طوال تاريخها شهدت ليبيا عمليات تهجير قسري متعددة، تغيرت فيها التركيبة الديموغرافية لبعض مناطقها بشكل كامل.
أول عمليات التهجير كانت في القرن الـ17 ، لقبائل أولاد علي الذين أجبروا على النزوح من منطقة الجبل الأخضر شرق ليبيا إلى مصر على يد الدولة العثمانية والمتحالفين معها، ومنذ انقلاب 1969، خلق نظام القذافي عداوات بين القبائل والمناطق، أدت لنتائج كارثية شملت مؤيدي ومعارضي الثورة -على حد سواء- ممن تعرضوا للتهجير بعد سقوط نظامه.
تاورغاء.. 42 ألف مهجر
في تاورغاء ولدت الناشطة أسماء التاورغي - اسم مستعار- وعاشت عمرها كله، لكن كان لعائلتها موعد مع التهجير القسري والغربة الإجبارية كما تقول لـ "العربي الجديد" بينما تدمع عيناها وتتابع "عائلتي سكنت مدينة تاورغاء منذ القدم، أخي ضابط في كتائب القذافي، تم تهجيره إلى طرابلس، نعيش في ظروف سيئة كأقاربنا المهجرين إلى مدينة بني وليد، المقيمين بمخيمات في ظل أوضاع إنسانية بالغة السوء".
تقع مدينة تاورغاء على بعد 30 كلم جنوب مصراته، قدر عدد سكانها قبل التهجير بحوالي 42 ألف نسمة حسب المجلس المحلي للمدينة، في منتصف شهر أغسطس/آب 2011 هرب سكانها حين اقتربت قوات ثوار مصراته من المدينة لتحريرها من ميليشيات القذافي التي كانت تتخذها قاعدة لمهاجمة وحصار مصراته، وقتها بقي بالمدينة 140 شخصا، وبعد أن دخلتها قوات الثوار، "طرد هؤلاء قسراً" كما تكشف عن ذلك منظمة "هيومن رايتس ووتش".
يُتهم سكان تاورغاء من قبل ثوار مصراته بالقتال في صفوف قوات القذافي وارتكاب عمليات اغتصاب أثناء الهجوم على مدينتهم، وبحسب منظمات حقوقية وشهادات أهالي تاورغاء الذين تواصلت معهم "العربي الجديد" ينتشر مهجروهم في أنحاء ليبيا ويقيمون في مخيمات للنازحين، إذ يوجد نحو 18 ألفاً في بنغازي والشرق، 13 ألفاً في طرابلس ومناطق الغرب، 7 آلاف في سبها والمناطق المحيطة بها في الجنوب، كما تنتشر أعداد أقل في ترهونة والخمس وسرت وأجدابيا وبني وليد وأماكن أخرى.
مثل تاورغاء تعرض أهالي قريتي طمينه ( 10 كم جنوب مصراته) وكراريم (25 كم جنوب مصراته) - يقدر عدد سكانهما بـ 10 آلاف نسمة - للتهجير أيضا بسبب قتال أبنائهما إلى جانب قوات القذافي واستعمال القريتين كقاعدة لمهاجمة مصراته ومحاصرتها.
مسؤولو مصراته من جانبهم يطالبون بتسليم من ارتكبوا أعمالاً وحشية في حق السكان أثناء الثورة، وهو ما أكد عليه في فبراير/شباط 2012 مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي، كشرط أساسي للقبول بعودة المهجرين، لكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" رفضت ذلك لأن القانون الدولي للنزاعات المسلحة وإن كان يسمح بترحيل السكان أثناء النزاعات المسلحة في ظروف محددة، يشترط السماح للسكان المرحلين بالعودة فور انتهاء النزاع.
