التونسيون والبترول الضائع

02 يونيو 2015

ملصق ترويجي لحلمة "وينو البترول"

+ الخط -
يبحث التونسيون، هذه الأيام، عن البترول في بلادهم. هي حملة أطلقها حزب التيار الديمقراطي المعارض، ولقيت صدى واسعاً في أوساط المواقع الاجتماعية، وتعاطف معها جزء من منظمات المجتمع المدني، وانحاز إليها خبراء في الطاقة، ودافع عنها بحرارة الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي تحدث باسم "حراك شعب المواطنين"، وتوّجت المبادرة بتنظيم مسيرة ضمت آلاف التونسيين، تجمعوا في شارع الحبيب بورقيبة، ليطالبوا بفتح ملف البترول وبقية الثروات الاستراتيجية في تونس. 
تعتبر هذه المبادرة ذكية من حيث الشكل، وقد أظهرت فعلاً أن روح الاحتجاج التي قلبت الأوضاع في تونس يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011 لم تنطفئ، كما يعتقد كثيرون. هناك أصوات لا تزال تدوي، وهناك حركات اجتماعية لا تزال نشيطة ومعبرة عن رغبة متواصلة، يعمل أصحابها على تغيير الأوضاع. ويمكن القول إنه لم يعد في وسع أي شخص أو حزب أو سلطة أن يغلق أي ملف سياسي أو اجتماعي، من دون موافقة الجميع، أو على الأقل من الأغلبية الواسعة جدا. مع ذلك، تطرح حملة " أين البترول" أكثر من سؤال مزعج؟
من واجب التونسيين أن يحاسبوا حكامهم عن كل صغيرة أو كبيرة، وإن لم يفعلوا ذلك سيندمون كثيراً، لأن الاستبداد سيعود ليكتسح من جديد تفاصيل حياتهم وأنظمة حكمهم، ويتسرب إلى الهواء الذي يستنشقونه، والماء الذي يشربونه، إلى أن يتمكن من أحلامهم وحقوقهم، فيصادرها تحت شعارات براقة وزائفة.
لكن، في مقابل ذلك، يبدو ملف الطاقة في تونس يحتاج إلى تعامل مختلف، حتى لا يزج بالمواطنين في متاهة لن تسفر عن نتائج، تحقق ما يرغبون فيه، وتحمي مصالحهم الحيوية. يجب أن تكون المعطيات التي يتم الاستناد عليها لتبرير الحملة صحيحة وواقعية. فمجرد القول إنه لا يعقل أن تكون الجزائر وليبيا تسبحان على بحر من النفط، في حين لا تتمتع تونس إلا بمقدار بسيط منه، لأن هذه الملاحظة سطحية، إذا لم تدعمها حجة فعلية، تدل على وجود آبار تم إخفاؤها عمدا. فالبحرين، مثلاً، في جوار السعودية وقطر والإمارات لكنها ليست دولة نفطية. قد يكشف المستقبل عن وجود آبار جديدة في تونس، لكن، يبقى ذلك مجرد فرضية لا يمكن البناء عليها حتى تقع. كما إن القول إن الشركات الفرنسية وغيرها القائمة حاليا باستخراج النفط هرّبت كميات ضخمة، بتواطؤ مع جهات محلية، يبقى أيضا احتمالاً ينتظر الدعم والدليل. فهذه مجرد فرضيات يوجهها الصراع السياسي بين الأحزاب المتنافسة على السلطة، لكن تداعياتها قد تكون خطيرة، في حال الدخول في أزمة مع الشركات المرخص لها بالتنقيب عن البترول، أو استثماره. لهذا، اعتبر رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، أن حملة "وينو البترول" بصدد تجريم رجال أعمال وشركات بترولية تونسية وأجنبية، ويمكن أن تتسبب في مغادرتهم تونس"، وأشار خصوصاً إلى أن الحملة "تروج أوهاماً، وتدّعي أن تونس تسبح فوق بحر من البترول، والحال أنها ليست ليبيا أو الجزائر والسعودية".
النتيجة الوحيدة التي يمكن الخروج بها من مبادرة "وينو البترول" هو التأكيد، مرة أخرى، على أهمية الشفافية في بناء الثقة بين التونسيين، من خلال تمكين الرأي العام من حق الوصول إلى المعلومة، بنشر الأرقام الصحيحة وغير المتضاربة حول الثروات الوطنية. لا بد من خوض معركة وطنية شاملة ضد الفساد الذي ينخر القطاعات الكبرى والصغرى للاقتصاد الوطني. فالديمقراطية التونسية الناشئة لا يمكنها أن تقف على رجليها، ما دامت الحيتان الكبرى والصغرى تسبح في مياه آسنة، بعيدا عن عيون الصحافة والمجتمع المدني وبرلمان قوي. وعندما تتوفر الآليات القوية لممارسة الرقابة، وتصبح للمحتجين الأدلة القاطعة التي تسمح بتوجيه اتهامات فعلية وصحيحة، عندها، تكتمل مقومات المعركة الشرعية والرابحة على أكثر من صعيد.