01 سبتمبر 2019
الثورة الجزائرية... ماذا بعد مسيرة عام؟
"أُفضل أن أكون مخطئا مع لهواري عدي على أن أكون مُصيبا مع كمال داود".. هكذا كان تعليق أحدهم على رد كمال داود على الجامعي لهواري عدي الذي انتقده بعد مقاله في مجلة "لوبوان" الفرنسية يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2020..
مقال تحت عنوان "هل فشلت الثورة الجزائرية؟"، الصحافي اكتفى للرد على الجامعي بنشر رابط حوار سابق للسيد عدي قال فيه إن الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 12 ديسمبر 2019 لن تكون. القراءة التي كانت خاطئة، فباستثناء منطقة القبائل التي منعتها، جرت الانتخابات الرئاسية وخرج منها عبدالمجيد تبون رئيسا.
في مقاله الطويل، قال كمال داود إن "الثورة فشلت مؤقتا والنظام انتصر مؤقتا"، وذلك بعد أن تحدث في ما تحدث عنه عن الدور الذي لعبه الجيش في كل ما حدث وعن فشل المعارضة في الوصول إلى المناطق النائية التي استثمر فيها النظام، وأعطى مثالا بنجاح رشيد نكاز الذي خرج من فراغ، فقط لأنه قصد هذه المناطق التي أهملتها المعارضة، كما تحدث عن فشل الحراك في الخروج من العاصمة الجزائرية و"ساحة أودان" تحديدا التي يقصدها الجميع للتظاهر حتى من المناطق الأخرى، كما تحدث أيضا عن فشل الإعلام في تقديم تغطية محايدة لما يحدث، وعلاقة الجزائريين بثورة التحرير.
هل كمال داود هو ذلك الصحافي أو المثقف الذي لديه كل ذلك التأثير بمقالاته في المجتمع كي يثور عليه كل أولئك الذين كتبوا مقالات اتهموه فيها بإضعاف معنويات الحراك تارة أو بخدمة مصالح فرنسا تارة أخرى أوعرض خدماته على النظام تارة أخرى؟
طبعا لا، فحتى ذلك الإسلاموي الذي نادى بإعدام الكاتب بسبب كتابه "مورسو، تحقيق مضاد" في 2016، صرّح في بلاتو إحدى القنوات التلفزيونية أنه لم يقرأ الكتاب الذي نادى بسببه بإعدام الكاتب.
كذلك كان الحال مع مقال داود الذي أثار كل تلك الزوبعة من نقد، سواء في وسائل التواصل الإجتماعي أو في وسائل الإعلام فهو مقال لم يقرؤه حتى كثير من أولئك الذين انتقدوه والذين بدلا من الرّد على ما كتبه الصحافي وذلك بتقديم حجج وبراهين على خطأ ما قاله اكتفوا بالهجوم على شخصه.
أمّا من يؤثر فعلا في المجتمع الجزائري هم في الغالب مدوّنون في شبكات التواصل الاجتماعي من أمثال الدبلوماسي السابق زيطوط، أو أمير ديزاد. فالبث المباشر الذي يقومان به عبر صفحتيهما يحقق مئات الآلاف من المشاهدات، كي لا نقول الملايين، ومن بين الوسائل الإعلامية التي تؤثر في المجتمع الجزائري والتي رفع المشاركون في المسيرات لافتات لمساندتها، "قناة المغاربية"، أما قبل 22 فبراير/ شباط 2019 فمن كان المؤثر في المجتمع وصانع الرأي العام؟ كان حساب فيسبوك "محمد الوالي" الذي لا يزال الكثيرون يردّدون الكلمات المفتاحية التي كان يستعملها في منشوراته، و"قناة النهار" التي جعلت، للتذكير، الكثيرين يفصلون بناتهم من الجامعة في 2013 بعد بثها لبرنامج قالت فيه إن الجامعة مكان للانحراف.
