خلفت صناعة النفط في جنوب السودان؛ حفرا من النفايات، ومياها ملوثة بمواد كيميائية سامة ومعادن ثقيلة كالزئبق والمنغنيز والزرنيخ، كما خلفت أطفالا يولدون بعيوب خلقية "مثيرة للقلق"، بالإضافة لحوادث إجهاض ومشكلات صحية أخرى بين السكان، حسب أربع دراسات بيئية حديثة.
وقدمت الدراسات التي يعود تاريخها لعام 2013، إلى شركات نفطية ووزارة النفط في جنوب السودان وتم التكتم عليها، وفقا لأربعة أشخاص على دراية بالعمليات النفطية والدراسات، وتحدث الجميع شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا على سلامتهم.
وضعت أبوي مو كويث، من سكان المنطقة، مولودا بستة أصابع في كل يد، وقدم مشوهة، وكلية منتفخة، وتقول بينما تضم صغيرها (بينغ) إلى صدرها: "شعرت بالصدمة عندما رأيت الطفل أول مرة. كان غير قادر على الرضاعة الطبيعية، وأنا قلقة على مستقبله".
وقال الرئيس السابق للتحالف الأوروبي من أجل النفط في السودان، إيغبيرت فيسيلينك، والذي عمل في حقول نفط بجنوب السودان قبل أن تحصل البلاد على الاستقلال عام 2011: "حكومة جنوب السودان تدير صناعة النفط بشكل هو الأسوأ على هذا الكوكب".
ويتهم قادة محليون ونواب في المناطق الغنية بالنفط بولايتي أعالي النيل والوحدة في شمال شرق وشمال البلاد على الحدود مع إثيوبيا والسودان، يتهمون الحكومة وشركتي نفط رئيسيتين، هما "دار بتروليوم" و"غريتر بيونير أوبيريتينغ" اللتين تسيطر عليهما الصين، بإهمال القضية، ومحاولة إسكات أولئك الذين حاولوا كشف المشكلة.
اعتقلت السلطات مراسل "أسوشييتد برس" الذي كان يعد تقريرا حول قضايا التلوث والصحة هناك، وخضع لاستجواب من جانب مسؤولين حكوميين وقوات أمن حكومية تعمل بالنيابة عن شركات النفط، لم ترد أي شركة على مكالمات كثيرة للحصول على تعليق على هذه التقارير، كما لم ترد على أسئلة أرسلت عبر البريد الإلكتروني.
تشوه المواليد
وتشير التقارير إلى أن الحكومة وشركات النفط كانت على علم منذ سنوات بأن التلوث الناجم عن التنقيب قد يسبب مشاكل صحية خطيرة للسكان المحليين. لكن السكان لم يفعلوا الكثير للقضاء على الفوضى، وتنظيف المنطقة، ويقولون إن الوعود التي قطعتها الحكومة وشركات النفط على نفسها لمواجهة التلوث لم تُنفذ.
وقال سايمون نغور، راعي كنيسة في قرية "ملوت" الصغيرة بالمنطقة الغنية بالنفط في ولاية أعالي النيل: "السكان يموتون بأمراض مجهولة. شركة النفط تقول إنها تعالج الأمر، لكني لا أعتقد أنها صادقة".
وعرض بار ألوني وول، رئيس هيئة الصحة في ملوت، صورة طفلة ولدت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وكانت أمعاؤها تتدلى من جسدها. وأضاف "منذ عدة سنوات، رأيت وليداً ولد دون رأس".
وقالت نياوير أييك مونيواك، وهي رئيسة جمعية نسائية في ملوت، إنها فقدت اثنين من أطفالها بين عامي 2008 و2011، وأكدت ست سيدات أخريات أنهن فقدن أطفالهن خلال السنوات العشر الماضية. وكلهن يعرفن أخريات أنجبن أطفالا مشوهين، أو عانين من أجل أن يحملن، أو أجهضن.
وقالت أجوك أييل إنها فقدت طفلا في عام 2010، ولم تحمل منذ هذا التاريخ. أما جيسيكا أوما، فتقول "أريد مغادرة المنطقة إذا استطعت. أجهضت مرتين عامي 2012 و2013، وأصبت بطفح جلدي".
تلوث المياه
وذكر عدد كبير من السكان أن المشكلات الصحية زادت سوءا بعد أن بدأ الناس يشربون المياه من حاويات بيضاء ظهرت قبل عدة سنوات في الأسواق، وعلى جوانب الطرق. كانت الحاويات نفسها مبعثرة في حوض شركة دار بتروليوم، مع وجود ملصقات تفيد بأنها تحتوي على مستحلب كيميائي يسمى "فاسيتريت"، تستخدمه الشركة أثناء الحفر لفصل النفط الخام عن الماء.
وقال ريك شتاينر، مستشار التلوث النفطي في ألاسكا الذي تستشيره حكومات ومنظمات إغاثية والأمم المتحدة: "تحت أي ظرف من الظروف، يجب ألا يستخدم الناس هذه الحاويات الفارغة لأي سبب من الأسباب، لا سيما في الاحتفاظ بمياه الشرب".
