الثورة كمفهوم شخصي

03 ديسمبر 2019
+ الخط -
أمام سطوتها، ودهشتنا الدائمة إزاءها، أمام براعتها المعتادة في قلب كل شيء، تعجزنا الثورة كمصطلح لغوي يشير إلى ما يشير من المعاني، أو كحالة سياسية اجتماعية تفرض نفسها في الراهن بعنف، أو كتوصيف تاريخي لمجمل الأحداث التي ما يزال المؤرخون يختلفون على توصيفها، وتبقى الثورة مصطلحا شائكا لا يقل غموضا ولا وضوحا عن ظروف اندلاعها، ويظل المصطلح والمعنى مثارا للجدل الذي يندلع كلما قفزت اللفظة في وعي المجال العام. هي الثورة في وضوحها وغموضها، سيدة الواقع.

هي الثورة إذا، دون معنى واضح، دون سؤال ماذا بعد، وماذا قبل، ودون أن تلتفت أصلا للأسئلة السياسية التي تحاول دائما تمييع الأحداث الجسيمة، وتحاول التقليل منها، بحجة غياب الإجابة، إن الثورة لا تملك إجابة، وليست معنية أساسا بالبحث والتحليل، إنها بعفويتها الشهية، ترفس السياسة وتزيحها جانبا، وهذا مخيف تماما، بقدر ما يشبع حاجة ملحة لرمي الواقع القديم، من نوافذ الغضب والقهر، الواقع الذي ظل يرابط فوق صدور الكادحين، دون أن يفسر لهم لماذا هم تحديدا موطن المعاناة، دون أن يعترف لا لنفسه ولا لهم، إنه ثقيل.. ثقيل تماما.


وأنا رغم ذلك لا أفسر الثورة، فأنا لا أفهمها بالمطلق، مثلما أني لا أجهلها تماما، أنا أستشعر وجودها، بقدر ما أنفيها، ولكني دائما، أعني الثورة الفردية، التي تقود حتما إلى الحالة الجمعية التي تصبح فيها الثورة هي المعبر الوحيد للأجساد والأفكار نحو الإجابات، الثورة لا تقدم الإجابة، لكنها تقود لها بصورة إجبارية، فهي تسحب المجتمع برمته، من الطمأنينة المحيرة، إلى الشك المطمئن، انك في خضم الثورة تفيض شكوكا، ولكنك مطمئن إلى هذا الشك، هذا الشك وحده هو الخلاص.

دون أن يسأل البوعزيزي عن جدوى الغضب، ودون أن يضع مأساته الشخصية في السياقات التاريخية، دون أن يحكم تجربته، ودون أن يعرضها على المؤرخين والمنظرين، دون ذلك كله، قام الشاب المعدم بإحراق نفسه، ليعلن عن ثورته الشخصية، والتي أسست للثورة التونسية..

وهذا يتكرر يوميا في كل أصقاع العالم، القهر يغلي وينفجر، قهر فردي سرعان يتحول إلى انتفاضات عارمة، في أفظع تجليات انصهار الفرد بالمجتمع، والمجتمع بالفرد، وهكذا فعلت أغنيات الساروت..

أغنياته البسيطة التي كانت أغنياته هو، وصارت أغنيات الثورة السورية، كذلك كانت يد عمر أبو ليلى، الفدائي الفرد، الذي حول في لحظة اشتباك، لحظته الشخصية، اشتباكه الشخصي، إلى اشتباك مجتمعي، إلى فدائية مجتمعية.

ورغم ذلك أيضا، لم ألمس ثورتك الشخصية، لأني لست قديسا، ولست محرضا، إن الثورة فيك ما حييت، وإشهارها قد يكون إشهارا لموتك، وقد يكون إشهارا لإبداعك، إن الثورة هي الإشهار الحتمي لما كان متواريا في الظل، لكنه مع ذلك ظل متيقنا، من نوره، رغم العتمة والوحشة، ورغم كل محاولات الواقع لطمسه، هو موجود دائما، وسيظل موجود، هو نور الثورة.
C0BA4932-E7DF-48F8-A499-8FAA0D6C1F19
عدي راغب صدقة

أدرس تخصص الصحافة والإعلام في جامعة البترا... أهتم بعديد الشؤون العربية، ولكن أولي اهتماما خاصا بالشأن الفلسطيني.