التقارب الحوثي الإصلاحي: انهيار سريع لكن متوقع

23 ديسمبر 2014
الساحة لم تنضج لعملية سياسية بعيدة عن السلاح(محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -

لم يمر شهر على لقاء قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح بزعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، والذي تمت تسميته بـ"التقارب الحوثي- الإصلاحي" حتى انهار هذا التفاهم حسب تصريح لأحد قياديي حزب الإصلاح زيد الشامي على خلفية القتال في أرحب شمال صنعاء. قبائل أرحب التي خاضت المواجهات ضد الحوثيين تعد حليفة لحزب الإصلاح. وكعادة جماعة "أنصار الله" بعد انتهاء المعركة فجر مسلحوها منازل قياديي حزب الإصلاح ومركز قرآن تابع لهم بحجة أنه وكر للإرهاب.

الانهيار كان متوقعاً منذ أول لحظة لهذا اللقاء في يوم الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في مدينة صعدة. وهو ما بدا واضحاً من لامبالاة الشارع اليمني الذي سئم من اتفاقات النخبة التي لا توقف الحروب كما حدث بعد مؤتمر الحوار الوطني إذ أعقبه تصعيد سياسي انتهى بإسقاط صنعاء.

من ملابسات اللقاء وردود أفعال اعضاء حزب الإصلاح وأنصار الحوثي بدا واضحاً أيضاً أنه ليس أكثر من اجتماع عابر في بيئة لم تنضج تماماً، لتصل لاتفاق حقيقي بين طرفين متوازنين. اللقاء تم بعد يومين من اقتحام منزل مؤسس حزب الإصلاح الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأول رئيس للحزب حتى وفاته في 2007. أما مكان انعقاده فكان في مدينة صعدة معقل الحوثيين وليس صنعاء. وهذه ملابسات فيها قدر كبير من الإذلال لقيادات حزب الإصلاح.

كوادر حزب الإصلاح في غالبها أصدرت مواقف مستنكرة. لعل أهمها تعليق الناشطة والحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان عندما قالت "لو أنكم ذهبتم إلى صعدة قبل اجتياح صنعاء لقلنا إنكم أصحاب حوار ومحترفي سياسة. أما الآن فأنتم مجرد عبيد للقوة الغاشمة، عن قيادات حزب الإصلاح أتحدث".

رد الفعل هذا يعكس غياب أي تمهيد سياسي للخطوة، ولا سيما مع توقيت اقتحام منزل آل الأحمر ووقوع اللقاء في وقت لا تزال فيه الحملة الإعلامية الشرسة بين الطرفين في أوجها، وهو أيضاً يعكس مشكلة هامة لدى حزب الإصلاح وهو ترهله التنظيمي، إذ كانت قوته التنظيمية هي أبرز مزاياه ومصدر قوته.

هذا التفاوت حد التناقض بين قيادات حزب ذهبت للمصالحة وكوادر استنكرت اللقاء له علاقة بالبنية التنظيمية للحزب التي تتسم بالفوقية وضعف التواصل بين القيادات والكوادر، لكن أخيراً صار هناك ما يشبه القطيعة بعد التململ المستمر من شباب حزب الإصلاح من قياداته التي يراها عجوزة وحان تغييرها. فهي قيادات لم تتغير منذ نشأة الحزب عام 1990، إلا رئيس الحزب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي غيبه الموت.

وفضلاً عن صراع الأجيال، يعاني الحزب من مشاكل أعمق بسبب تفكك التنظيم جراء خروجه من السلطة بشكل مهين. فالتيارات المتطرفة والقبلية من الحزب ترى في تقاعس الإصلاح عن قتال الحوثيين تصرفاً جباناً، وبعضهم اتجه للانضمام للقاعدة أو القتال مع التنظيم مثل ما يجري الآن في مدينة رداع بالبيضاء.

لقاء الحوثي بقيادات الإصلاح، كشف أيضاً ظهور النزعة المناطقية نتيجة التفكك التنظيمي داخل الحزب، وغياب أي رؤية وطنية سياسية ضمن حالة انبطاح قيادي للحوثيين. فمن اللافت أنّ قيادات حزب الإصلاح كلها من شمال الشمال، وهي المنطقة التي احتكرت النخبة السياسية والعسكرية في عهد صالح والتي يشكل الزيود غالبية سكانها. ففي الجنوب انخرط الإصلاحيون وبقوة ضمن الحراك الجنوبي، وصاروا يطالبون بالانفصال أو فك الارتباط على الرغم من تبنيهم السابق لمطالب الفيدرالية من ست أقاليم حسب توجه الحزب آنذاك. بينما رأى أبناء بقية المناطق أنه اتفاق بين أبناء نخبة الشمال لحماية مصالحهم التجارية، ولا سيما أنّ القيادات التي تنتمي لأقصى الشمال لم تتعرض للخطف، ولا تعرضت منازلها للاعتداء بعكس تلك التي تنتمي لمناطق أخرى، هذا طبعاً مع استثناء آل الأحمر بما يمثلون من رمزية مهمة لتهاوي مراكز النفوذ الممقوتة من الشعب اليمني.