الثورة وسواء كانت سلمية أم لا، تحتاج لكثير من الإيمان والاعتقاد بها. لكن تحتاج أيضا للواقعية، فقبل خوضها، يجب امتلاك الإمكانيات المادية والمعنوية ما يمكِّن من مواجهة ذلك النظام الذي تراد مواجهته و"الثورة المضادة" التي سيطلقها. فيجب حشد كل الإمكانيات ومعرفة استغلالها من أجل تحقيق الهدف الذي قامت من أجله تلك الثورة.
إذا اعتبرنا أن الثورة هي تغيير جذري لنظام الحكم من خارج ذلك النظام ودون المرور عبر الطرق التقليدية كالانتخاب. تغيير ليس تغييرًا للأشخاص فقط، بل تغيير للقواعد والممارسات والقوانين التي وضعها ذلك النظام، فما الذي أردنا تغييره منذ 22 فبراير 2019، وماذا اقترحنا لتعويضه وإضافة لترديد "يروحوا قاع" (سيرحلون جميعهم)، ما هي المبادئ والقيم التي انتصرنا لها لنجعل منها ركائز الجزائر التي نريد؟ هل دافعنا سواء أكان ذلك عمليا أك نظريا عن الحقيقية والعدالة والحرية التي حاربها النظام؟
لنأخذ مثلا حرية التعبير بصفة عامة، وحرية الصحافة بصفة خاصة، الحريتان اللتان لسنا بحاجة لإظهار كيف أن النظام الذي نريد تغييره قام بقمعهما لما لهما من دور في الديمقراطية، وذلك بتقييدها سواء بالقمع أو الاستتباع.
فالديمقراطية ليست فقط ذلك الفعل المتمثل في الانتخاب، بل وبالإضافة لقيم وحريات، هي معرفة المواطن ماذا يختار وعلى من وعلى ماذا ينتخب، وهنا يأتي دور الصحافة بإخبار ذلك المواطن أولا بما يدور حوله من أحداث وبفتح النقاشات حول المواضيع التي تعنيه وتقديم الرأي والرأي الآخر لإنارة الرأي العام وللسماح للمواطن باتخاذ موقف.
منذ 22 فبراير 2019، وإضافة للشعارات المعادية لبعض الوسائل الإعلامية التي تم رفعها في المسيرات وطرد بعض صحافييها من المسيرات أو -مثل الصحافي الذي بدأنا به المقال- انتقاد كل صوت يطرح أسئلة أو ينتقد الحراك أو ما يحدث فيه..
ما الذي فعلناه للدفاع عن الحقيقة وعن حرية الصحافة ولتحرير الصحافة الخاصة من التبعية للإشهار العمومي وبالتالي للسلطة حتى ولو بشراء جريدة، وما الذي فعلناه لجعل الإعلام العمومي يقدم خدمة عمومية بدلا من عمله الحالي كمجرّد حامل ومروج لخطاب النظام؟
كل إنسان يولد ثم يحيا ثم يموت، لا يهم كثيرا العمر الذي يعيشه بقدر ما يهم ما عاش من أجله وما تركه خلفه، كذلك كل حراك اجتماعي يولد ثم يموت، فهو ليس الهدف بحدّ ذاته بل ما هو سوى وسيلة لخلق ميزان قوة من أجل إحداث تغيير لتحقيق ذلك التصور الذي أراده من قام بذلك الحراك.
لا يهم فقط بلوغ ذلك الحراك أهدافه بل أيضا تلك القيم التي أرادها، حتى ولو لم تتحقق ما دام هناك من آمن بها والطريقة التي أراد بها تحقيق تلك الأهداف. فهل قام ذلك الحراك كصراع أخيار ضد أشرار، أم كصراع خير ضد شر: صراع حقيقة ضد كذب، عدل ضد ظلم، حرية ضد استعباد.
اليوم وبعد قرابة عام من الحراك والمسيرات لن نطرح السؤال هل انتصرت ثورة 22 فبراير أم لم تنتصر؟ بل سنكتفي بالسؤال هل هي تسير في الطريق الصواب أم في طريق مخالف؟.. لذلك يجب الوقوف -دون التوقف عن السير- لتذكر ما حدث طيلة هذه المدة أولا ثم تقييم ما نجحنا في تحقيقه وما فشلنا فيه، وأين أخطأنا وأين أصبنا.
