التعب أهون من العلاج النفسي في غزة

08 ابريل 2016
ليس سهلاً عليها اللجوء إلى العلاج (إيمان عبد الكريم)
+ الخط -

حين تخرج من العيادة، تنزل الدرج على مهل. ومن خلف بوابة المبنى، تتأكد أن أحداً لا يراها قبل أن تجتاز الشارع عائدة إلى بيتها. هي أنهت للتو جلستها مع المعالج النفسي. ياسمين محمد (22 عاماً) تدرس الاقتصاد وتعيش مع عائلتها في مخيم النصيرات للاجئين، بعدما قصف منزلهم خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وحالها حال عدد كبير من سكان المخيم الذين يعانون من صعوبات اجتماعية واقتصادية ويفتقدون الشعور بالأمان، عانت من آثار سلبية ومشاكل نفسية جمة. وهو ما جعلها غير قادرة على النوم، قبل أن تلجأ إلى الخيار الأصعب وتقصد المعالج النفسي علّه يساعدها.

تقول محمد إنه ليس سهلاً على الفتاة في قطاع غزة اللجوء إلى علاج نفسي، خصوصاً أن العادات والتقاليد في المجتمع الغزي لا ترحب بالأمر كثيراً، وقد يؤدي ذلك إلى كثرة الأقاويل بين الناس. تحاول شرح حالتها مشيرة إلى أنها عانت من مشاكل نفسية واضطرابات وحالات خوف وكآبة وقلق، إلى أن حانت اللحظة التي لم تعد قادرة فيها على التحمل.

تهتم ياسمين كثيراً بنظرة المجتمع إليها. تهتم أيضاً بعدم تأثر عائلتها البسيطة. تقول: "لا نملك غير سمعتنا الجيدة واحترامنا لأنفسنا وللناس". لذلك، لا يعلم أحد غير والدتها بزياراتها إلى المعالج النفسي. تضيف: "حين كانت مشاكلي تزداد سوءاً، كنت أعاني وأخبر أمي. وقد نصحتني بضرورة التوجه إلى معالج نفسي يكون قادراً على مساعدتي".

ولأن الدعم قد يساعد الشابة على تجاوز مشاكلها النفسية والوصول إلى حالة من الهدوء لتجاوز المصاعب المتراكمة، لم تتردد والدتها للحظة في مد يد العون لابنتها. تقول: "لم أهتم أبداً بما قد يقوله الناس عن ابنتي. لم أتردد للحظة في نصحها حول أهمية التوجه إلى معالج نفسي. بالنسبة إلي، ليس هناك أهم من راحة ابنتي واستقرارها النفسي".




من جهتها، تقول دعاء الشوا إن لجوءها إلى معالج نفسي ليس أمراً خاطئاً، كذلك فإنها لا تسمح، بأي حال من الأحوال، بأن تكون نظرة الناس عائقاً أمامها، هي التي تريد الحفاظ على صحتها. تقول إن ترددها على معالج نفسي يعد أمراً مهماً، وهو أمر يحتاجه عدد كبير من الناس، في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيشها قطاع غزة. تضيف: "عادة ما أتوجه إلى معالج نفسي متخصص، وهو صديق للعائلة، وقد استطعت تجاوز الكثير من مشاكلي النفسية".

بدأت معاناة الشوا منذ فقدت شقيقتها الوحيدة التي كانت تشاركها تفاصيل حياتها. بعد وفاتها، عانت من صدمة نفسية، وقد لاحظ والداها الأمر فسارعا إلى عرضها على معالج نفسي، كي لا يزداد وضعها سوءاً. يقول والدها: "تخشى عائلات كثيرة في غزة اللجوء إلى معالجين نفسيين، خوفاً من وصمة الجنون التي يمكن أن تلحق بهم. وقد أدى هذا الأمر إلى تدهور حالات كثيرة". ويؤكد: "خوفي على ابنتي جعلني لا أهتم إلا لصحتها".

في إطار المشاكل الكثيرة التي عانى منها قطاع غزة خلال السنوات العشر الأخيرة، تحديداً منذ الانقسام الفلسطيني وما تلاه من حروب وويلات وظروف الحصار الصعبة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وإغلاق المعابر، بات عدد كبير من أهالي القطاع يعانون من مشاكل نفسية. وتصف عبير بخيت (36 عاماً) قطاع غزة بأنه أشبه بـ"مصحة نفسية كبيرة"، الأمر الذي يتطلب وجود أكبر عدد ممكن من المعالجين النفسيين.

بخيت التي تداوم على زيارة المعالج النفسي مذ استشهد زوجها وتوفيت والدتها، لا تخجل من الأمر. تقول إنها لا تعاني بالضرورة من أي مرض نفسي مزمن، وتحتاج فقط إلى المتابعة. تضيف: "جميعنا مرضى نفسيون، وإن كان هناك اختلاف بين شخص وآخر. حتى لا نفقد عقولنا تماماً ونصل إلى مرحلة اللاعودة، من الضروري زيارة معالج نفسي بين الحين والآخر، ويجب ألا يقتصر الأمر على فترة المرض".

في السياق، تقول المعالجة النفسية، فلسطين ياسين، إنه من خلال برامج الدعم والتأهيل النفسي المتوفرة في مؤسسات قطاع غزة، وأبرزها مركز برنامج غزة للصحة النفسية، "لاحظنا أن ثمة ارتفاعاً كبيراً في معدلات الاضطرابات النفسية، خصوصاً لدى أولئك الذين فقدوا أبناءهم أو أحد أفراد عائلاتهم أو تعرضوا لمشاهد قاسية وصادمة خلال الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة". وتشدد ياسين على ضرورة تعزيز ثقافة العلاج النفسي لدى المواطنين، خصوصاً أن ثمة حاجة كبيرة إلى تنشئة الجيل الجديد في بيئة صحية وسليمة، وإلى عدم النظر إلى الذين يقصدون المعالجين النفسيين على أنهم مجانين.