واجهنا عضو البرلمان الليبي عن مصراته فتحي باشاغا باتهامات أهالي تاورغاء فرد قائلا لـ "العربي الجديد"سكان تاورغاء لم يهجروا، هم نزحوا بإرادتهم، وكنت شاهدا على هذا، ندرك المعاناة الإنسانية لنازحي تاورغاء الذين تم إهمالهم بشكل متعمد من كل الحكومات ووضعهم يجب أن يحل وفقاً للقوانين الليبية والدولية والشريعة الإسلامية وقبل ذلك توفير الحياة اللائقة لهم حتى تحل المشكلة بالعدالة الانتقالية والمصالحة".
المشاشية وتهمة "الأزلام"
بمنطقة العوينية بالجبل الغربي جنوب طرابلس عاش حمزة المشاي أحد أبناء قبيلة المشاشية المهجرين، حمزة أيد ثورة 17 فبراير من أول يوم، لكن المفارقة أنه تم تهجيره هو وجميع أبناء المنطقة باتهامهم أنهم من "الأزلام".
ينفي حمزة الاتهام قائلا لـ "العربي الجديد": "قلة قليلة من أبناء العوينية كانوا مع القذافي والكل يعلم أن السبب الحقيقي لإخلاء قوات منطقة الزنتان للعوينية وجوارها بالكامل من سكانها البالغ عددهم 10 آلاف نسمة "صراع قبلي قديم جداً متعلق بملكية المنطقة والنزاع على السيادة والنفوذ مما أدى إلى تهجيرنا منذ ثلاثة أعوام حتى الآن".
تفرق أبناء العوينية وزاوية الباقول وعومر في مناطق ليبيا المختلفة بعضهم في الشقيقة وطرابلس ومزده وغريان والعزيزية والزهراء والسواني والساعدية وجنزور وقصر بن غشير والأصابعة وترهونة والزاوية وصبراته وغيرها، فيما حصرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد مشردي قبيلة المشاشية من الجبل الغربي حتى يناير/كانون الثاني 2013 داخل ليبيا بحوالي 9 آلاف شخص، "حالهم صعب جدا" كما يقول حمزة متابعا "البعض بقوا عند أقاربهم، آخرون سكنوا بالمدارس والمباني العامة وأماكن أخرى غير صالحة للسكنى".
يؤكد الناشط عبدالمنعم رحومة المشاي حديث حمزة قائلا "قوات القذافي دخلت إلى منطقة العوينية وزاوية الباقول وسيطرت عليهما في 28 فبراير/شباط 2011، استخدمت الأهالي كدروع بشرية، وهو ما استغلته قوات الزنتان (متحالفة مع خليفة حفتر مدبر محاولة الانقلاب على ثورة 17 فبراير) لتصفية خصومة قبلية قديمة بحجة أننا محسوبون على القذافي"، ويتابع "نزحنا إلى منطقة الشقيقة المجاورة، تمت مهاجمتنا في الشقيقة أيضاً، تشردنا بين مناطق طرابلس وضواحيها ومزدة وما زالت معاناتنا مستمرة".
طرابلس وبنغازي.. أسباب أمنية
أهل طرابلس وبنغازي - أكبر مدينتين - طالتهم التغريبة الليبية، إذ اضطر عبدالهادي الترهوني - مواطن طرابلسي - لمغادرة مدينته بسبب القتال الدائر بها وتردي الخدمات وتعطل معظم المؤسسات، يقول الترهوني "انتقلت للعيش بمدينة بنغازي حيث عملت بأحد المطاعم بالمدينة حتى اضطررت لمغادرتها هي الأخري بسبب الأوضاع الأمنية والخدمية المتردية بها وأقيم حاليا بمدينة البيضاء التي تعد مستقرة وأفضل حالاً من أغلب مدن ليبيا من حيث الأمن والخدمات".
