أن يتوق الإنسان إلى العيش في الطبيعة، أو قريباً منها، بات حلماً ليس سهل المنال. فأرقام الأمم المتحدة أشارت في عام 2014 إلى أن 54 في المائة من سكان العالم يعيشون في مناطق حضرية بعيدة عن الطبيعة، أي ما يبلغ تعدادهم 4 مليارات شخص.
والعيش في بيئة طبيعية، بعيداً عن التصنيع والتلوث والزحام والضجيج والتوتر الناجم عن وقع الحياة السريع، تنعكس أضراره على الصغار قبل الكبار.
فقد بينت الأبحاث والدراسات أن نشوء الأطفال وسط الطبيعة، والتعلم في مدارس محاطة بالمساحات الخضراء، يرفع مستوى الذكاء لديهم، ويجعلهم أكثر قدرة على الاستيعاب، وعلى اكتساب المهارات الاجتماعية، بالمقارنة مع تلاميذ المدارس في المدن.
التركيز والانتباه
يربط باحثون إسبان بين نشوء تلاميذ المدارس بالقرب من الطبيعة والمساحات الخضراء وقدرتهم على التذكر وبقائهم منتبهين.
فقد تابع العلماء في مركز بحوث متخصص بعلم الأوبئة البيئية في برشلونة تلاميذ مدارس تقع مدارسهم أو منازلهم ضمن مساحات خضراء أو على مقربة منها، على مدى عام كامل. واستخلصوا نتيجة دراستهم التي أجروها على 2500 تلميذ تتراوح أعمارهم بين 7 و10 سنوات في 36 مدرسة بين العامين 2012 و2013، ونشروها في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، أن من كانوا على احتكاك دائم بالطبيعة الخضراء زادت لديهم قوة الحفظ والتذكر بنسبة 5 في المائة. وتراجعت قلة التركيز والانتباه في الصف بنسبة واحد في المائة. وتطورت قدرات الحفظ لدى الأطفال الذين لديهم صعوبات في الحفظ والتذكر بنسبة 9 في المائة.
وأعاد الخبراء تلك المكاسب إلى قلة تلوث الهواء، وبالتالي عدم تعرض الأطفال لعنصر الكربون المرتبط بحركة السيارات في المدن. كما اعتبروا أن البيئة الطبيعية تولد لدى الأطفال فرصاً تعليمية فريدة من نوعها، منها الالتزام، تحمل المخاطر، الاكتشاف، الإبداع، المهارة في اتخاذ المواقف، واحترام الذات. كما أنها تحسن القدرات النفسية التي تؤثر إيجاباً على تطورهم المعرفي.
أما أخصائية علم النفس التربوي، الفرنسية كلير لوكونت، فقد أشارت إلى أن الطبيعة تطور القدرات الحسية لدى الأطفال والمفاهيم المجردة أيضاً. وتضيف أن الطبيعة بحياتها وحركتها لا تعلمنا ما هو حسي فقط، بل تكسب الأطفال المعرفة والفهم والحفظ.
مزايا التعلم في الطبيعة
كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي يجريها المتخصصون على تلاميذ المدارس في البلدان الغربية، بهدف التعرف على الشروط الأفضل لتطوير مستويات وقدرات الأطفال ومهاراتهم أثناء عملية التعلم.
فما هي فوائد التعلم في الطبيعة أو وسط مساحات خضراء، ودراسة العلوم التطبيقية والاختبارية في الهواء الطلق، وفق الباحثين؟
- يطور الإبداع ويساعد التلاميذ على حلّ العقبات.
- يعزز القدرات المعرفية لدى التلاميذ.
- يحسن الأداء الأكاديمي، فقد بين المعهد الأميركي للبحوث في عام 2005 أن الطلاب الذين درسوا في الهواء الطلق وخضعوا للعلوم التجريبية القائمة على الطبيعة، تحسنت نتائجهم في اختبارات العلوم بنسبة 27 في المائة.
- يقلل من أعراض اضطراب نقص الانتباه لمن هم في عمر الخمس سنوات وما فوق، وهذا ما أثبتته دراسة أنجزها عام 2004 الباحثان كو وتايلور.
- يزيد النشاط البدني، فالمدارس التي تكون وسط الطبيعة أو قريبة منها وتقوم بتعليم بعض أو أغلب الحصص في الطبيعة، يكون تلاميذها أكثر نشاطاً وأكثر إبداعاً.
- يحسن التغذية، فالأطفال في الطبيعة يصبحون أكثر عرضة لتناول الخضار والفواكه، وتزداد معرفتهم بالتغذية والأطعمة المغذية، ومن المرجح استمرار عاداتهم الغذائية الصحية طوال حياتهم.
- يحسن البصر، فقد ربطت أكاديمية طب العيون الأميركية، في إحدى دراساتها عام 2011، بين قضاء المزيد من الوقت في الهواء الطلق وانخفاض معدلات قصر النظر.
- يحسن العلاقات الاجتماعية، فقد تبين من خلال دراسة أجريت في عام 2005 أن الأطفال الذين يقضون أوقاتاً أطول في الطبيعة يكونون أكثر ذكاء، وأكثر قدرة على الانسجام مع الآخرين، وأكثر سعادة نتيجة للعب خارج الأبواب المغلقة وبشكل غير منظم.
- يحسن الانضباط الذاتي، فمن يتاح له إمكانية الوصول إلى المساحات الخضراء، أو تمتد أمام ناظريه مساحات خضراء، يتعزز السلام لديه، وتزيد لديه القدرة على ضبط النفس، والانضباط الذاتي والداخلي، وفقاً لدراسة أجريت في 2001.
- يقلل الإجهاد، فالمساحات الخضراء تقلل بشكل ملحوظ التوتر لدى الأطفال، خصوصاً من لديهم إمكانية اللعب في الطبيعة، (دراسة إيفنز وويلز في عام 2003).
إن كانت الحياة المدنية تحيط الصغار بمساحات إسمنتية، فإن الخطط والمشاريع التنموية في أغلب المدن العربية تلحظ تطوير البناء والعمران أكثر من انتباهها لبناء الناس وتطوير قدراتهم، التي قد يكون أحد جوانبها الحفاظ على مساحات خضراء تبقي السكان على مقربة من الطبيعة أو ما يشبهها.
اقرأ أيضاً:عشر فوائد لاختيار مخيم صيفي لعطلة الأبناء