التعديل الحكومي المصري... نيوليبرالية ورموز مبارك وطمأنة رجال الأعمال

24 مارس 2016
لم يبلغ عمر حكومة إسماعيل 6 أشهر (فرانس برس)
+ الخط -
تتسم التعديلات الوزارية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقدر لا يُستهان به من العشوائية وعدم الاستقرار، وتعاقب تسليم الحقائب لوزراء لا يربطهم إلّا الانتماء للنظام الحالي وتأييده، بحسب مراقبين. وتسبب ذلك في اضطراب العمل بمعظم الوزارات، وتلاعب دوائر النظام، وخصوصاً الدائرة المخابراتية ـ الرقابية التي يديرها مدير مكتب السيسي، عباس كامل بمقاليد المسؤولية في القطاعات الحكومية المختلفة، لضمان سيطرة أفراد هذه الدائرة المنتشرين في جميع القطاعات على مجريات العمل.

ويكشف التعديل الذي أدخله السيسي، أمس الأربعاء، في حكومة شريف إسماعيل المعيّنة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، اتجاهاً جديداً للنظام في اتباع سياسات مالية ونقدية جديدة نحو النيوليبرالية، وفقاً لمراقبين. بالإضافة إلى بدء تفعيل خطة الحكومة في إعادة التصرف في شركات قطاع الأعمال العام، ربما بالبيع وخصخصة ما تبقى منها أو طرح أسهمها في البورصة، بحسب مراقبين، في تكرار لسيناريو حقبة التسعينيات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وإثباتاً لابتعاد نظام السيسي تماماً عما كان مثقفوه والمروجون له يتشدقون به من إعادة توليد سياسات الحقبة الناصرية، عبر بسط سيطرة الدولة على الإعلام وتقييد الحريات.

وحصل ما توقّعته مصادر "العربي الجديد"، في وقت سابق، فقد أطاح السيسي بوزيرَي المالية، هاني قدري دميان، والاستثمار أشرف سالمان، واللذين كان يعتمد عليهما في وضع خطة الدولة الاقتصادية. ويأتي ذلك بعدما فشلا في تقديم مخطط متكامل لإعادة هيكلة الدعم وفرض ضرائب جديدة على المواطنين لزيادة عوائد الدولة. وفشل دميان في تمرير تعديلات قانون ضريبة القيمة المضافة. وبحسب مصادر حكومية، وجّه السيسي اتهاماً له بأن "يديه مرتعشتان"، بسبب عدم تقديم مشروع جديد للموازنة يتضمن هذه التعديلات، ويفرض زيادات ضريبية جديدة.

بينما فشل سالمان، بنظر السيسي، في استغلال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ لجمع المساعدات الاقتصادية لمصر في مارس/ آذار العام الماضي. كما فشل في تهدئة غضب المستثمرين العرب والأجانب. واختار السيسي لهاتَين الحقيبتَين المهمّتَين اثنين من ممثلي مجتمع الأعمال المصري، وممثلين لأكبر مجموعتَين اقتصاديتَين في البلاد حالياً. وزير المالية الجديد، عمرو الجارحي هو عضو مجلس إدارة مجموعتَي "هيرميس" و"القلعة" سابقاً، والمقرّب من رجلَي الأعمال أحمد وحسن هيكل، نجلَي الكاتب الصحافي الراحل، محمد حسنين هيكل. وهي المجموعة التي كان يساهم فيها سابقاً علاء وجمال مبارك، نجلَا الرئيس المخلوع.

أمّا وزيرة الاستثمار الجديدة داليا خورشيد، فهي المديرة التنفيذية لشركة "أوراسكوم" للإنشاءات، المملوكة لعائلة رجل الأعمال نجيب ساويرس. وقضت معظم مشوارها المهني في عملها مع ساويرس وأشقائه. وهذه المرة الأولى التي يعتمد فيها السيسي منذ صعوده للحكم على شخصيات اقتصادية تنتمي مباشرة لمجتمع المال والأعمال. ويرى السيسي في هذا المجتمع، أحياناً، أنه مقصّر في حق مصر، ويبحث عن مصالحه الخاصة. كما يكيل له، أحياناً أخرى، المديح عندما تتعدد تبرعات رجال الأعمال لصندوقه المسمى "تحيا مصر".

اقرأ أيضاً: التعديل الحكومي بمصر: 10 حقائب والإبقاء على الداخلية والتجارة

ويطرح هذا الوضع الجديد تساؤلات حول مستقبل علاقة السيسي برجال الأعمال. فلسفة اختيار الوزراء للحقائب الاقتصادية تغيّرت عما كانت عليه في الأعوام الثلاثة الماضية، والتي كان يتم الاعتماد فيها على الشخصيات التكنوقراطية والمنتمية للجهاز الحكومي. وترى المصادر الحكومية ذاتها لـ"العربي الجديد"، أنّ اختيار السيسي لهاتَين الحقيبتَين يعكس رغبة في تغيير عقلية إدارة الاقتصاد المصري، لتصبح أكثر تحرراً من أعباء الجهاز الإداري واعتبارات إرضاء المواطنين والموظفين. علماً أن وزير المالية تحديداً إلى جانب وزير التخطيط المستمر، أشرف العربي هما المعنيّان أساساً بتخطيط وتنفيذ مشروع القانون البديل للوظيفة المدنية بعد إلغاء قانون الخدمة المدنية السابق إصداره عام 2015.

