التين الشوكي كنز تونس

22 سبتمبر 2018
وضع التين الشوكي في الصندوق (العربي الجديد)
+ الخط -

"يومياً، أستيقظ عند الساعة الرابعة فجراً وأتوجّه إلى قريتي التي تبعد 60 كيلومتراً عن تونس العاصمة. أجمع التين الشوكي أو الهندي (باللهجة المحلية التونسية) ثم أبيعه". بعد الانتهاء من القطاف، "أضع الصناديق على الطريق وأبيع الثمار لعابري السبيل. اعتدت التعامل مع أشواك الهندي وهو مصدر رزقي خلال هذه الفترة، إذ يوفر لي ولأسرتي مداخيل إضافية". هذا ما يقوله محمد، لـ "العربي الجديد"، عن يوميّاته في جمع الهندي.

بدا محمد منهكاً وهو يرتّب ثماره، وقد تركت أشعة الشمس آثارها على وجهه وبشرته السمراء. في الوقت نفسه، يبدو سعيداً وهو يجمع ويبيع إنتاجه البسيط لكسب قوته وتوفير بعض المداخيل لأسرته. وعلى بعد بضعة كيلومترات، يرتب العشريني حسن أوعية بلاستيكية ملونة ويضع فيها التين الشوكي. سابقاً، كان يستعين بكيس بلاستيكي لبيع منتجاته. لا يخفي أن الأشواك مؤلمة، لكنه يلجأ إلى التراب للتخفيف من حدّتها. ومن حين إلى آخر، تتوقّف سيارات لشراء الهندي أو السؤال عن الأسعار ومعاينة ما في حوزته.




ساهم التين الشوكي في خلق مورد رزق للعديد من الشباب والعاطلين من العمل، في وقت اختار كبار الباعة التوجه إلى المنازل والأحياء بعدما ملأوا شاحناتهم بكميات كبيرة من هذه الثمار. وكثيراً ما تسمعهم ينادون "هندي هندي"، فتجتمع النسوة والأطفال لاقتناء ما تيسر.
وينتشر الهندي في العديد من المحافظات التونسية والأراضي الزراعية وغيرها. وتشتهر محافظة القصرين بإنتاج نحو 60 في المائة من الإنتاج الوطني، وتتصدر المرتبة الأولى لناحية المساحات المزروعة. ويُعرف التين الشوكي بكونه غلّة الفقراء، وساهم انخفاض سعره في انتشاره بشكل أكبر، ويباع الكيلوغرامان بدولار واحد.

ويؤكد رئيس النقابة الجهوية للفلاحين في صفاقس، فوزي الزياني، لـ "العربي الجديد"، أن التين الشوكي كان يستعمل بكثرة كعلف للحيوانات، وتحديداً القشور و"الضلفة" (أوراق التين الشوكي). ويبين أن وزارة الفلاحة، وعن طريق ديوان تربية الماشية، تولت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مساندة القطاع والتشجيع على زراعة التين الشوكي، خصوصاً أنه ينمو في مناطق جافة وشبه جافة، ولا يتطلب الكثير من المياه. ويوضح أن دور الدولة تراجع في دعم القطاع، على الرغم من مساهمته في الحدّ من استيراد الأعلاف، مبيّناً أن المعهد الوطني للبحوث العلمية سبق وأكد قيمته الغذائية.

وتشير بعض الدراسات إلى أن التين الشوكي يحتوي على 19 في المائة من السكر، عدا عن الأملاح المعدنية والسوائل والفيتامينات الأخرى المنشطة والمغذية لجسم الإنسان، والتي تكسبه مناعة ضد الأمراض. كما يمكن تصديره واستغلاله في التجميل بعد استخراج الزيت، عدا عن تأمينه فرص عمل أمام الشباب.



ويشكو منتجون من صعوبات تحول دون تطويرهم الإنتاج وتصدير زيت التين الشوكي الذي يحظى بطلب عالمي من دول أوروبية عدة كفرنسا وألمانيا، إضافة إلى الدول الاسكندنافية وأميركا والصين. ويرى عضو في الجمعية الوطنية لتثمين التين الشوكي، وأحد منتجي ومصدري زيت التين الشوكي، وليد حسيني، الذي يتحدّر من سبيطلة في القصرين، أن محافظته تزخر بكميات هامة من التين الشوكي وتتصدر ترتيب المحافظات التونسية. وهناك آلاف الهكتارات من أراضي الدولة غير المستغلة والمهملة، علماً أن التين الشوكي يمتد على مساحة تقدر بـ 600 ألف هكتار.

يضيف أنّ مشروعه انطلق منذ سنتين تقريباً، وقد قرّر العودة إلى الوطن بعد سنوات من الغربة والاستثمار في هذا القطاع، نظراً لقيمته العالية وتزايد الطلب عليه. ويبيّن أنه بدأ تشغيل نحو 50 امرأة، وبإمكانه استقطاب أضعاف هذا العدد من اليد العاملة في حال تشجيع الدولة. ويشير إلى أنه أطلق مشروعه الذي يحمل اسم "كاكتوس رويال" في ظل وجود آلاف الهكتارات المهملة. وبعد الحصول على قروض وشراء تجهيزات، واجه صعوبات عدة، علماً أنّه كان قد سمع عن تشجيع كثير. ويوضح أنه متخصص في استخراج الزيوت، لافتاً إلى أن الليتر الواحد يحتاج إلى طن من هذه الثمار. ويصل سعر الليتر الواحد في أوروبا إلى نحو ألف يورو (نحو 1176 دولاراً). كما يعد من الزيوت الطبيعية الأغلى في العالم، ويستفاد منه في قطاع التجميل والعناية بالبشرة والمجال الطبي. لكن في ظل عدم قدرتهم على التصدير مباشرة، قد يستغل بعض الوسطاء الوضع لفرض أسعار متدنية لاقتناء منتوجهم وتصديره لاحقاً بأضعاف ثمنه. ويبين أن غياب التشجيع والمساندة من قبل الدولة للشركات الصغرى ساهم في تراجع المردود وتراكم الديون.




ويرى أن أمام تونس فرصاً واعدة لاكتساح أسواق أوروبية عدة. فالمساحات الموجودة في تونس تفوق تلك المزروعة في المغرب. لكن في الوقت الذي يلقى فيه غالبية منتجي المغرب دعماً كبيراً من دولتهم، يعاني العاملون في هذا القطاع في تونس من صعوبات عدة.
دلالات