الثورة إذ تتعرض للهزيمة

27 يونيو 2014

مظاهرة في سانتياغو تطالب برحيل بينوشيه عن الرئاسة(أكتوبر/1988/فرانس برس)

+ الخط -


أعرف أن العنوان قد يكون صادماً، وأستطيع أن أتنبأ مسبقاً بسيل الانتقادات التي قد يثيرها، لا سيما في أوساط أصدقائي الرومانسيين الثوريين الذين يعتقدون بحتمية انتصار الحق على الباطل، أيّاً ما كانت الظروف، وبصرف النظر عن عناد المعطيات. لكني، مع ذلك، سألقي برأيي، ورزقي على الله، كما تقول العامة عند طرح وجهة نظر مختلفة.
في التاريخ وتجاربه، لم ينتصر الخير دوماً، ولم يكن الشر مهزوماً في مطلق الأحوال. كثيراً ما كان يحدث العكس، والأمثلة لا تحصى، بدءاً بمعركة أُحُد التي انتصر فيها كفار قريش على جيش رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، مروراً بانتصار المهاجرين الغزاة، في أميركا، على الهنود الحمر، أهل البلاد الأصليين الذين تبددت هويتهم، واندثرت، وصولاً إلى الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تواصل الدولة المصطنعة الغريبة انتصاراتها، واحداً تلو الآخر، على الدول العربية مجتمعة، منذ ستة وستين عاماً.
لا يكفي، إذن، أن يملأ الحق قلبك، حتى تندلع النار إنْ تتنفس، ولسان الخيانة يخرس (مع الاعتذار لروح الشاعر المصري الكبير أمل دنقل)، بل لا بد للانتصار من شروط أخرى، ذاتية وموضوعية، حتى يتحقق بشكل ناجز.
وفي المشهد القائم، الآن، بعد ثلاث سنوات ونيف من عمر الربيع العربي، علينا أن نرى، من غير خداع لأنفسنا، كيف أن ديكتاتور سورية يواصل القتل الجماعي المريع، بعدما أباد مائة وخمسين ألفاً من شعبه، وشرّد الملايين، ودمر البلاد، من دون أن تلوح في الأفق أية بوادر جدية على إمكانية أن تطيحه المعارضة الضعيفة والمفتتة التي خذلها المجتمع الدولي. علينا أن نرى، أيضاً، كيف أن جنرالاً من أهل الديكتاتورية القديمة في مصر يتربع على عرش الجمهورية الجديدة، ويرقص له أهل الثورة، أو بعضهم، في الميدان الذي أطاح أسلافه. علينا أن نرى، كذلك، إصرار أحد رموز الثورة المضادة، في ليبيا، على مواصلة مساعيه لتكرار التجربة الانقلابية المصرية، علناً، وبالقوة، بينما لم تنجح الثورة اليمنية في إحراز تغيير جدي على واقع البلاد، ومازالت ثورة تونس وحدها، وسط كل هذه الردة، شمعةً تكابد هبوب العواصف من حولها.
قد يرد بعضهم على ذلك، بالإشارة إلى ما حدث أخيراً، ولا يزال، في شمال العراق، حيث تقهقر جيش نوري المالكي، حليف إيران، وحليف نظام دمشق، أمام قوى مسلحة، أبرزها "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أو ما يسمى "داعش". وهذا أمرٌ لا يجوز إغفاله فعلاً، لولا أن هوية داعش نفسها محل اختلاف، وليس من الممكن لأحد، في مطلق الأحوال، أن يعتبر انتصاراتها نوعاً من التقدم على طريق تحقيق شعارات الدولة المدنية الديمقراطية، ناهيك طبعاً عن أن سلوكها على أرض سورية كثيراً ما أثار الشكوك في أنها متحالفة ضمناً مع نظام الحكم، ضد قوى الثورة. 
والحال هذه، فإن الإصرار على مواصلة معركة كسر العظم، مع الثورة المضادة، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر في صفوف الثورة وأنصارها. لا بد من مراجعة الأساليب، والوسائل، والبرامج، والأهداف، في مصر وسورية، على وجه الخصوص، وبما يمهد الطريق نحو تسويات سياسية واجتماعية مرحلية، تحفظ للثورات ما يمكن من منجزها، وتوفر لها مدى زمنياً تعيد فيه تجميع صفوها، حتى يحين أوان معركة أخرى فاصلة.
يظل قائماً هنا الأمل في المستقبل، ولا تغيب طبعاً دروس التجارب التاريخية المبشرة؛ ففي عام 1973 انقلب قائد الجيش في تشيلي، الجنرال أوغستو بينوشيه، على الرئيس المنتخب ديمقراطياً، سلفادرو الليندي، وقتله وأطاح حكمه، وأعاد البلاد إلى زمن قمع المعارضة وملاحقتها وتصفية رموزها. آنذاك، وقف إلى جانبه، رجال الدين، ورجال اقتصاد السوق، وأيدته الإدارة الأميركية، وحكم بالحديد والنار، سبعة وعشرين عاماً، تراجع في بداياتها معارضوه أمام ما وصفوه بإرهاب الدولة، ثم عادوا، في الثمانينات، ليشعلوا بلادهم بالإضرابات والمظاهرات، حتى تمكنوا وشعبهم في الأخير من خلعه.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني