التنمية الثقافية: هل من رؤية أردنية جديدة؟

25 ديسمبر 2017
مها خوري/ الأردن
+ الخط -
باستثناء خطة التنمية التي وضعتها وزارة الثقافة في الأردن عام 2006 لمدة خمس سنوات ولم تفعّل نقاط عدّة منها ولم يتمّ تجديدها بعد ذلك، ظلّت المؤسسة الرسمية بمنأى عن وضع أي تصوّر ثقافي شامل يمكنه تحديد السياسات العامة وآليات التمويل وسبل تنتفيذها.

منذ أيام أصدر "المجلس الاقتصادي الاجتماعي" الذي تأسّس عام 2007 بهدف العمل كهيئة استشارية تقدّم المشورة لمجلس الوزراء، بعنوان "المشهد الثقافي في الأردن: الأزمة وآفاق التنمية والتغيير" نتاج ورشة عمل حملت العنوان ذاته.

رغم أن توصيات المجلس ليست ملزمة دستورياً، إلا أن الحكومة أخذت بالعديد منها خاصة في إدارة الملف الاقتصادي، بل يبدو أحياناً أن الأوراق تصدر بالتنسيق بينهما إن لم نقل بعد تكليف مباشر بإعدادها، ويبدو لافتاً أن تكون الثقافة للمرة الأولى موضع نقاش قد ينتج رؤية حكومية تجاهها.

الورقة التي تشتمل على 19 صفحة، تذهب إلى القول صراحة أن "الواقع الأردني يشهد تراجعاً عاماً في مستوى الحياة الثقافية، وتآكلاً متزايداً للرأسمال السلوكي والأخلاقي"، لافتة إلى أن هذا التراجع "يمتدّ ليشمل مكانة الثقافة والفنون في الحياة العامة... وما يزيد الأمور تعقيداً غياب مشروع وطني معنى بالتقدّم، والانتقال إلى مجتمع الإنتاج واقتصاد المعرفة..".

وأتى التشخيص واضحاً أنه "لا يمكن إحراز نجاح اقتصادي اجتماعي، أو تحقيق التقدّم، من دون تنمية الثقافة ورفدها بخطط علمية مدروسة"، محمّلاً المسؤولية للقطاعين العام والخاص حيث وضعها الأول في ذيل أولوياته –دون تجاهل بعض المكتسبات في السنوات الأخيرة- والثاني لم يقلّ عنه تقصيراً.

وانتقدت الورقة بقوّة ما أسمته "التحوّل السلبي في المجتمع الأردني نحو المزيد من الماضوية والمحافظة، وصاحب هذا التوجّه ازدراء للآداب والفنون"، وفي البحث عن إيجاد رؤية جديدة للخروج من كلّ المعضلات السابقة، في ظلّ "غياب مشروع وطني لتصنيع الاقتصاد، يحمل معه بصورة شبه تلقائية محرّكات التغيير في الفكر والثقافة والسلوك".

يبدو الكلام إلى هنا مرسلاً على عواهنه ويحتاج إلى مشروع وطني تتبنّاه الدولة، ما أشارت إليه الورقة، وهو أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع بالنظر إلى عوامل عديدة؛ تشريعية وإدارية ومالية واجتماعية، لكن ما سيقوم به المجلس بحسب توصياته هو إجراء مسح ثقافي لكل ما سلف للبحث عن مواقع القوة والضعف.

وفي التوصيات، عادت الورقة لتقدّم مقترحات تظهر بعضها مشتّتة وغير متسقة مع بعضها أو لا تزال ترواح الرؤية القديمة التي أدعت تجاوزها، حيث اقترحت إنشاء مجلس أعلى للثقافة مسؤوليته الأساسية رسم السياسات بينما ينحصر دور الوزارة بالتنفيذ، وهي حلول نظرية إلى حد بعيد، فمن سيتبع المجلس وهل يعّين أم ينتخب وكيف يمكنه الخروج من الوصائية والتقليد.

جرى خلط نقاط جزئية بقضايا أكبر أو صياغتها على نحو عام وفضفاض، مثل وضع خطة واضحة لمشروع مكتبة الأسرة، وتخصيص منافذ لبيع الكتاب الأردني، والانفتاح على النشر الإلكتروني، ودائرة للتسويق الثقافي، كما أثارت الورقة مجدداً مسألة فك ارتباط مديرية الآثار بوزارة السياحة وربطها بوزارة الثقافة، وهذا مبحث يحتاج رؤية لإدارة التراث ربما تكون مفتقدة لدى الوزارتين.

قد تكون الخطوة الأهم في الورقة تتعلّق بمسألة تمويل المنتج الثقافي عبر إنشاء صناديق متخصصة، وهو مطلب قديم لكن ما جرى تقديمه لا يعدو كونه إطاراً عاماً لم يورد تفاصيل المشروع التي قد تحمل جدلاً كبيراً حولها، وهي الخطوة التي يعتقد أن المجلس سيدفع إلى إقرارها في وقت قريب غالباً.

المساهمون