بسبب القتال الدائر في طرابلس أعلن المجلس المحلي بالمدينة في 25 أغسطس/ آب الماضي نزوح أكثر من 12600 عائلة من المدينة لا سيما سكان الأحياء والضواحي الغربية بطرابلس، بالمقابل هربت من طرابلس 80 عائلة ترجع أصولها لمدينة الزنتان خشية تعرضها لاعتداءات علي خلفية أصولها عقب هزيمة قوات الزنتان أمام قوات فجر ليبيا التي سيطرت على العاصمة مؤخراً فيما استقبلت مدينة الزاوية غرب طرابلس حتى منتصف أغسطس/آب حوالي 12 ألف نازح من طرابلس حسب أحدث بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
إثر حصار قوات فجر ليبيا منطقة ورشفانه في ضواحي طرابلس لوجود مسلحين من مؤيدي نظام القذافي فيها، نزح عدد كبير من سكان المنطقة تقدره المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بـ 100 ألف شخصٍ في الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
شرقا في بنغازي نزح 15,000 شخصٍ من سكان الأحياء المجاورة لمطار بنينا الذي تدور حوله المعارك بين مجلس ثوار بنغازي وقوات اللواء خليفة حفتر وفقا لأحدث بيانات مفوضية اللاجئين وهو "ما أفرغ أحياء بوعطني والهواري وبنينا من 90% من الأهالي،" الذين نزحوا إلى مناطق ومدن أكثر أمناً كما غادر بعضهم البلاد للإقامة في الخارج" وفقا لإفادة الحقوقي طارق لملوم عضو مؤسسة بلادي الحقوقية المحلية لـ "العربي الجديد".
لا إحصاء
في ظل غياب الدولة الليبية لا يوجد حصر ليبي دقيق للنازحين جراء المعارك منذ الثورة حتى الآن، ويصعّب من الأمر أن معظم النازحين يعيشون حاليا داخل المدارس والمباني العامة ومع الأسر التي تستضيفهم وعادة ما تكون من أقربائهم، لكن آخر تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -صدر قبل 3 أيام- قدر عدد نازحي الاشتباكات الأخيرة والمعارك المندلعة بشرق وغرب ليبيا، بنحو 287 ألف نازح في 29 مدينة ليبية، فيما قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) واللجان المحلية، أن عدد النازحين منذ اندلاع ثورة 17 فبراير عام 2011 (150 ألف نازح) العديد منهم لم يعد بعد إلى حياته الطبيعية.
التهجير المؤقت
شهدت مدينة بني وليد - إحدى آخر المدن الليبية التي سقطت بيد الثوار- عملية "تهجير مؤقت" أثناء حملة عسكرية على المدينة استهدفت تطهيرها من النظام السابق بناء على قرار للمؤتمر الوطني العام (رقم 7 بني وليد)، وفي 24أكتوبر/تشرين الأول 2012 أعلنت الحكومة الليبية انتهاء العملية العسكرية والسيطرة على المدينة والسماح للمهجرين بالعودة إلي المدينة في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهو ما وافق القانون الدولي للنزاعات المسلحة.
مدينة سرت ـ إحدى معاقل النظام السابق ـ غادرها جزء كبير من سكانها للعيش في الخارج بسبب علاقتهم مع قادة نظام القذافي، وحسب إفادة سكان المدينة لـ "العربي الجديد" يعيش في مصر 850 أسرة نظمت مظاهرات في القاهرة والأسكندرية للمطالبة بالعودة إلى بيوتهم بينما تقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد سكان مدينة سرت المشردين بالداخل الليبي بـ 9404 أشخاص.
النائب فتحي باشاغا يعود للتعليق على ادعاءات تهجير المؤيدين للقذافي قائلا " لا توجد جهة تجبر الليبيين علي مغادرة ليبيا، من هاجروا قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، بعضهم متورطون مع النظام السابق خافوا من عمليات انتقام، وأدعو جميع الليبيين للعودة إلي بيوتهم".
.
