التيه صفة بشرية... العنف بين الأمس واليوم

16 ابريل 2020
+ الخط -
ما أقصده هنا هو أن التيه وضياع الغاية من الحياة، التي يكون البناء والاستقرار ورفاهية البشر من أهم مكوناتها، قضية أساسية في الفطرة البشرية، غير متعلقة بفترة زمنية ولا بمجتمع معين أو بدرجة من الوعي ونوعه ومستوياته، لأنّ الَقدَم تزِلُّ بعد ثبوتها..

في قديم الزمان وأثناء تكوين الممالك الأوروبية كما تقص علينا كتب التاريخ القديم وتشكيلاتها الفنية، أنه كان هناك إله اسمه أودين، وله في القاعة آلهة أقل مرتبة، الوثنيون كانوا يؤمنون به، يحاربون باسمه ودفاعاً عنه، يعادون الإله المسيحي المثلث، بأنه إله نكرة، المؤمنون به كانوا يضحون من أجله، والأضحية لم تكن من الحيوان المختار بشروط محددة، بل تكون من البشر، عسى أن يرضى أودين عن الشعب ورعاياه.

يأتون بالمضحى به، أما أن يتبرع هو ويتقدم أو يقع عليه الاختيار من الملك والأمير، ويذبح ذبح النعاج وهو معلق معكوسا أو مربوط وسط تجمهر من المخلصين، ويصفق له بعد ربطه، وتدفق الدماء من عروقه المقطوعة بفعل سكين أو سيف محارب حادّ، والجزاء هو الحياة الجميلة حيث تستقبله الآلهة ويشربون النبيذ. وأحيانا يكون التنافس بين المؤمنين للفوز بمقام التضحية والذهاب إلى "فالهالا".

تقول إحدى المرويات، إن الملكة لاغارثا المحاربة، تعرضت للطعن وقتلت على يد أحد أبناء زوجها من امرأة أخرى، عن طريق الإشتباه والالتباس، بعد مقتلها، ولما كانت تحتله من مكانة في المملكة ولدى الشعب، كان الاقتراح بتقديم أضحية للآلهة تذهب معها إلى "فالهالا"، اجتمعت النسوة وعرضن الاقتراح، تقريبا كل الحضور رفعن أيديهن بالتضحية بأنفسهن ذبحاً، حبا لبلاغارثا، إلى أن اضطرت المشرفة على العملية إلى القرعة، ومن يهبط عليها الغراب تكون هي الأضحية التي تقدم للآلهة، هبط الغراب على كتف شابة يافعة أظهرت فرحا لأنها تذهب إلى الجنة وأنها ليست خائفة، ليست خائفة لأن هناك حياة أخرى في القاعة مع الآلهة في "فالهالا"، اقترحت أن تذبح بالسكين وليس شنقاً.


هذه القصة من قديم الزمان، من تأريخ الوثنية، لو أتينا إلى أزماننا، ونظرنا إلى ما حدث مع ظهور داعش والتنظيمات الإرهابية التي لجأت إلى ما لا يمكن للعقل أن يعثر عليه، ولا للقلب أن يطمئن إليه.

قصة مازلت أذكرها، ولن أنساها، وهي أنه وفي أثناء الأحداث السورية، وتناطح الأفكار والمذاهب والطوائف والأحزاب والنظام والدول من كل حدب وصوب، كان تنظيم الدولة له الوقع الأكثر، لعنف وتيرة الحرب التي كان يخوضها من أجل خلق الرعب، كائناً من كان في المقابل، حدث أن نفّذَ التنظيم عملية انتحارية بمركز للشرطة في دمشق، لكن كيف كانت وماذا كانت الوسيلة؟

كانت الوسيلة عبارة عن طفلة في السابعة تقريبا من عمرها، أو أقل، أبواها قررا تفخيخها وإرسالها إلى داخل مركز الشرطة وتفجيرها عن بعد بالكونترول، وهم يرسلونها يباركون لها لأنها تذهب إلى الجنة ووقع الاختيار عليها.

وبعض من يحملون أفكار اليسار ارتكبوا أعمالاً إرهابية، وهم يحملون الأفكار التي تأباها البشرية. المسألة لا تتعلق بالدين المحدد، بمعنى أن الفكر أو هذا النوع من التفكير ليس خاصا بالمتطرفين الذين يتكئون على نصوص دينية منحرفة، أو فتاوى فقهية لأشخاص قالوها في زمن غير الزمن، موجهة إلى أشخاص غير أشخاص نتعامل معهم، والسبب هو الانحراف الحاصل في الفطرة البشرية السوية، هو التيه الذي يضرب الإنسان، يضرب جذوره من حيث هو إنسان، لأن استعدادات الإنسان هي نفسها، أساسيات الإنسان لا تختلف باختلاف الأقوام والأجناس والأوطان، وعندما تنجرف الفطرة فهي تنحرف من دون النظر إلى الدين أو القوم أو الجنس.