وأكدت الدراسة الأولى التي أعدت عام 2013، تحت إشراف وزير النفط والتعدين والصناعة آنذاك، بدعم من وزارة الصحة، أن السكان المحليين يشكون من زيادة حالات الإجهاض وتشوهات الأجنة، ووثقت بالصور، انسكابا نفطيا مثيرا للقلق حول بعض المنشآت، وأشارت إلى أن عددا كبيرا من السكان غرقوا في أحواض مفتوحة حفرتها شركات نفط.
في عام 2016، أرسلت وزارات النفط والصحة والبيئة فريقا إلى بالويش لدراسة سبب إصابة الجنود المتمركزين هناك، وأجرت تحليلات لعينات من التربة والمياه من المنطقة، وعينات بيولوجية من الجنود المصابين. وجد الباحثون أن مستويات الزئبق في الماء كانت سبعة أضعاف ما هو مسموح به، وكانت تركيزات المنغنيز أعلى بعشرة أضعاف، كما عثر على مواد كيماوية في التربة وفي عينات البول التي أخذت من بعض الجنود.
اقــرأ أيضاً
وبعد تقديم تقرير 2018 عن أعالي النيل إلى الحكومة، أقر المسؤولون بالمشكلة، ووصفوها بأنها "خطر كبير على الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط والبيئة المحيطة"، وأمروا شركة "دار بتروليوم" بالمضي قدماً في عملية التنظيف المقترحة، في ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الشركة المكونة من كونسورتيوم يضم شركة تشاينا الوطنية للبترول وشركة سينوبك الصينية المملوكة للدولة، إلى جانب شركتين في ماليزيا ومصر وشركة نفط مملوكة للدولة في جنوب السودان، لم تتصرف بناء على تلك التوجيهات، وفقًا لشخصين على علم بالملف.
وفي فبراير/شباط، أقام المحامي فيليبس أنيانغ نغونغ، دعوى قضائية ضد وزارة النفط وشركة "غريتر بايونير للتشغيل" وشركة النيل للبترول، مدعيًا أن التلوث النفطي تسبب في مشاكل صحية وخسائر في الأرواح، وطالب بتعويضات للضحايا بقيمة 500 مليون دولار، في أول دعوى قضائية لحقوق الإنسان بسبب التلوث النفطي في البلاد.
(أسوشييتد برس)
وقدمت الدراسات التي يعود تاريخها لعام 2013، إلى شركات نفطية ووزارة النفط في جنوب السودان وتم التكتم عليها، وفقا لأربعة أشخاص على دراية بالعمليات النفطية والدراسات، وتحدث الجميع شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفا على سلامتهم.
وضعت أبوي مو كويث، من سكان المنطقة، مولودا بستة أصابع في كل يد، وقدم مشوهة، وكلية منتفخة، وتقول بينما تضم صغيرها (بينغ) إلى صدرها: "شعرت بالصدمة عندما رأيت الطفل أول مرة. كان غير قادر على الرضاعة الطبيعية، وأنا قلقة على مستقبله".
وقال الرئيس السابق للتحالف الأوروبي من أجل النفط في السودان، إيغبيرت فيسيلينك، والذي عمل في حقول نفط بجنوب السودان قبل أن تحصل البلاد على الاستقلال عام 2011: "حكومة جنوب السودان تدير صناعة النفط بشكل هو الأسوأ على هذا الكوكب".
ويتهم قادة محليون ونواب في المناطق الغنية بالنفط بولايتي أعالي النيل والوحدة في شمال شرق وشمال البلاد على الحدود مع إثيوبيا والسودان، يتهمون الحكومة وشركتي نفط رئيسيتين، هما "دار بتروليوم" و"غريتر بيونير أوبيريتينغ" اللتين تسيطر عليهما الصين، بإهمال القضية، ومحاولة إسكات أولئك الذين حاولوا كشف المشكلة.
اعتقلت السلطات مراسل "أسوشييتد برس" الذي كان يعد تقريرا حول قضايا التلوث والصحة هناك، وخضع لاستجواب من جانب مسؤولين حكوميين وقوات أمن حكومية تعمل بالنيابة عن شركات النفط، لم ترد أي شركة على مكالمات كثيرة للحصول على تعليق على هذه التقارير، كما لم ترد على أسئلة أرسلت عبر البريد الإلكتروني.
تشوه المواليد
وتشير التقارير إلى أن الحكومة وشركات النفط كانت على علم منذ سنوات بأن التلوث الناجم عن التنقيب قد يسبب مشاكل صحية خطيرة للسكان المحليين. لكن السكان لم يفعلوا الكثير للقضاء على الفوضى، وتنظيف المنطقة، ويقولون إن الوعود التي قطعتها الحكومة وشركات النفط على نفسها لمواجهة التلوث لم تُنفذ.
وقال سايمون نغور، راعي كنيسة في قرية "ملوت" الصغيرة بالمنطقة الغنية بالنفط في ولاية أعالي النيل: "السكان يموتون بأمراض مجهولة. شركة النفط تقول إنها تعالج الأمر، لكني لا أعتقد أنها صادقة".
