ما زالت باكستان تسجّل سنوياً واحداً من أعلى معدّلات الإصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي من نوع "سي" حول العالم، فتحلّ بحسب آخر إحصاءات منظمة الصحة الدولية، من بين البلدان الثلاثة الأولى في هذا السياق إلى جانب الصين والهند. وتعجز السلطات الباكستانية عن التصدّي له بصورة فاعلة، علماً أنّه يتسبب مع مرور الزمن في الإصابة بسرطان الكبد في حال لم يُعالَج بالطريقة الفضلى. وترتفع الوفيات الناجمة عن هذا المرض في البلاد التي يعيش معظم سكانها تحت خط الفقر، مع الإشارة إلى أنّ إقليم البنجاب كان يضمّ العدد الأكبر من الإصابات، غير أنّ المرض راح ينتشر بشكل خطير في أقاليم أخرى.
تفيد بيانات الحكومة المحلية في إقليم بلوشستان (جنوب غرب)، بأنّ نسبة المصابين بمرض التهاب الكبد الوبائي من نوع "سي" بلغت ثمانية في المائة، ما يشير إلى تفاقم الوضع فيه، لا سيّما أنّ سكان الإقليم هم الأقلّ عدداً بالمقارنة مع الأقاليم الأخرى. وبحسب ما توضح المؤشّرات، فإنّ الإصابات بالمرض ما زالت تتزايد هناك. وتوضح الحكومة أنّها، بالتنسيق مع وزارة الصحة المركزية، اتّخذت كل الخطوات التي من شأنها التصدّي للمرض المعدي، ومنها إنشاء 28 مركزاً خاصاً بعلاجه، تابعة لإدارة مكافحة التهاب الكبد الوبائي، في مختلف مناطق الإقليم. وتتركّز تلك المراكز بمعظمها في مدن كويتا (مركز بلوشستان)، ونصير أباد وجعفر أباد، حيث نسبة المصابين الأكبر.
وبحسب بيانات حكومة بلوشستان نفسها، فإنّ 64 ألف مصاب بالتهاب الكبد الوبائي من نوع "سي" تلقّوا العلاج في خلال الأعوام الثلاثة الماضية في كامل الإقليم، فيما عمدت إدارة الصحة إلى إنشاء 270 مركزاً للتحصين من المرض، معظمها في المناطق التي سجّلت عدد الإصابات الأكبر. وتشير كذلك إلى أنّ الإصابات راحت ترتفع بشكل كبير في مناطق كانت تسجّل الأرقام الأقل، ومنها سبي وصحبت بور وموسى خيل ولورلاي. ويُعاد السبب الأساسي وراء انتشار المرض إلى عدم وعي السكان وبالتالي عدم اتخاذهم الحيطة والحذر للوقاية من المرض. وهم بمعظمهم لا يعرفون كيفية التعامل مع المصابين بالمرض ويلجأون إلى الأطباء المحليين، علماً أنّ هؤلاء ليسوا أطباء بحقّ، أو يتعالجون بـ"الرقية"، بالإضافة إلى أنّ الكشف عن المرض لا يأتي إلا في مراحل متأخرة عندما تتفاقم حالة المريض. تجدر الإشارة إلى أنّ مرضى كثيرين وذويهم يبرّرون الأمر بأنّ أوضاعهم المعيشية لا تسمح لهم بإجراء الفحوصات في وقت مبكر.
عرفان الله خان، من سكان مدينة كويتا، وهو يعيش حالياً مع زوجته في مدينة راولبندي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "والدتي التي تعيش مع إخوتي في كويتا اتصلت بي في يوم وأبلغتني بأنّها مصابة بحمّى شديدة وأنّها تشعر بآلام حادة في جسمها. فاتصلت بواحد من إخوتي الذي اصطحبها إلى الطبيب فوصف لها دواء لم يكن ذا جدوى. وبعد أيام طلبتُ منه إرسالها إلى راولبندي". يضيف عرفان أنّ "حالتها كانت سيئة جداً، فنقلتها فوراً إلى مستشفى كمبلكس الحكومي في العاصمة إسلام أباد، حيث أجرت فحوصات بيّنت أنّها تعاني من سرطان الكبد نتيجة عدم الكشف مبكراً عن إصابتها بالتهاب الكبد الوبائي من نوع سي".
من جهته، لقي نويد أحمد حتفه بسبب سرطان الكبد، بعد تفاقم إصابته بالتهاب الكبد الوبائي من نوع "سي". والرجل الذي كان يبلغ من العمر 35 عاماً وهو أب لولدَين، من سكان منطقة جند القريبة من أتك، شمال غربي باكستان، وهو كان مدمن أفيون. يخبر ابن أخيه ذيشان أحمد "العربي الجديد"، بأنّ عمّه "راح يتنقّل بين أطباء الأعشاب ويتناول وصفاتهم المقوية، إذ إنّهم كانوا يؤكدون له أنّ الضعف والآلام التي تصيبه إنّما هي ناجمة عن الإدمان. ولمّا راح الورم يتزايد في بطنه، استشار طبيباً متخصصاً فشخّص حالته. لكنّ علاجه لم ينجح وتوفي قبل نحو أسبوعَين". ووضح ذيشان أحمد أنّ "المشكلة الأساسية وراء عدم الكشف المبكر عن المرض هي الفقر الذي منعنا من اصطحابه إلى طبيب جيد في بداية الأمر".
في سياق متصل، كشف حاكم إقليم البنجاب شودري محمد سرور، قبل أيام، في خطاب ألقاه في اجتماع شعبي، أنّ الفحوصات الطبية التي أجرتها الحكومة أخيراً في مدينة فيصل أباد تشير إلى أنّه من بين كلّ اثنَين من سكان الإقليم شخص واحد مصاب بالتهاب الكبد الوبائي من نوع "سي". وشرح سرور أنّ فحوصات إدارة الصحة الإقليمية شملت 100 ألف شخص في المدينة، تبيّن أنّ 50 ألفاً منهم مصابون بالمرض. وقد دفعت تصريحات سرور سكان المدينة إلى التوجّه إلى المراكز الخاصة بهدف الخضوع للفحوصات اللازمة والكشف المبكر عن إصابة محتملة بالمرض العضال.