هزت قصة عمر عبد الحميد الحمداني (53 عاما)، مدينة الموصل وضواحيها أكثر مما تفعله القاصفات والصواريخ التي تمطر المدينة منذ نحو ثلاثة أشهر.
الحمداني، اختار البقاء مع والدته المقعدة على الفرار من المنزل مع زوجته وأطفاله بعد سماعهم نداءات مكبرات الصوت تطالب سكان حي المثنى، شرق الموصل، بالخروج ورفع رايات بيضاء، والتوجه إلى مكان تواجد القوات العراقية المشتركة.
ورفعت فرق إنقاذ، فجر اليوم الثلاثاء، أنقاض منزل الحمداني لتجده وقد احتضن والدته البالغة من العمر 81 عاماً في إحدى الغرف.
وليلة أمس، الاثنين، أبلغ نجل الحمداني الأكبر ويدعى أحمد، قوات الأمن بأن والده ما زال في الحي مع جدته ولم يخرجا، لتستدل قوة خاصة على مكان المنزل بعد ساعات، وتجده ركاما بفعل معارك طاحنة وقصف جوي للطيران الأميركي.
وبحسب زوجته فاطمة سعدي الجبوري، فإن الحمداني بعد سماع دعوات الجيش العراقي بمكبرات الصوت التي تطالب الجميع بالخروج رافعين أيديهم ومعهم أي قطعة قماش بيضاء، وتهدد بإطلاق النار.
وأضافت "أردنا الخروج، لكن أمه فشلت في التحرك، حاول زوجي رفعها لكن وزنها ثقيل جدا، وهي لم تغادر غرفتها منذ نحو عامين. وحاول طلب المساعدة من الجيران، لكن كل شخص كان منشغل بنفسه وبعائلته".
ولفتت إلى أن والدة زوجها قالت له "خذ زوجتك وأطفالك يا ابني، أنقذ روحك وأهلك"، لكنه رفض وحاول تحريكها ولم ينجح. وتابعت الزوجة "قال لي خذي الأولاد وأخرجوا، أنا باقٍ مع أمي. حاولت إقناعه أن يخرج معنا لكنه غضب مني وقال هذه أمي".
وأكدت أنه بعد وصولهم إلى منطقة لا اشتباكات فيها حاولت إبلاغ الجيش وتحديد موقع المنزل على خارطة غوغل، لكن لم يسمع لها أحد إلا بعد ساعات. وأبلغوها أن هناك قناصة تابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولا يمكن المخاطرة.
وفجر اليوم، الثلاثاء، حددوا موقع المنزل الذي سوّي بالأرض، واستخرجوا الحمداني وأمه من تحت الأنقاض، اللذين سقطا تحت سقف غرفة الوالدة المشرفة على حديقة البيت.
ووفقا لرواية ضابط الأمن العراقي، حيدر غني، فإن مقاتلي "داعش" يتركون قناصة وبعض المسلحين في كل حي سكني ينسحبون منه بهدف إيقاع خسائر في صفوف القوات العراقية وقتل أكبر عدد ممكن منهم من خلال مفاجأتهم.
وبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "الطيران يقصف المناطق التي فيها نشاط مسلح بهدف تمهيد الطريق أمام القوات العراقية".
ورصد "العربي الجديد"، صباح اليوم، مشاهد فرار السكان من أحياء الموصل المختلفة بطرق مختلفة، وصفها مراقبون وأعضاء منظمات إنسانية بـ"التغريبة الموصلية".
وأكدت تقارير سابقة حصل عليها "العربي الجديد" عبر منظمات محلية عراقية، ومستشفيات داخل وخارج الموصل، مقتل أكثر من 2300 مدني منذ بدء المعارك، وإصابة نحو سبعة آلاف آخرين.
وبيّنت أن أكثر من 60 في المائة من الضحايا هم نساء وأطفال وكبار سن سقطوا بفعل القصف الجوي والصاروخي والاشتباكات داخل الأحياء السكنية، أو القصف والعمليات الانتحارية لتنظيم "داعش".