التفاح اللبناني ضحية الدولة والأزمات الإقليمية

29 سبتمبر 2016
أزمة التفاح اللبناني (محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن توترات المنطقة العربية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، قد اجتمعت في أزمة تصريف إنتاج لبنان من التفاح، بعد سنوات من التراكمات، التي تكاد تودي بقطاع يُشغل آلاف المزارعين من شمال البلاد حتى جنوبها. 

وجمعت التحركات الاحتجاجية ضد أزمة تصريف إنتاج لبنان من التفاح، مزارعين من شتى
جهات لبنان، دون أن تنفع التحذيرات السابقة، التي أطلقها القائمون على القطاع قبل موعد القطاف. فترك المزارعون محصولهم على الأرض، وقاموا بتحركات احتجاجية بحثاً عن حلول كان يُفترض بالدولة اللبنانية أن تقدمها لهم.

وتنتشر زراعة التفاح اللبناني في السلسلة الغربية لجبال لبنان، من منطقة فنيدق العكارية شمالا إلى جرود جزين جنوباً، مرورا ببلدات جبل لبنان: بشري والعاقورة وتنورين وبسكتنا وحراجل وميوربا.

ويبلغ الإنتاج السنوي حوالى 200 ألف طن. وهو إنتاج كان يجد طريقه بسهولة إلى الأسواق العربية (المصرية والخليجية تحديدا)، بسبب سعره التنافسي ونوعيته الممتازة. لكن انعكاسات الأزمة السورية على قطاع النقل البري، إضافة إلى أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق المصرية وجهت ضربة قاسية للقطاع.

كلفة النقل
يشير المسؤول الإعلامي في بلدية العاقورة، جليل هاشم، إلى أن جذور الأزمة في قطاع التفاح قديمة وتعود لعدة سنوات، تحديداً منذ إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، الذي كان يشكل معبراً إلزامياً للإنتاج اللبناني نحو مصر ودول الخليج.

وسبق إغلاقَ المعبر بشكل رسمي فرضُ رسوم وإتاوات من قبل قوات النظام السوري والمليشيات، ما أفضى إلى ارتفاع كلفة النقل البري على المنتجين، والتي كانت لا تتجاوز بأقصى حدودها 1500 دولار أميركي لكل شاحنة مع التأمين، بحسب هاشم.

ولم يشكل خيار نقل البضائع اللبنانية بحراً، بديلاً عملياً نظراً لارتفاع كلفته، وبلوغها حوالى 3 أضعاف كلفة النقل البري.
وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية محاولات حثيثة من وزير الزراعة، أكرم شهيب، لفتح أسواق جديدة أمام التفاح اللبناني، فعقد سلسلة لقاءات مع سفراء مصر وصربيا.

كما تحدث شهيب عن تعثر جهود لتصدير التفاح إلى روسيا بسبب الضرائب المرتفعة، ووعود من النظام المصري باستيراد التفاح اللبناني بكميات أكبر. لكن هاشم يشير إلى أن "أزمة سعر صرف الدولار الأميركي في مصر، تجعل كلفة تصدير التفاح أكبر من سعر بيعه بالتجزئة، وعندما كان سعر صرف الدولار 5 جنيهات، كان سعر التفاح اللبناني 5 جنيهات، واليوم تجاوز سعر الدولار 13 جنيهاً".

وإلى جانب المشاكل الإقليمية، عانى قطاع التفاح في لبنان من سوء إدارة الدولة لهذا القطاع ومن المخاطر الطبيعية المتمثلة في البرد والأمراض الفطرية، التي قضت على جزء كبير من إنتاج العام الحالي، وهو إنتاج يخضع لمنافسة شرسة من التفاح التركي والأوروبي والصيني، الذي يتم استيراده إلى لبنان، فحكومات هذه البلدان تدعم زراعة التفاح.

وبحسب هاشم، فإن ضعف رقابة الدولة على أسعار المبيدات الزراعية، وغياب سياسة زراعية واضحة أدى لاحتكار السوق وزيادة التكاليف على المزارع.

"أطعموا اللاجئين"
وفي ترجمة إضافية لسياسة تحميل اللاجئين السوريين كافة الأزمات الأساسية، التي يعاني منها لبنان منذ عشرات السنوات، تلاقت تصريحات وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، مع مناشدات بعض القائمين على قطاع الزراعة في لبنان بـ "استهلاك اللاجئين السوريين لإنتاج
لبنان من التفاح".

وقد وجد وزير الخارجية صيغة متكاملة للأمر، من خلال "إجبار المنظمات الإغاثية على شراء محصول لبنان من التفاح وتوزيعه على اللاجئين"، وهي التغريدة التي حولها الناشطون اللبنانيون إلى حملة واسعة وصفت تصريحات باسيل بـ "العنصرية".

أما هاشم، فيؤكد لـ "العربي الجديد"، أن "كل شيء يخضع للتسييس في لبنان، والمشكلة ليست كما يوحي البعض بأنها بين فئة معنية من اللبنانيين وبين اللاجئين السوريين، إنما هي مشكلة قطاع زراعي يبحث عن حلول فعالة ومبتكرة لأزمته".

ويدعو هاشم إلى ضم اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن إلى خطة إضافة التفاح اللبناني إلى السلة الغذائية للاجئين السوريين. وهو أمر يقول هاشم إنه "يحمي المزارع الفقير عبر إطعام لاجئ فقير أيضاً".

ويأتي هذا الاقتراح، بعد فشل آخر، قدمه المزارعون ويقضي بدعم الإنتاج المحلي من التفاح بقيمة 25 مليون دولار أميركي، بما يعادل 5 دولارات للصندوق الواحد، بالتزامن مع إقرار خطة إرشاد جدية للمزارعين.

دلالات
المساهمون