التنويم بالضجيج الإعلامي!

31 ديسمبر 2017
+ الخط -
يقول الكاتب والمفكر الأميركي، نعوم تشومسكي، ناصحاً من يريد أن يحكم شعباً: "شتت اهتمام العامة عن المشاكل الحقيقية واجعلهم يهتمون بمواضيع تافهة، اجعل الشعب منشغلاً من دون أن يكون له أي وقت للتفكير"، وهي مقولة تم تطبيقها كاملة خلال السنوات الأخيرة من طرف الساسة في الجزائر.

طيلة السنوات الماضية، عملت دوائر اتخاذ القرار في الجزائر على تطبيق نصيحة تشومسكي كاملة، عبر تلهية الشعب وتوجيه الرأي العام نحو قضايا هامشية ظرفية وحولتها إلى مركز اهتمام شعبي وخاض فيها الخائضون إلى حد الابتذال في بعض الأحيان.

طبعاً، لا بد من آلة لتحريك القضايا على المستوى الشعبي، ولم تجد العلبة السوداء التي تتحكم في كل شيء سوى وسائل الإعلام بكل أنواعها، وأخطرها مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية التي تم تكليف بعضها بـ"المهمة القذرة" على حساب المهنية والاحترافية الإعلامية.

وعملت الآلة الإعلامية بكل جد على إثارة الجدل حول بعض القضايا، وفق سيناريوهات محكمة تم إعدادها مسبقاً، بالتركيز على جزئيات وإظهارها للعامة وتكرار عرض هذه القضايا وفرضها على المواطن فرضاً حتى يصدقها ويعتقد بها.

الواقع أن هذا التنويم الإعلامي للمواطن يأتي بصورة متسلسلة مع الأحداث المهمة والجوهرية التي لها علاقة مباشرة بمصيره، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي والسياسي، وهو الأهم على اعتبار أن في الجزائر كل شيء مرتبط بالسياسة، إذ جرت إثارة العديد من القضايا للتغطية على قرارات سياسية مهمة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يعرف بقضية "لعبة الحوت الأزرق"، التي تم تداولها إعلامياً بشكل مفرط، ولو بادعاء أنها تسببت في إزهاق أرواح تلاميذ في مقتبل العمر، على الرغم من أن دولاً أخرى تمكنت من السيطرة على الوضع بكبسة زر، وتم حظر الولوج إلى اللعبة نهائياً، إلا أن تخبط الحكومة في الجزائر منعها من وضع حد لانتشارها.

واستثمرت وسائل الإعلام المكلفة بالمهام في هذه القضايا لتوجيه الرأي العام نحو "لعبة الحوت الأزرق"، للتغطية على سجال المعارضة والموالاة داخل قبة البرلمان حول بنود قانون الموازنة لسنة 2018 الذي تم تمريره كالعادة بالأغلبية، على الرغم من الإجراءات المجحفة في حق المواطن، التي ستأتي في شكل ضرائب ورسوم إضافية تأخذ من جيبه مزيداً من النقود.
0D71B2E1-AA33-42F1-A9F8-D1E73669AA85
محمد لهوازي

إعلامي جزائري. اشتغل في العديد من الصحف والمواقع الإخبارية. حاليا محرر صحفي بموقع الشروق أون لاين. يقول: النفاق حقد دفين يؤذيك، ولسان يخدّرك ليرضيك.