من جهة أخرى، كانت ممارسات الحوثيين توضح عدم جديتهم في الاتفاق طالما يفرضون إرادتهم بقوة السلاح، إذ أصدروا بياناً مقتضباً بينما كانت كوادرهم تتحدث عن اللقاء باعتباره تنازلاً من الحوثي المتفهم للإصلاح المخطئ والمنهزم، وبدا واضحاً خطاب نشوة النصر.

وهذا له علاقة بالبعد الديني المقدس للجماعة التي ترى انتصاراتها حالة نصر إلهي لا تقبل المساومات، ولا سيما أنها كانت جماعة معزولة تعرضت للظلم والهجوم من قبل الدولة اليمنية وفجأة قفزت من جماعة صغيرة لها مظلومية إلى جماعة متحكمة بكامل البلد.

لذا اتجهت الجماعة إلى التصعيد في أرحب غير مكترثة بالاتفاق مع حزب لا تراه عائقاً في انتصاراتها المتتالية، ولا ترى خطراً من تفككه التنظيمي الذي سوف يزيد من حالة الفوضى بالبلد.
هذا الموقف ليس غريباً عن الحوثيين فهم أيضاً لم يلتزموا باتفاق السلم والشراكة المعترف به دولياً. فحسب تصريحات مستشار رئيس الجمهورية عبد الكريم الإرياني، تنصل الحوثيون من الملف الأمني للاتفاق الذي يفرض على الجماعة الانسحاب من صنعاء. وكان رد الحوثيين هو الهجوم على الإرياني واتهامه بالعمالة.

وعلى المستوى الخارجي، لم تكترث الجماعة ببيان مجلس التعاون الخليجي الذي اتهمها بعرقلة اتفاق السلم والشراكة، في الوقت الذي كانت فيه دول المجلس، وفي مقدمتها السعودية، تقرر قطع المعونات عن اليمن الذي صارت حكومته على وشك الإفلاس. وكان رد الجماعة من جديد عدوانياً تصعيدياً. وطال ايضاً السفير الأميركي الذي استنكر تصرفات الجماعة القائمة على السلاح فقط.

الحوثيون كجماعة مسلحة لم تمارس السياسة، ولذا لا تدرك في الغالب خطورة ما تفعله وهي تحصد الكثير من الأعداء في زمن قياسي بسبب حروبها القبلية واعتداءاتها المستمرة على الناشطين. ويبدو مسلحوها وهم يتجولون في شوارع صنعاء، وهم شباب صغار لأول مرة يرون مدينة ويخرجون من قريتهم النائية والفقيرة كأغراب فيها.

هذه العوامل جميعها، تصعّب من امكان استمرار الوضع على حاله مع تزايد الضغط الإقليمي والدولي، ولا سيما أنّ الخارج بدأ يتململ من الوضع الغريب باليمن، وهو يجد جماعة تتحكم بلا مسؤولية دولة ولا عقل سياسي.

أما داخلياً فالساحة اليمنية مليئة بالمفاجآت في مجتمع مسلح وقبائل كثيرة صار لديها ثأر الآن مع الحوثيين. كذلك شهدت مدينة الحديدة تظاهرات كبيرة ضد الحوثيين، أما مدينة صنعاء فطلاب جامعة صنعاء نجحوا من خلال التظاهر بإجبار المسلحين الحوثيين من الخروج من حرم الجامعة ومنعوهم من حراسة أبوابها. ويبقى الوضع مرشحاً للتصاعد شعبياً وسياسياً بالطبع مع زيادة التدهور المعيشي والاقتصادي.

وبينما لا يمكن للحوثيين البقاء كقوة وحيدة تتعامل مع الآخرين بقوة السلاح فقط، لكن لا يبدو أن الجماعة تنوي التراجع والخضوع لأي منطق سياسي قبل أن تتعرض لـ"ضربة" تفيقها من واقع النصر المسلح، وحينها ستضطر إلى اللجوء لتسويات مع بقية القوى السياسية لكن بمكاسب أقل، كما حدث لحزب الإصلاح الذي ظل يرفض التسوية مع الحوثي وهو في السلطة تحت اغراء قوة السلطة والسلاح والشارع الذي كان يمتلكه. كان حينها سيجنب نفسه الحرب والهزيمة الثقيلة التي تعرض لها، لكنه ذهب متأخراً في وقت لم يعد يملك شيئا يساوم عليه. سيناريو مشابه ينتظر الحوثيين حتى يقبلوا بالتسوية والاتفاق مع الآخرين. وحتى ذلك الحين فالساحة اليمنية لم تنضج لأي عملية سياسية بعيدة عن السلاح.

 

المساهمون