وتعتبر هذه المصادر أنّ السيسي "يبدو أكثر استعداداً لتجربة تعليمات اقتصادية جديدة، غير التي يؤمن وكان يسير بها منذ توليه السلطة"، مؤكدة أن "هذا التعديل الوزاري فرصة ربما تكون الوحيدة ليفرض رجال الأعمال كلمتهم على السياسة الاقتصادية للدولة". وتتوقع المصادر تراجع انتقادات رجال الأعمال لأداء الوزارتَين في الفترة المقبلة. وتؤكد المصادر أن إعادة الروح لحقيبة قطاع الأعمال العام التي كانت قد استحدثت لأول مرة في عهد مبارك وتولاها رئيس الوزراء الراحل عاطف عبيد، هي "تعبير عن اتجاه الدولة لإحداث تغييرات هيكلية واسعة على هذا القطاع"، لا سيما بعدما قرر السيسي السماح للشركات والأجهزة الحكومية بإنشاء شركات مساهمة، وفي ظل تصاعد الشائعات عن التخطيط لبيع شركات القطاع العام الباقية لتوفير سيولة نقدية للدولة، على حدّ تعبير المصادر.

وأسندت هذه الحقيبة لأشرف الشرقاوي، الرئيس الأسبق لهيئة الرقابة المالية التي تشرف على البورصة، وكان رئيساً للجنة المراجعة في البنك المركزي المصري، وعضواً سابقاً بمجلس إدارة البنك ومجلس إدارة صندوق حماية المستثمر. وينتمي الشرقاوي للتيار "النيوليبرالي" في الاقتصاد المصري، وفقاً لمراقبين، وقضى معظم حياته المهنية بالتعامل العميق مع رجال الأعمال. أقيمت ضده بين عامي 2011 و2013 دعاوى قضائية في المحكمة الاقتصادية ومجلس الدولة تتهمه بتخطيط قراراته بشأن البورصة لصالح كبار المستثمرين ورجال الأعمال.

وبعيداً عن الحقائب الاقتصادية، يعكس التعديل الوزاري ظاهرة تنم عن الاختيار العشوائي والخاطئ للوزراء، باستبعاد ثلاثة وزراء جدد اختيروا في حكومة شريف إسماعيل الأولى قبل التعديل، وهم؛ سعد الجيوشي للنقل، وهشام زعزوع للسياحة، وجمال سرور للقوى العاملة. قضى هؤلاء أقل من ستة أشهر في مناصبهم الجديدة، وعُيّن بدلاً عنهم، أمس، محافظ القاهرة الأسبق، جلال السعيد للنقل، ويحيى راشد للسياحة، ومحمد سعفان للقوى العاملة.

ويُعتبر استبعاد الجيوشي وإعادة جلال السعيد الذي تولى وزارة النقل في حكومة كمال الجنزوري في عهد المجلس العسكري (من ديسمبر/ كانون الثاني 2011 إلى أغسطس/ آب 2012)، المفاجأة الأبرز في التعديل الحكومي الأخير، نظراً لعلاقة الجيوشي القوية بالسيسي ودائرته، والنشاط الكبير الذي كان يميّز أداءه والتعاطي الإيجابي معه في جميع وسائل الإعلام المصرية.

ويوضح مصدر مطلع في وزارة النقل أن السبب الرئيسي لاستبعاد الجيوشي، هو تقديم أجهزة رقابية وأمنية عدة شكاوى ضده حول مخالفات سابقة، وأخرى ارتُكبت في عهده، جراء تضارب المصالح بين موقعه في وزارة النقل، وبين كون نجله مدير واحدة من أكبر شركات المقاولات المشرفة على إنشاء ورصف الطرق في مصر. وهي شركة معروفة بأنها من أكبر مقاولي الباطن الذين تعتمد عليهم الهيئة الهندسية للجيش في مشاريعها. ويعتبر المصدر الذي يتولى منصباً رفيع المستوى في الهيئة القومية للطرق، أن اختيار السعيد لخلافة الجيوشي "يعبر عن عدم إجراء أي دراسة لسمات وقدرات قيادات الوزارة، وعدم ثقة النظام فيهم جميعاً، لأن السعيد وعلى الرغم من أنه لا ينتمي للهيئة العسكرية، ليس بعيداً عنها، وتربطه بكبار قيادات الجيش ودائرة السيسي علاقات وطيدة"، وفقاً للمصادر.

أما الإطاحة بوزير الري حسام المغازي، فتأتي كأبرز دليل على إدراك السيسي المتأخر للمأزق التي وقعت فيه مصر جراء سوء عملية التفاوض في ملف سد النهضة، خصوصاً أن التغيير يأتي في وقت يتولى فيه المغازي رئاسة اللجنة الوطنية للتفاوض حول الدراسات الاستشارية الفنية للسد. وتصف المصادر الحكومية التغييرَين الباقيين بأنهما "مجرد تغيير أسماء"، وذلك بتعيين شريف فتحي رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران وزيراً للطيران بدلاً من حسام كمال، وخالد العناني وزيراً للآثار بدلاً من ممدوح الدماطي.

اقرأ أيضاً: حسام عبدالرحيم.. وزير العدل المصري رمز محاربة استقلال القضاء

المساهمون