تتجه الحكومة المغربية نحو تقليص الوظائف الحكومية في العام المقبل، وخفض نفقات التسيير، مع الاكتفاء عندما يتعلق الأمر بالاستثمار العمومي بالمشاريع الضرورية أو التي ترتبط باتفاقيات سارية المفعول.
ويشير رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، إلى أنه بالنظر إلى تأثير الجائحة على النشاط الاقتصادي وموازنة الدولة، يفترض في الوزارات عقلنة نفقات والاحتفاظ فقط بالضرورية منها، بهدف تخفيف الضغط على موازنة الدولة حتى تتمكن من توجيه الأموال المتوفرة نحو التحديات المقبلة. وأوصى العثماني، بقصر التوظيف في العام المقبل على أربع وزارات تعتبر استراتيجية، حيث ينتظر تجميد التوظيف في الوزارات الأخرى بالنظر لتراجع إيرادات موازنة الدولة.
وأكد رئيس الحكومة في مذكرة موجهة إلى الوزارات والقطاعات الحكومية، اطلعت عليها "العربي الجديد"، على عدم برمجة إحداث وظائف جديدة في العام المقبل، باستثناء وزارات الصحة والتعليم والداخلية والدفاع.
وتحظى تلك الوزارات الأربع بحوالي 80 في المائة من الوظائف الحكومية، كما في العام الحالي، حين خصص قانون المالية 23 ألف وظيفة لكل الوزارات، قبل أن تدفع الجائحة إلى تعليق المباريات والتوظيف في جميع القطاعات باستثناء الصحة والأمن.
ويلاحظ أنه عندما تعلن الحكومة عبر مشروع قانون المالية عن إحداث 23 ألف وظيفة في العام الحالي مثلا، فإنه لا يجب عدم إغفال أن عدد الوظائف التي ستحذف في نفس الفترة ستصل إلى 9888 وظيفة، ما يعني أن صافي الوظائف التي ستستحدث لن تتجاوز 13112 وظيفة. ورغم مسعى خفض كتلة الأجور، قفزت أجور الموظفين الحكوميين من 7,6 مليارات دولار في 2009 إلى 9,8 مليارات في 2012، غير أن نمو هذه الأجور تباطأ لتستقر في العام الماضي عند حدود 11,5 مليار دولار.
يلاحظ أنه عندما تعلن الحكومة عبر مشروع قانون المالية عن إحداث 23 ألف وظيفة في العام الحالي مثلا، فإنه لا يجب عدم إغفال أن عدد الوظائف التي ستحذف في نفس الفترة ستصل إلى 9888 وظيفة
ودأبت الحكومة في التعبير عن تطلعها إلى خفض كتلة الأجور في الوظائف الحكومية، من أجل تقليص عجز الموازنة إلى المستوى الذي يحصره في حدود 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وهو من التوصيات التي يلح عليها صندوق النقد الدولي، غير أن الجائحة، بما أفضت إليه من تراجع الإيرادات الجبائية، ستؤدي إلى تجاوز العجز سقف 7 في المائة، حسب التوقعات الرسمية.
غير أن رئيس الحكومة، لم يكتف بالدعوة إلى عدم برمجة التوظيف في بعض الوزارات والقطاعات الحكومة، بل حث الوزارات والقطاعات، في ما يتصل بنفقات التسيير على حصر النفقات بالمشاريع الضرورية والملحة عبر مواصلة الجهود الرامية إلى عقلنة وترشيد الإنفاق، تبعا لما يفرضه السياق الناجم عن ظرفية ما بعد الجائحة.
وأكد أنه عند تناول نفقات الاستثمار يجب إعطاء الأولوية لتوطيد المشاريع قيد الإنجاز، مشددا في هذا الصدد على المشاريع المرتبطة باتفاقيات موقعة أمام العاهل المغربي، والمشاريع المستفيدة من تمويلات خارجية. وأضاف أنه يفترض إيلاء الأفضلية للمشاريع التي تنجز من قبل الشركات المغربية، خاصة تلك التي تستعمل مواد محلية، مشددا، في الوقت نفسه على ضرورة تعزيز اللجوء للتمويل البديل، لا سيما التمويل الذي تتيحه الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ويعتقد الاقتصادي المغربي، رضوان الطويل، أن الأزمة تفرض التفكير حول توجهات سياسة الموازنة، حيث يتصور في حديثه مع "العربي الجديد" أنه يجب التحرر من القاعدة التي تفرض السعي لحصر العجز في حدود 3 في المائة من الناتج المحلي، والاستعاضة عنها بقاعدة مرنة وتوجيه الإيرادات للنفقات الاجتماعية التي تأخذ بالاعتبار تأثيرها على النمو والرفاه الاجتماعي.
ويذهب إلى أنه بالإضافة إلى قاعدة العجز المرن، يمكن للحكومة استعمال الفضاء الموازني، الذي يحدده صندوق النقد الدولي باعتباره الهامش الذي تتوفر عليه الدولة من أجل تخصيص إيرادات لنفقات دون المساس بالوضع المالي أو الاستقرار الماكرواقتصادي، على اعتبار أنه يمكن استعمال الإيرادات والإنفاق حسب تغيرات النشاط الاقتصادي.
وشدد خبراء عند النقاش الذي أثارته أزمة كورونا، على ضرورة تبني سياسة تقوم على الإنفاق على القطاعات الاجتماعية مع المضي في الاستثمار العمومي، واللجوء إلى الاستدانة من أجل تجاوز تراجع الإيرادات الجبائية في الفترة المقبلة.