-----------------
اقرأ أيضا
التغريبة العربية..النزوح يخلق "مدن الأشباح" في العراق
التغريبة العربية..نازحو صنعاء ضائعون بين الميليشيات والسياسيين=
أول عمليات التهجير كانت في القرن الـ17 ، لقبائل أولاد علي الذين أجبروا على النزوح من منطقة الجبل الأخضر شرق ليبيا إلى مصر على يد الدولة العثمانية والمتحالفين معها، ومنذ انقلاب 1969، خلق نظام القذافي عداوات بين القبائل والمناطق، أدت لنتائج كارثية شملت مؤيدي ومعارضي الثورة -على حد سواء- ممن تعرضوا للتهجير بعد سقوط نظامه.
تاورغاء.. 42 ألف مهجر
في تاورغاء ولدت الناشطة أسماء التاورغي - اسم مستعار- وعاشت عمرها كله، لكن كان لعائلتها موعد مع التهجير القسري والغربة الإجبارية كما تقول لـ "العربي الجديد" بينما تدمع عيناها وتتابع "عائلتي سكنت مدينة تاورغاء منذ القدم، أخي ضابط في كتائب القذافي، تم تهجيره إلى طرابلس، نعيش في ظروف سيئة كأقاربنا المهجرين إلى مدينة بني وليد، المقيمين بمخيمات في ظل أوضاع إنسانية بالغة السوء".
تقع مدينة تاورغاء على بعد 30 كلم جنوب مصراته، قدر عدد سكانها قبل التهجير بحوالي 42 ألف نسمة حسب المجلس المحلي للمدينة، في منتصف شهر أغسطس/آب 2011 هرب سكانها حين اقتربت قوات ثوار مصراته من المدينة لتحريرها من ميليشيات القذافي التي كانت تتخذها قاعدة لمهاجمة وحصار مصراته، وقتها بقي بالمدينة 140 شخصا، وبعد أن دخلتها قوات الثوار، "طرد هؤلاء قسراً" كما تكشف عن ذلك منظمة "هيومن رايتس ووتش".
يُتهم سكان تاورغاء من قبل ثوار مصراته بالقتال في صفوف قوات القذافي وارتكاب عمليات اغتصاب أثناء الهجوم على مدينتهم، وبحسب منظمات حقوقية وشهادات أهالي تاورغاء الذين تواصلت معهم "العربي الجديد" ينتشر مهجروهم في أنحاء ليبيا ويقيمون في مخيمات للنازحين، إذ يوجد نحو 18 ألفاً في بنغازي والشرق، 13 ألفاً في طرابلس ومناطق الغرب، 7 آلاف في سبها والمناطق المحيطة بها في الجنوب، كما تنتشر أعداد أقل في ترهونة والخمس وسرت وأجدابيا وبني وليد وأماكن أخرى.
مثل تاورغاء تعرض أهالي قريتي طمينه ( 10 كم جنوب مصراته) وكراريم (25 كم جنوب مصراته) - يقدر عدد سكانهما بـ 10 آلاف نسمة - للتهجير أيضا بسبب قتال أبنائهما إلى جانب قوات القذافي واستعمال القريتين كقاعدة لمهاجمة مصراته ومحاصرتها.
مسؤولو مصراته من جانبهم يطالبون بتسليم من ارتكبوا أعمالاً وحشية في حق السكان أثناء الثورة، وهو ما أكد عليه في فبراير/شباط 2012 مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي، كشرط أساسي للقبول بعودة المهجرين، لكن منظمة "هيومن رايتس ووتش" رفضت ذلك لأن القانون الدولي للنزاعات المسلحة وإن كان يسمح بترحيل السكان أثناء النزاعات المسلحة في ظروف محددة، يشترط السماح للسكان المرحلين بالعودة فور انتهاء النزاع.
