التوتر السياسي يحكم توجهات المستثمرين وليس أسس الاقتصاد

15 ابريل 2017
المستثمرون في حيرة وسط اضطرابات السياسة (Getty)
+ الخط -
التوتر السياسي في كل من آسيا بسبب التصعيد النووي في كوريا الشمالية وتطور النزاع بين واشنطن وموسكو بشأن سورية بعد الضربة الأميركية، باتت تحكم توجهات المستثمرين في أسواق المال العالمية، أكثر من أسس الاقتصاد الكلي وربحية الشركات. 
في السوق الأميركية الأكبر عالمياً والمقدر حجمها قرابة 29 ترليون دولار، يواصل المستثمرون تقييم السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه كل من التواجد الروسي في سورية والتهديد النووي لكوريا الشمالية للدول الحليفة لواشنطن. كما يراقب المستثمرون كذلك، توجهات الرئيس ترامب وتطور علاقاته مع موسكو. وبدا ترامب، حتى الآن، مصمماً على إنهاء حكم بشار الأسد، وهنالك حديث في واشنطن عن نيته إرسال 50 ألف جندي أميركي لسورية خلال الفترة المقبلة. ولكن إلى جانب هذا العامل السياسي، ينشغل المستثمرون بتقييم السياسات المالية لترامب الخاصة بمشروع إصلاح الضرائب وتداعيات تصريحاته الأخيرة التي أدت إلى هبوط الدولار. ويرى مصرف "غولدمان ساكس" في تعليقاته قبل بداية عطلة الربيع، أمس الخميس، أن الدولار الضعيف الذي يرغب فيه الرئيس ترامب إذا واكبه ارتفاع في معدل التضخم، فإن ذلك سيضر بجاذبية الموجودات الأميركية، حتى في حال إقرار الكونغرس لمشروع "ضريبة الحدود"، التي ستعني زيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة.
فالرئيس الأميركي قال صراحة، إنه يريد "دولاراً ضعيفاً". ويأمل ترامب أن يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة تنافسية البضائع والخدمات الأميركية المصدرة للخارج مقارنة بمنافساتها، حتى يتمكن من زيادة حجمها وبالتالي خفض العجز التجاري المقلق بالنسبة له، وأصبح يمثل حجر الزاوية في سياساته التجارية.
وارتفع الدولار، يوم الخميس، متعافياً من هبوط اعتبره المستثمرون مبالغاً فيه في أعقاب تعليقات للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قال فيها، إن العملة الأميركية تكتسب قوة أكبر مما ينبغي، وإنه يفضل بقاء أسعار الفائدة عند مستويات منخفضة. كما تضرر الدولار وعائدات سندات الخزانة الأميركية بشدة كذلك من تصريحات ترامب لصحيفة "وول ستريت جورنال" التي قال فيها أيضاً، إن قوة الدولار ستضر الاقتصاد.

