالتغيير، ونقل التفكير في المستقبل من السياق الثوري الذي لم يعد منسجماً مع متطلبات صناعة المستقبل ولا يسهم في تفكيك المآزق التي انتهى إليها المجتمع الجزائري. وخلال نصف قرن، أخفقت الدولة الوطنية في تأسيس شرعية الإرادة الشعبية التي ظلّت مصادرة حتى خلال الاستحقاقات الانتخابية التعددية ظاهرياً، وأخفقت لاحقاً في تأسيس شرعية المعرفة والكفاءة، ولم تنجح، أو لم تحاول بالمطلق الانتقال من شرعية الثورة إلى شرعية البرنامج الذي ينقل البلد إلى مسار الدولة الحديثة على متكأً المعرفة.
خطاب أحزاب الموالاة في الجزائر خلال الانتخابات البلدية الراهنة، المتخم بنسق الملحمة الثورية شكلاً ومضموناً، لا يعبّر فقط عن إفلاس سياسي واستغلال فادح للذاكرة الجماعية، لكنه يبرز افتقاد الأجهزة السياسية للسلطة إلى روح الحداثة والفكرة والمعرفة، والالتماس مع حدود المستقبل، ولذلك حدثت تلك القطيعة الرهيبة بين المؤسسة الحزبية في الجزائر، وبين جيل كامل من الشباب يعزف عن الانتماء والانخراط والممارسة السياسية ويعزف عن الانتخاب أيضاً. جيل لا يبدو أنه مستعد لتسليم مستقبله إلى ساسة يصرّون على العيش في جبة التاريخ وجلباب الماضي ويتعاطون مع البلد كغنيمة حرب.