واجهنا عضو البرلمان الليبي عن مصراته فتحي باشاغا باتهامات أهالي تاورغاء فرد قائلا لـ "العربي الجديد"سكان تاورغاء لم يهجروا، هم نزحوا بإرادتهم، وكنت شاهدا على هذا، ندرك المعاناة الإنسانية لنازحي تاورغاء الذين تم إهمالهم بشكل متعمد من كل الحكومات ووضعهم يجب أن يحل وفقاً للقوانين الليبية والدولية والشريعة الإسلامية وقبل ذلك توفير الحياة اللائقة لهم حتى تحل المشكلة بالعدالة الانتقالية والمصالحة".
المشاشية وتهمة "الأزلام"
بمنطقة العوينية بالجبل الغربي جنوب طرابلس عاش حمزة المشاي أحد أبناء قبيلة المشاشية المهجرين، حمزة أيد ثورة 17 فبراير من أول يوم، لكن المفارقة أنه تم تهجيره هو وجميع أبناء المنطقة باتهامهم أنهم من "الأزلام".
ينفي حمزة الاتهام قائلا لـ "العربي الجديد": "قلة قليلة من أبناء العوينية كانوا مع القذافي والكل يعلم أن السبب الحقيقي لإخلاء قوات منطقة الزنتان للعوينية وجوارها بالكامل من سكانها البالغ عددهم 10 آلاف نسمة "صراع قبلي قديم جداً متعلق بملكية المنطقة والنزاع على السيادة والنفوذ مما أدى إلى تهجيرنا منذ ثلاثة أعوام حتى الآن".
تفرق أبناء العوينية وزاوية الباقول وعومر في مناطق ليبيا المختلفة بعضهم في الشقيقة وطرابلس ومزده وغريان والعزيزية والزهراء والسواني والساعدية وجنزور وقصر بن غشير والأصابعة وترهونة والزاوية وصبراته وغيرها، فيما حصرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد مشردي قبيلة المشاشية من الجبل الغربي حتى يناير/كانون الثاني 2013 داخل ليبيا بحوالي 9 آلاف شخص، "حالهم صعب جدا" كما يقول حمزة متابعا "البعض بقوا عند أقاربهم، آخرون سكنوا بالمدارس والمباني العامة وأماكن أخرى غير صالحة للسكنى".
يؤكد الناشط عبدالمنعم رحومة المشاي حديث حمزة قائلا "قوات القذافي دخلت إلى منطقة العوينية وزاوية الباقول وسيطرت عليهما في 28 فبراير/شباط 2011، استخدمت الأهالي كدروع بشرية، وهو ما استغلته قوات الزنتان (متحالفة مع خليفة حفتر مدبر محاولة الانقلاب على ثورة 17 فبراير) لتصفية خصومة قبلية قديمة بحجة أننا محسوبون على القذافي"، ويتابع "نزحنا إلى منطقة الشقيقة المجاورة، تمت مهاجمتنا في الشقيقة أيضاً، تشردنا بين مناطق طرابلس وضواحيها ومزدة وما زالت معاناتنا مستمرة".
طرابلس وبنغازي.. أسباب أمنية
أهل طرابلس وبنغازي - أكبر مدينتين - طالتهم التغريبة الليبية، إذ اضطر عبدالهادي الترهوني - مواطن طرابلسي - لمغادرة مدينته بسبب القتال الدائر بها وتردي الخدمات وتعطل معظم المؤسسات، يقول الترهوني "انتقلت للعيش بمدينة بنغازي حيث عملت بأحد المطاعم بالمدينة حتى اضطررت لمغادرتها هي الأخري بسبب الأوضاع الأمنية والخدمية المتردية بها وأقيم حاليا بمدينة البيضاء التي تعد مستقرة وأفضل حالاً من أغلب مدن ليبيا من حيث الأمن والخدمات".