وارتفع الدولار أمام سلة عملات رئيسية بنسبة 0.45% ليتجه صوب تحقيق أكبر مكسب يومي في أسبوعين. ويلاحظ أن الدولار واصل تذبذبه خلال الأسابيع الأخيرة أمام كل من الين الياباني، حيث استقر الدولار عند 109.10 ينات بعدما هبط إلى أدنى مستوى في خمسة أشهر عند 108.73 يناً في أوائل المعاملات الآسيوية.
ولكنه كسب أمام اليور بسبب الانتخابات في فرنسا، حيث يشعر المستثمرون في اليورو وموجوداته بالقلق إزاء الانتخابات الرئاسية في فرنسا واحتمال فوز مرشحة الجبهة الوطنية المتطرفة، ماريان لوبين، في الانتخابات التي ستجري في نهاية الشهر الجاري. وسجل اليورو في آخر تعاملات الأسبوع، يوم الخميس، انخفاضاً بنسبة 0.5% مقابل الدولار، حيث انخفض إلى 1.0619 دولاراً. ولم يسجل الدولار تغيراً يذكر أمام اليوان الصيني في التعاملات خارج الصين بعدما هبط إلى أدنى مستوى في ستة أيام يوم الأربعاء. ولا يزال اليوان مستقراً في حاجز يحوم حول 6.8 يونات للدولار.
ومن أدلة التأثير السياسي على المستثمرين وليس أسس الاقتصاد استجابة السوق الروسية للتوتر بين واشنطن وموسكو الذي بلغ ذروته يوم الأربعاء، حيث خسر مؤشر الأسهم في بورصة موسكو خلال الأسبوعين الماضيين، كل المكاسب التي حققها خلال الأسابيع التي تلت انتخاب الرئيس، دونالد ترامب، في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني.
وكانت البورصة الروسية قد شهدت تدفقات مالية ضخمة من المستثمرين الأجانب منذ انتخاب الرئيس ترامب، على أساس أن العلاقات بين واشنطن وموسكو ستتحسن، وبالتالي سيرفع الحظر المالي والتجاري عن روسيا، ومن ثم سيجنون أرباحاً كبرى من الأسهم الرخيصة التي اشتروها بعد رفع الحظر وعودة المياه إلى مجاريها بين بوتين وترامب. ولكن حدث مالم يكن في الحسبان، حيث بلغت العلاقات بين الدولتين أدنى مستوياتها بعد الضربة الصاروخية الأميركية على المطار العسكري السوري. ولكن المحلل، كول إكيسون، بمصرف "سيبر بانك" الروسي بموسكو، يقول في مذكرة للعملاء نقلها موقع مصرفي أميركي "على الرغم من هذا الهروب من الأسهم الروسية، فإننا لا نرى سبباً يدعو لعودة السوق إلى مستوياتها الدنيا في العام 2015". ويشير محللون إلى أن الأسهم الروسية لا تزال رخيصة مقارنة بالأسواق المالية الناشئة الأخرى، كما مخاطرها ليست كبيرة.
وينظر المستثمرون إلى روسيا دولة غنية بموارد الطاقة والمعادن، وبالتالي متى ما تم تسوية التوتر السياسي فإنهم سيتمكنون من تحقيق أرباح.
وكان أثر التوتر السياسي ظاهراً في تعاملات المستثمرين في الموجودات اليابانية، حيث تراجعت الأسهم اليابانية إلى أدنى مستوياتها في أربعة أشهر في ختام التعاملات، أمس الجمعة، مع تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية ومناطق أخرى في العالم بما أضعف شهية المستثمرين. وهبط مؤشر نيكاي 0.5% ليغلق عند 18335.63 نقطة، مسجلاً أدنى مستوى إغلاق له منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول. ومعروف أن الشركات اليابانية تعتمد على التصدير في تحقيق الأرباح أكثر من اعتمادها على السوق المحلية، وبالتالي فإن أي توتر سياسي في آسيا ينعكس مباشرة على أسعار الأسهم، كما أن الين يعتبر عملة "الملاذ الآمن" في سوق الصرف الآسيوية.
وحتى الآن استفاد كل من النفط والذهب من هذه التوترات، ولكنهما لم يكسبا كما ينبغي بسبب ضبابية الموقف الأميركي بشأن كل من سورية وكوريا الشمالية. فالذهب يكسب عادة في أوقات الاضطراب السياسي، لأن المستثمرين يلجأون كملاذ لتقليل الخسائر في الأسهم والموجودات الأخرى، أما النفط فعادة يكسب في أوقات التوتر العسكري، لأن المستثمرين يتخوفون من حدوث طارئ يمنع وصوله إلى الأسواق العالمية، خاصة حينما يكون التوتر السياسي أو العسكري مرتبطاً بالمنطقة العربية الغنية بالنفط.
ويلاحظ في هذا الصدد، أن سعر الذهب، استقر، أمس الجمعة، قرب أعلى مستوياته في خمسة أشهر، وهو المستوى الذي سجله في الجلسة السابقة ويتجه لتحقيق أكبر مكاسبه الأسبوعية بالنسبة المئوية منذ أبريل/نيسان 2016 في ظل تراجع الدولار والمخاوف الجيوسياسية المرتبطة بالشرق الأوسط وكوريا الشمالية وهو ما عزز الإقبال على الملاذات الآمنة.
واستقر سعر الذهب في المعاملات الفورية عند 1287.40 دولاراً للأوقية (الأونصة) في لندن. وبلغت أسعار المعدن الأصفر أعلى مستوياتها منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني عند 1288.64 دولاراً للأوقية.
أما على صعيد النفط، فقد ارتفع الأسبوع الماضي وعقب الضربة الصاروخية ليصل خام برنت إلى 55 دولاراً للبرميل، ولكنه عاد للانخفاض. ويعتقد مصرف غولدمان في مذكرة نشرها موقع "أويل برايس"، أن متوسط سعره سيتأرجح حول 50 دولاراً، خلال العام الجاري، بسبب زيادة إنتاج النفط الصخري وتقليل التقنيات الحديثة لكلفة برميل النفط من المياه العميقة الذي هبط حالياً إلى 40 دولاراً للبرميل. ويرى مصرف غولدمان ساكس، أن الكلفة المنخفضة لـ "نفط المياه العميقة" سيكون الصداع القادم لمنظمة أوبك.



المساهمون