تحوّلت المدارس والمعاهد التعليمية الخاصة في سورية شريكاً فاعلاً للمدارس الرسميّة في السنوات الأربع الماضية، بعدما كان القطاع الرسمي يستحوذ على التعليم لعشرات السنين. وقد استطاعت المعاهد التعليمية الخاصة بالمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، استقطاب جزء كبير من التلاميذ السوريين، بسبب الوضع المتردي للمدارس الرسميّة التي باتت تعاني انخفاضاً في المستوى التعليمي بسبب الازدحام والفوضى والتلوث وانتشار الأمراض.
يشير الموجّه التربوي في مديرية تربية حلب غسان، الذي تحفظ عن ذكر اسمه كاملاً، إلى أن "الحكومة السورية أبدت عجزاً وإهمالاً كبيرَين في إصلاح الأضرار وتلبية احتياجات المدارس والعملية التعليمية. ففي حلب، لم نتلقَّ الدعم الكافي لإعادة تأهيل المدارس المتبقية وفتح أخرى، على الرغم من أن أكثر من 50% من مدارس المدينة باتت خارج الخدمة. فكان الحل الوحيد في أن تتجه المديرية إلى منح تصاريح لأكبر عدد ممكن من المعاهد والمدارس الخاصة. فوصل عددها في المدينة الى الستين". ويتابع أن "أعداد التلاميذ المعتمِدين على المعاهد الخاصة في المدينة في تزايد مستمر، وتصل نسبة المتقدمين إلى الامتحانات باسم هذه المعاهد إلى 45%".
من جهته، يشير المدرّس راجح عقاد إلى أن "المستثمرين وجدوا في تراجع خدمات التعليم فرصة رابحة. فاستغلوا حاجة المعلمين إلى دخل مادي أفضل وحاجة التلاميذ إلى تعليم أفضل، وبادروا إلى فتح مدارس ومعاهد خاصة. لكنهم فرضوا في المقابل أقساطاً سنويّة عالية شكلت عبئاً ثقيلاً على كثير من الأسر السوريّة". يضيف أن "القسط السنوي لتلميذ الشهادة الثانوية يصل إلى 200 ألف ليرة سوريّة (900 دولار أميركي) على أقل تقدير، ولتلميذ الشهادة الإعدادية إلى 150 ألف ليرة (650 دولاراً)".
إلى ذلك، يقول علي الأحمد وهو أحد أولياء الأمور: "اضطررت إلى تسجيل أطفالي الثلاثة في
مدارس خاصة، بعدما لاحظت تراجع مستواهم الدراسي في المدرسة الرسميّة في خلال السنتين الماضيتين. وذلك على الرغم من أن تكاليف الدراسة فيها تزيد عن الراتب السنوي الذي أتقاضاه. لكنني لم أكن لأقدم على هذه الخطوة لولا تبرّع إخوتي في الخارج بتحمّل التكاليف". يضيف أن "هذه المعاهد تتمتّع بمستوى جيد من التعليم، وقد اجتذبت أفضل المدرسين. كذلك هي توفر الماء والكهرباء والتدفئة التي لا نجدها في المدارس العامة. لكن يبقى أنها ليست متاحة للجميع".
وتعيد المدرّسة حياة عيدو لجوء التلاميذ إلى المدارس الخاصة عوضاً عن تلك الرسميّة، إلى "شعورهم وذويهم بصعوبة التحصيل العلمي الجيد في الأخيرة، وسط الازدحام الكبير للتلاميذ في الصف الواحد. فمتوسط عدد التلاميذ في مدارس حلب مثلاً يصل إلى 60 تلميذاً وهو ثلاثة أضعاف العدد النموذجي. أما في اللاذقية، فيصل إلى ضعفَيه. ويخلق ذلك حالة من الفوضى ونقصاً في المقاعد وانخفاضاً في مستوى التركيز. كذلك تعاني معظم المدارس من نقص في أعداد الكتب". تضيف أن "المدارس الرسميّة تعاني أيضاً من انعدام خدمات النظافة وانتشار التلوث، ما يسهم في انتشار أمراض عديدة كالجرب والقمل والتهاب الكبد وغيرها".
وتشير عيدو إلى أن "وزارة التربية تتبع سياسة عمياء تجاه المصاعب التعليمية التي تواجه المدارس الرسميّة. وقد باتت جميع امتحانات المراحل الانتقالية شكليّة، وتصلنا تعليمات بوضع علامات النجاح لجميع التلاميذ مهما كانت إجاباتهم في الامتحان ومهما قلت عدد ساعات دوامهم في خلال السنة الدراسية". تضيف أن "معظم التلاميذ لا نراهم إلا في خلال الامتحانات. ومع هذا يترفعون إلى صفوف أعلى من دون أي تحسن في مستواهم العلمي".
من جهة أخرى، تبيّن أرقام مديرية الإحصاء في وزارة التربية أنّ أكثر من 20% من التلاميذ في مناطق النظام لم يلتحقوا بمدارسهم في خلال العام الدراسي الماضي. وتشير عيدو هنا إلى أن كثيرين منهم تركوا الدراسة ودخلوا سوق العمل.
وعن المصاعب التي يواجهها الجسم التعليمي، تقول المدرّسة ظلال العبد الله إن "أعدادنا باتت
أكبر من عدد الحصص الدراسيّة، ولم تجد وزارة التربية والتعليم حلاً أفضل من أن يشرف كل مدرّسَين على صف واحد. وهذه مهمّة صعبة بالنسبة إلينا، وهي كذلك تشتت أذهان التلاميذ، ما عدا الإحراج نتيجة ضعف التنسيق بين المدرّسَين".