مقال تحت عنوان "هل فشلت الثورة الجزائرية؟"، الصحافي اكتفى للرد على الجامعي بنشر رابط حوار سابق للسيد عدي قال فيه إن الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 12 ديسمبر 2019 لن تكون. القراءة التي كانت خاطئة، فباستثناء منطقة القبائل التي منعتها، جرت الانتخابات الرئاسية وخرج منها عبدالمجيد تبون رئيسا.
في مقاله الطويل، قال كمال داود إن "الثورة فشلت مؤقتا والنظام انتصر مؤقتا"، وذلك بعد أن تحدث في ما تحدث عنه عن الدور الذي لعبه الجيش في كل ما حدث وعن فشل المعارضة في الوصول إلى المناطق النائية التي استثمر فيها النظام، وأعطى مثالا بنجاح رشيد نكاز الذي خرج من فراغ، فقط لأنه قصد هذه المناطق التي أهملتها المعارضة، كما تحدث عن فشل الحراك في الخروج من العاصمة الجزائرية و"ساحة أودان" تحديدا التي يقصدها الجميع للتظاهر حتى من المناطق الأخرى، كما تحدث أيضا عن فشل الإعلام في تقديم تغطية محايدة لما يحدث، وعلاقة الجزائريين بثورة التحرير.
هل كمال داود هو ذلك الصحافي أو المثقف الذي لديه كل ذلك التأثير بمقالاته في المجتمع كي يثور عليه كل أولئك الذين كتبوا مقالات اتهموه فيها بإضعاف معنويات الحراك تارة أو بخدمة مصالح فرنسا تارة أخرى أوعرض خدماته على النظام تارة أخرى؟
طبعا لا، فحتى ذلك الإسلاموي الذي نادى بإعدام الكاتب بسبب كتابه "مورسو، تحقيق مضاد" في 2016، صرّح في بلاتو إحدى القنوات التلفزيونية أنه لم يقرأ الكتاب الذي نادى بسببه بإعدام الكاتب.
كذلك كان الحال مع مقال داود الذي أثار كل تلك الزوبعة من نقد، سواء في وسائل التواصل الإجتماعي أو في وسائل الإعلام فهو مقال لم يقرؤه حتى كثير من أولئك الذين انتقدوه والذين بدلا من الرّد على ما كتبه الصحافي وذلك بتقديم حجج وبراهين على خطأ ما قاله اكتفوا بالهجوم على شخصه.
أمّا من يؤثر فعلا في المجتمع الجزائري هم في الغالب مدوّنون في شبكات التواصل الاجتماعي من أمثال الدبلوماسي السابق زيطوط، أو أمير ديزاد. فالبث المباشر الذي يقومان به عبر صفحتيهما يحقق مئات الآلاف من المشاهدات، كي لا نقول الملايين، ومن بين الوسائل الإعلامية التي تؤثر في المجتمع الجزائري والتي رفع المشاركون في المسيرات لافتات لمساندتها، "قناة المغاربية"، أما قبل 22 فبراير/ شباط 2019 فمن كان المؤثر في المجتمع وصانع الرأي العام؟ كان حساب فيسبوك "محمد الوالي" الذي لا يزال الكثيرون يردّدون الكلمات المفتاحية التي كان يستعملها في منشوراته، و"قناة النهار" التي جعلت، للتذكير، الكثيرين يفصلون بناتهم من الجامعة في 2013 بعد بثها لبرنامج قالت فيه إن الجامعة مكان للانحراف.
الثورة وسواء كانت سلمية أم لا، تحتاج لكثير من الإيمان والاعتقاد بها. لكن تحتاج أيضا للواقعية، فقبل خوضها، يجب امتلاك الإمكانيات المادية والمعنوية ما يمكِّن من مواجهة ذلك النظام الذي تراد مواجهته و"الثورة المضادة" التي سيطلقها. فيجب حشد كل الإمكانيات ومعرفة استغلالها من أجل تحقيق الهدف الذي قامت من أجله تلك الثورة.
