التيّار الاستعماري.. الفرصة ملائمة للسطو على أموال العالم الثالث

28 يوليو 2017
(ترامب يتقلّد وسام السعودية، تصوير: ماندل نغان )
+ الخط -
ما إن اندلعت الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، حتى خرجت رئيسة حزب اليمين المتطرّف في فرنسا مارين لوبان للمطالبة بتأميم فريق باريس سان جيرمان الممتلك من طرف الصندوق السيادي القطري، بذريعة الاتهامات التي وُجّهت لقطر، بخصوص "العلاقات مع الإرهاب". وإن كان مستبعدًا تمامًا أن تنجح هذه المساعي المغرضة، إلا أنها تُبرز التكالب على الفرص الذي يتميّز به اليمين المتطرّف الفرنسي في كل ما يتعلّق بنهب أموال دول العالم الثالث. وهذه الحالة، ليست الأولى وعلى الأرجح لن تكون الأخيرة، مثلما يعلّمنا التاريخ.

إيران 1979:
وإذا ما استعرضنا بعض أزمات الماضي سيكون من السهل إثبات ذلك. تشكّل الحالة الإيرانية نموذجًا معروفًا في هذا الصدد بعد انتصار ثورتها في 1979، والأزمة الكبيرة التي نشبت مع الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما بسبب احتجاز بعثة السفارة. مع ظهور أولى تباشير ثورتها وفور سقوط نظام الشاه الإيراني، سارعت الخزانة الأميركية لتأميم أموال تناهز  ملياري دولار. وهي الأموال التي لا تزال إيران تطالب بها الولايات المتحدة الأميركية إلى حدّ الآن، ولا يبدو أن استرجاعها سيتمُّ في القريب العاجل.

وبعد سنوات من التجميد، ولإيجاد إخراج قانوني، دانت محكمة أميركية إيران مؤخرًا في مارس/ آذار 2016 بضرورة تسديد ملياري دولار كتعويض لعائلات أميركية فقدت أقارب لها في الهجوم الذي تعرضّت له القاعدة الأميركية في لبنان في 1983، والتي سقط فيها 241 جنديا أميركيا ضحية له. وهكذا تم تقنين هذه المصادرة بشكل نهائي.

في المقابل، قدّر تقرير صادر مؤخّرًا قيمة الأموال الإيرانية المجمّدة في فرنسا بـ 200 مليون دولار، وقد تم تجميدها بعد صدور عقوبات على إيران بخصوص برنامجها النووي في التسعينيات. وتم تحريرها عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة 5+1. وقد قدر نفس التقرير قيمة الأموال الإيرانية المجمدة عبر العالم بـ 150 مليار دولار، تعود ملكيتها في الأصل للشعب الإيراني.

وهنا علينا أن نميّز بين حالتين مختلفتين ينصّ عليهما القانون الدولي، تجميد الأموال أثناء الأزمات وهي الأموال التي يتمّ استردادها بعد انتفاء أسباب التجميد، ومصادرة الأموال التي تعني أن الأموال لن يتمّ استرجاعها مطلقًا، مثلما هي حالة الولايات المتحدة الأميركية مع إيران.


ليبيا 1986 /2011:
تبرز حالة الجماهيرية الليبية بدورها نموذجًا صارخًا للتعدّي على أموال شعوب العالم الثالث. فقد كانت عرضة للابتزاز نفسه في أكثر من مناسبة. ومع الأزمات الكثيرة التي نشبت بين النظام الليبي السابق وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، كانت كل الفرص ناجعة لإجراء التأميم بدعوى حقوق الإنسان التي لا يتمّ تذكرها إلا لما يتعلق الأمر بدول العالم الثالث.

وكانت البداية بالقرار الأميركي في 7 و8 يناير/كانون الثاني 1986، الذي جمّد أموال الحكومة الليبية في المصارف الأميركية. وقد صودر بعضها في وقت لاحق بدعوى تعويض ضحايا العمليات التي اتهم النظام الليبي "بالتورّط فيها".

وفي 2011، بعد اندلاع الحرب الأهلية الليبية، مرّة أخرى سعت بعض القيادات السياسية، ولا سيما في فرنسا وبريطانيا لمصادرة قسم من الأموال بذريعة تمويل مجموعات مسلّحة، وتجميد قسم آخر من الأموال التي ما زالت محجوزة بسبب الواقع الليبي الحالي. وهكذا ضاع جزء من ثروة الشعب الليبي بجرّة قلم.

بالعودة للأزمة الحالية في الخليج، فإن على الدول والجماعات التي قد تغترّ بسهولة التحريض والأموال القطرية في الخارج، أيًا كانت الخلافات، قد تشرب من الكأس نفسه في القريب العاجل. يجدر بنا في هذا الصدد حلّ الخلافات على الصعيد المحلّي، لأن المستفيد من أي تأميم أو مصادرة قد يحدث هي القوى التوسّعية لا غير، ولا واحدة من دول وشعوب المنطقة سيكون مستفيدًا.

من جهة أخرى، ومن دون وضع كامل سياسيي بلدان بريطانيا وفرنسا وأميركا في سلة الانتهازية، فإن هذه المطالبات تبرز النزعة الاستعمارية التي لا تزال سارية لدى تيارات كثيرة في هذه الدول، فهل من متعظ.

المساهمون