التيارات العميقة والأمواج السطحية

خلال العقود الماضية، لم تكن المنطقة العربية راكدة أو ساكنة، بل كانت تتماوج في أعماق المياه وليس على سطحها. لم يحدث أن قامت السلطات العربية بسبر أغوار التيارات الجوفية المغطاة بالأمواج السطحية الهادئة. وهو ما يتناقض مع أبسط مبادئ العلوم السياسية كونها تسيّس الاجتماع الإنساني في حاضره من جهة، وتتحسّب لما تتطلبه العملية في المقبل من الأيام من جهة ثانية.

تشير الوقائع إلى تسارع في النموّ السكاني عمّ المنطقة العربية من دون أيّ استعداد له. كلّ المؤشرات السكانية كانت تشير إلى نموّ سنوي للسكان يبلغ متوسطه ثلاثة في المائة ثم ارتفع إلى 4.6 في المائة قبل أن يعاود الانخفاض إلى نحو 2.6 في المائة أو أقلّ في العقدين الماضيين. وأدّى ذلك إلى تضاعف عدد السكان بمعدّل ثلاث مرات خلال الفترة الممتدة بين خمسينيات القرن الماضي وتسعينياته. وعليه، ارتفع عدد سكان المنطقة العربية من 22 مليون نسمة إلى 75 مليون نسمة، ليبلغ 253 مليوناً في نهاية عام 1995. أما اليوم، فتؤكّد التقديرات تجاوز رقم 390 مليوناً. وهذه الأرقام تظهر أنّ نسب الزيادة بين التاريخَين الأولين 1950 و1995، قد بلغت 64 في المائة بين العامَين 1950 و1970 ثم ارتفعت إلى 79 في المائة بين العامَين 1970 و1990 قبل أن تهبط إلى 14.4 في المائة بين العامَين 1990 و1995. والأمر كذلك في الأعوام اللاحقة، مع تراجع عمليّة النمو السكاني.

من خلال مقارنة، يمكن القول إنّ سكان العالم العربي كانوا يساوون نصف سكان الولايات المتحدة الأميركية وأقلّ من نصف سكان الاتحاد السوفييتي في حينه. وفي عام 1995، بات عددهم يساوي عدد سكان الولايات المتحدة (260 مليون نسمة) واقترب من عدد سكان الاتحاد السوفياتي السابق (285 مليون نسمة). وعليه، ارتفع سكان العالم العربي قياساً بسكان العالم من ثلاثة في المائة إلى 4.6 في المائة في عام 1990. في ذلك الوقت، كان سكان أميركا يمثلون ستة في المائة من سكان العالم وسكان الاتحاد السوفياتي سبعة في المائة منه. في عام 2025، من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم العربي إلى نحو نصف مليار نسمة.

تلك الأرقام التي تبدو جامدة، غيّرت على الصعيد الفعلي صورة كلّ شيء في المنطقة العربية. المؤكد أنّ المدن سيطرت على الحياة بكلّ معالمها من السياسة إلى الاقتصاد والاجتماع. المتوقّع أن يصل عدد السكان في المدن العربية في العام 2025 إلى 336 مليوناً، أي ما يمثل 68% من مجمل سكان العالم العربي. يُذكر أنّ عدد سكان تلك المدن ارتفع من نحو 130 مليون نسمة إلى 156 مليوناً، ثم تباعاً في العقود اللاحقة إلى الرقم المتوقع بعد ثماني سنوات، أي 336 مليوناً.

*أستاذ جامعي