إذا اعتبرنا أن الثورة هي تغيير جذري لنظام الحكم من خارج ذلك النظام ودون المرور عبر الطرق التقليدية كالانتخاب. تغيير ليس تغييرًا للأشخاص فقط، بل تغيير للقواعد والممارسات والقوانين التي وضعها ذلك النظام، فما الذي أردنا تغييره منذ 22 فبراير 2019، وماذا اقترحنا لتعويضه وإضافة لترديد "يروحوا قاع" (سيرحلون جميعهم)، ما هي المبادئ والقيم التي انتصرنا لها لنجعل منها ركائز الجزائر التي نريد؟ هل دافعنا سواء أكان ذلك عمليا أك نظريا عن الحقيقية والعدالة والحرية التي حاربها النظام؟
لنأخذ مثلا حرية التعبير بصفة عامة، وحرية الصحافة بصفة خاصة، الحريتان اللتان لسنا بحاجة لإظهار كيف أن النظام الذي نريد تغييره قام بقمعهما لما لهما من دور في الديمقراطية، وذلك بتقييدها سواء بالقمع أو الاستتباع.
فالديمقراطية ليست فقط ذلك الفعل المتمثل في الانتخاب، بل وبالإضافة لقيم وحريات، هي معرفة المواطن ماذا يختار وعلى من وعلى ماذا ينتخب، وهنا يأتي دور الصحافة بإخبار ذلك المواطن أولا بما يدور حوله من أحداث وبفتح النقاشات حول المواضيع التي تعنيه وتقديم الرأي والرأي الآخر لإنارة الرأي العام وللسماح للمواطن باتخاذ موقف.
منذ 22 فبراير 2019، وإضافة للشعارات المعادية لبعض الوسائل الإعلامية التي تم رفعها في المسيرات وطرد بعض صحافييها من المسيرات أو -مثل الصحافي الذي بدأنا به المقال- انتقاد كل صوت يطرح أسئلة أو ينتقد الحراك أو ما يحدث فيه..
ما الذي فعلناه للدفاع عن الحقيقة وعن حرية الصحافة ولتحرير الصحافة الخاصة من التبعية للإشهار العمومي وبالتالي للسلطة حتى ولو بشراء جريدة، وما الذي فعلناه لجعل الإعلام العمومي يقدم خدمة عمومية بدلا من عمله الحالي كمجرّد حامل ومروج لخطاب النظام؟
كل إنسان يولد ثم يحيا ثم يموت، لا يهم كثيرا العمر الذي يعيشه بقدر ما يهم ما عاش من أجله وما تركه خلفه، كذلك كل حراك اجتماعي يولد ثم يموت، فهو ليس الهدف بحدّ ذاته بل ما هو سوى وسيلة لخلق ميزان قوة من أجل إحداث تغيير لتحقيق ذلك التصور الذي أراده من قام بذلك الحراك.
لا يهم فقط بلوغ ذلك الحراك أهدافه بل أيضا تلك القيم التي أرادها، حتى ولو لم تتحقق ما دام هناك من آمن بها والطريقة التي أراد بها تحقيق تلك الأهداف. فهل قام ذلك الحراك كصراع أخيار ضد أشرار، أم كصراع خير ضد شر: صراع حقيقة ضد كذب، عدل ضد ظلم، حرية ضد استعباد.
اليوم وبعد قرابة عام من الحراك والمسيرات لن نطرح السؤال هل انتصرت ثورة 22 فبراير أم لم تنتصر؟ بل سنكتفي بالسؤال هل هي تسير في الطريق الصواب أم في طريق مخالف؟.. لذلك يجب الوقوف -دون التوقف عن السير- لتذكر ما حدث طيلة هذه المدة أولا ثم تقييم ما نجحنا في تحقيقه وما فشلنا فيه، وأين أخطأنا وأين أصبنا.