ابحث عن المستفيد
إلى جانب خسارة مصر على كل النواحي العسكرية والسياسية والسيادية والاقتصادية، بعد نقل السيادة على الجزيرتين الحيويتين إلى السعودية، فإن المستفيد الأول من هذا التنازل هو إسرائيل، إذ كان مضيق تيران، قبل هذا التنازل، خاضعاً بصورة كلية للسيادة المصرية، كونه واقع بين جزيرة تيران المصرية وأرض سيناء، أما بعد هذا الاتفاق وبعد أن أصبحت جزيرة تيران أرضاً سعودية، أصبح المضيق دولياً كونه منحصراً بين دولتين، وهو ما يضمن لدولة الاحتلال جزءاً من الإدارة والسيادة عليه بموجب الترتيبات الأمنية الملاحية العالمية، وتلك الملحقة باتفاقية كامب ديفيد، خاصة أن المضيق يُمثل القصبة الهوائية لميناء إيلات.
أما المملكة السعودية، فإلى جانب أنها تملكت جزءًا من السيادة المصرية، وبسطت نفوذاً أكبر في البحر الأحمر، فإن هذا الاتفاق يأتي بعد عدة أعوام من إرسالها بعثة لاستكشاف آبار الغاز في المنطقة المُتنازل عليها، وفق تحقيق سبق نشره في الإعلام المصري، أي أن حرص السعودية على إتمام البيع كان نابعاً من تأكدها من غنى المنطقة بالثروات الطبيعية.
كما أن هذا الاتفاق يأتي بعد ضعف النفوذ السعودي عالمياً، وخاصة تجاه الولايات المتحدة التي أبرمت اتفاقاً مع إيران رغماً عن الإرادة السعودية، في ظل تراجع عائدات قطاع الطاقة في السعودية والعالم كله، إثر الانخفاض الكبير للأسعار، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة التي تواجهها السعودية حالياً بعد رفع الحظر عن صادرات النفط الإيرانية، وزيادة المعروض عالمياً وهو ما أدى لهبوط أسعاره بصورة غير مسبوقة، لذا فإنه وفق هذا التنازل ستسيطر السعودية على ممر مهم يمنحها نفوذا دوليا، وخاصة أمام الولايات المتحدة بعد أن أصبحت المملكة إحدى دول الجوار الإسرائيلي، وهو ما يُعزز ثقلها الاستراتيجي.
وسائل الضغط
كشفت الوثائق التي سربها موقع ويكيليكس من وزارة الخارجية السعودية، عن النفوذ القوي الذي تمارسه المملكة على الكثير من الإعلاميين والسياسيين المصريين، والذين تعمل أجهزتها المعنية على توطيد علاقتها بهم بدءا من تحمل المملكة نفقة حج عشرات من الإعلاميين المصريين، إلى دعوتهم باستمرار إلى مناسباتها وفعاليتها والتشاور معهم، كما تذكر وثائق ويكيليكس، بالطبع ضغط هؤلاء الإعلاميين على السيسي خلال الأشهر التي سبقت عملية التوقيع على الاتفاقيات الأخيرة وترسيم الحدود البحرية، عبر رفع لغة الخطاب المُعارض له، كما استغلت المملكة قربها من بعض الأجهزة الأمنية المصرية، والتي عمل بعض رؤسائها وأعضائها في المملكة، لإقناع السيسي بعملية البيع، كما يرى متابعون ومراقبون أبدوا اندهاشهم من انتقاد وسائل إعلام مصرية ومقربة من المملكة للسيسي، حتى وصل الأمر بالمذيع عمرو أديب القريب من المملكة بشكل كبير، إلى الحديث في إحدى حلقات برنامجه عن خطة رحيل السيسي بعد فترته الرئاسية الأولى وعن بديل له، يعد في لندن على حد قوله.
هناك أيضاً النفوذ الإسرائيلي القوي داخل أراضي سيناء، والذي انصاع له نظام السيسي، والذي عبر عنه ما صرح به وفال شتينيتز، وزير الطاقة الإسرائيلي والذي قال إن بعض أعمال الجيش المصري في سيناء تتم وفق إرادة إسرائيلية، كما باتت الطائرات الإسرائيلية تقوم بعمليات قصف في الداخل السيناوي بكل أريحية ومن دون أي اعتراض، بجانب الفشل الذريع للسيسي هناك، حتى أصبح الشأن السيناوي ورقة ضغط في يد إسرائيل.
هذان العاملان إلى جانب الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، والتي تأزمت أخيرا، مع انهيار صناعة السياحة بعد قصف السياح المكسيكيين وتفجير الطائرة الروسية وقتل الطالب الإيطالي، ويضاف إلى ذلك تفشي الفساد في أرجاء الدولة، حتى نضبت العملة الصعبة من مصر، ليصل سعر الدولار إلى أكثر من 10 جنيهات وربع للمرة الأولى في تاريخ مصر، كل هذا أضعف من موقف النظام، وجعله يتنازل عن الجزيرتين بكل أريحية.
استثارت عملية التنازل الشارع المصري، إذ أطلق نشطاء مصريون حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للتنديد ببيع الجزيرتين وتنازل السيسي عن السيادة المصرية على جزء مهم وخطير من تراب مصري، خاصة أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، جاءت مصحوبة بمعونات اقتصادية ومساعدات السعودية للنظام المصري، ما اعتبره المصريون تفريطا رخيصا في الكرامة الوطنية.
ماذا بعد أن تنفد المساعدات؟
عقب 30 يونيو/حزيران من عام 2013، استقبلت مصر من دول الخليج 23 مليار دولار تزامناً مع عزل الرئيس السابق محمد مرسي، تبعها مساعدات أخرى عقب تولي السيسي رئاسة الجمهورية، ولكن لم يتبقّ شيء من كل هذه المليارات، نتيجة فشل وفساد النظام، وفقا لما يؤكده خبراء ومتخصصون في الاقتصاد، ما أدى إلى سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في مصر أكثر وأكثر، الأمر الذي جعل مصر بحاجة إلى مساعدات جديدة، وبالفعل قدمت المملكة مساعدات جديدة لزيادة الاحتياطي النقدي ودعم الاقتصاد، وهو ما تزامن مع نشر وكالة رويترز خبراً عن إرسال مصر قوات مصرية للمشاركة في حرب في اليمن، لا ناقة لمصر فيها ولا جمل.
وها قد عادت مصر لتحتاج مرة أخرى، لكن هذه المرة كان الثمن تنازل السيسي عن الأرض والسيادة المصرية، ليبقى السؤال الصعب والخطير، ماذا سيبيع السيسي مستقبلاً بعد أن تنفذ المساعدات السعودية، وإن كانت الإجابة واضحة ومؤلمة تتمثل في إلغاء شرط الجنسية المصرية من شروط التملك في أراضي سيناء، وهو القرار الذي كان الرئيس السيسي قد أصدره خلال شهر فبراير/شباط الماضي.