بسبب القتال الدائر في طرابلس أعلن المجلس المحلي بالمدينة في 25 أغسطس/ آب الماضي نزوح أكثر من 12600 عائلة من المدينة لا سيما سكان الأحياء والضواحي الغربية بطرابلس، بالمقابل هربت من طرابلس 80 عائلة ترجع أصولها لمدينة الزنتان خشية تعرضها لاعتداءات علي خلفية أصولها عقب هزيمة قوات الزنتان أمام قوات فجر ليبيا التي سيطرت على العاصمة مؤخراً فيما استقبلت مدينة الزاوية غرب طرابلس حتى منتصف أغسطس/آب حوالي 12 ألف نازح من طرابلس حسب أحدث بيانات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
إثر حصار قوات فجر ليبيا منطقة ورشفانه في ضواحي طرابلس لوجود مسلحين من مؤيدي نظام القذافي فيها، نزح عدد كبير من سكان المنطقة تقدره المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بـ 100 ألف شخصٍ في الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
شرقا في بنغازي نزح 15,000 شخصٍ من سكان الأحياء المجاورة لمطار بنينا الذي تدور حوله المعارك بين مجلس ثوار بنغازي وقوات اللواء خليفة حفتر وفقا لأحدث بيانات مفوضية اللاجئين وهو "ما أفرغ أحياء بوعطني والهواري وبنينا من 90% من الأهالي،" الذين نزحوا إلى مناطق ومدن أكثر أمناً كما غادر بعضهم البلاد للإقامة في الخارج" وفقا لإفادة الحقوقي طارق لملوم عضو مؤسسة بلادي الحقوقية المحلية لـ "العربي الجديد".
لا إحصاء
في ظل غياب الدولة الليبية لا يوجد حصر ليبي دقيق للنازحين جراء المعارك منذ الثورة حتى الآن، ويصعّب من الأمر أن معظم النازحين يعيشون حاليا داخل المدارس والمباني العامة ومع الأسر التي تستضيفهم وعادة ما تكون من أقربائهم، لكن آخر تقرير للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين -صدر قبل 3 أيام- قدر عدد نازحي الاشتباكات الأخيرة والمعارك المندلعة بشرق وغرب ليبيا، بنحو 287 ألف نازح في 29 مدينة ليبية، فيما قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) واللجان المحلية، أن عدد النازحين منذ اندلاع ثورة 17 فبراير عام 2011 (150 ألف نازح) العديد منهم لم يعد بعد إلى حياته الطبيعية.
التهجير المؤقت
شهدت مدينة بني وليد - إحدى آخر المدن الليبية التي سقطت بيد الثوار- عملية "تهجير مؤقت" أثناء حملة عسكرية على المدينة استهدفت تطهيرها من النظام السابق بناء على قرار للمؤتمر الوطني العام (رقم 7 بني وليد)، وفي 24أكتوبر/تشرين الأول 2012 أعلنت الحكومة الليبية انتهاء العملية العسكرية والسيطرة على المدينة والسماح للمهجرين بالعودة إلي المدينة في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهو ما وافق القانون الدولي للنزاعات المسلحة.
مدينة سرت ـ إحدى معاقل النظام السابق ـ غادرها جزء كبير من سكانها للعيش في الخارج بسبب علاقتهم مع قادة نظام القذافي، وحسب إفادة سكان المدينة لـ "العربي الجديد" يعيش في مصر 850 أسرة نظمت مظاهرات في القاهرة والأسكندرية للمطالبة بالعودة إلى بيوتهم بينما تقدر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد سكان مدينة سرت المشردين بالداخل الليبي بـ 9404 أشخاص.
النائب فتحي باشاغا يعود للتعليق على ادعاءات تهجير المؤيدين للقذافي قائلا " لا توجد جهة تجبر الليبيين علي مغادرة ليبيا، من هاجروا قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، بعضهم متورطون مع النظام السابق خافوا من عمليات انتقام، وأدعو جميع الليبيين للعودة إلي بيوتهم".
.
-----------------
اقرأ أيضا
التغريبة العربية..النزوح يخلق "مدن الأشباح" في العراق
التغريبة العربية..نازحو صنعاء ضائعون بين الميليشيات والسياسيين=