وعرض بار ألوني وول، رئيس هيئة الصحة في ملوت، صورة طفلة ولدت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وكانت أمعاؤها تتدلى من جسدها. وأضاف "منذ عدة سنوات، رأيت وليداً ولد دون رأس".
وقالت نياوير أييك مونيواك، وهي رئيسة جمعية نسائية في ملوت، إنها فقدت اثنين من أطفالها بين عامي 2008 و2011، وأكدت ست سيدات أخريات أنهن فقدن أطفالهن خلال السنوات العشر الماضية. وكلهن يعرفن أخريات أنجبن أطفالا مشوهين، أو عانين من أجل أن يحملن، أو أجهضن.
وقالت أجوك أييل إنها فقدت طفلا في عام 2010، ولم تحمل منذ هذا التاريخ. أما جيسيكا أوما، فتقول "أريد مغادرة المنطقة إذا استطعت. أجهضت مرتين عامي 2012 و2013، وأصبت بطفح جلدي".
تلوث المياه
وذكر عدد كبير من السكان أن المشكلات الصحية زادت سوءا بعد أن بدأ الناس يشربون المياه من حاويات بيضاء ظهرت قبل عدة سنوات في الأسواق، وعلى جوانب الطرق. كانت الحاويات نفسها مبعثرة في حوض شركة دار بتروليوم، مع وجود ملصقات تفيد بأنها تحتوي على مستحلب كيميائي يسمى "فاسيتريت"، تستخدمه الشركة أثناء الحفر لفصل النفط الخام عن الماء.
وقال ريك شتاينر، مستشار التلوث النفطي في ألاسكا الذي تستشيره حكومات ومنظمات إغاثية والأمم المتحدة: "تحت أي ظرف من الظروف، يجب ألا يستخدم الناس هذه الحاويات الفارغة لأي سبب من الأسباب، لا سيما في الاحتفاظ بمياه الشرب".
وأكدت الدراسة الأولى التي أعدت عام 2013، تحت إشراف وزير النفط والتعدين والصناعة آنذاك، بدعم من وزارة الصحة، أن السكان المحليين يشكون من زيادة حالات الإجهاض وتشوهات الأجنة، ووثقت بالصور، انسكابا نفطيا مثيرا للقلق حول بعض المنشآت، وأشارت إلى أن عددا كبيرا من السكان غرقوا في أحواض مفتوحة حفرتها شركات نفط.
في عام 2016، أرسلت وزارات النفط والصحة والبيئة فريقا إلى بالويش لدراسة سبب إصابة الجنود المتمركزين هناك، وأجرت تحليلات لعينات من التربة والمياه من المنطقة، وعينات بيولوجية من الجنود المصابين. وجد الباحثون أن مستويات الزئبق في الماء كانت سبعة أضعاف ما هو مسموح به، وكانت تركيزات المنغنيز أعلى بعشرة أضعاف، كما عثر على مواد كيماوية في التربة وفي عينات البول التي أخذت من بعض الجنود.
وتسببت الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات في جنوب السودان في مقتل ما يقارب 4 ملايين شخص، وتشريد الملايين، وخلق أزمة إنسانية وخيمة، وتعرض جيوب في البلاد للمجاعة، ويعتمد ما يقارب سبعة ملايين شخص على المساعدات، وأكثر من 5.5 ملايين شخص قد يعانون من الجوع في أوائل هذا العام، وفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
كما أعاقت سنوات القتال حصول الناس على الرعاية الطبية، ويوجد في جنوب السودان سابع أعلى معدل للوفيات المرتبطة بالتلوث في العالم، وفقًا للتحالف العالمي للصحة والتلوث، ووثق خطاب داخلي صادر عن وزارة الصحة في ولاية روينغ كان موجها لوزير الصحة الوطني لجنوب السودان في عام 2018، زيادة تقارب ثلاثة أضعاف في الولادات المبكرة بين عامي 2015 و2017، من 41 حالة إلى 118.وبعد تقديم تقرير 2018 عن أعالي النيل إلى الحكومة، أقر المسؤولون بالمشكلة، ووصفوها بأنها "خطر كبير على الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط والبيئة المحيطة"، وأمروا شركة "دار بتروليوم" بالمضي قدماً في عملية التنظيف المقترحة، في ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الشركة المكونة من كونسورتيوم يضم شركة تشاينا الوطنية للبترول وشركة سينوبك الصينية المملوكة للدولة، إلى جانب شركتين في ماليزيا ومصر وشركة نفط مملوكة للدولة في جنوب السودان، لم تتصرف بناء على تلك التوجيهات، وفقًا لشخصين على علم بالملف.
وفي فبراير/شباط، أقام المحامي فيليبس أنيانغ نغونغ، دعوى قضائية ضد وزارة النفط وشركة "غريتر بايونير للتشغيل" وشركة النيل للبترول، مدعيًا أن التلوث النفطي تسبب في مشاكل صحية وخسائر في الأرواح، وطالب بتعويضات للضحايا بقيمة 500 مليون دولار، في أول دعوى قضائية لحقوق الإنسان بسبب التلوث النفطي في البلاد.
(أسوشييتد برس)