التضامن الأردني مع فلسطين.. من الأغوار إلى الـ"سوشيال ميديا"

11 ديسمبر 2014
تراجع التضامن مع فلسطين بتراجع الحراك الشعبي الأردني(Getty)
+ الخط -

طالما وصفت العلاقة الأردنية- الفلسطينية بعلاقة التوأمة، والتي بادر إلى صنعها الأردنيون أنفسهم، متجاهلين ذلك العلم باللونين الأزرق والأبيض الذي يرفرف فوق سفارة المحتل في عقر عاصمتهم عمّان، رغما عن الإرادة الشعبية.

وطالما حضر العلمان الأردني والفلسطيني في ساحات النضال والتضامن الأردني في شوارع المملكة الأردنية مع القضية الفلسطينية، التي تعد القضية المركزية بالنسبة للأردنيين، والقضية الرئيسية التي يتكئ عليها الجانب الأردني الرسمي في مختلف خطاباته؛ سعيا لشراء رضى وثقة شعبه.

أكثر من عشرين عاما صدحت فيها الهتافات المتضامنة مع القضية الفلسطينية من حناجر قوى حزبية متنوعة الاتجاهات في شوارع الأردن، وبالأخص العاصمة عمّان، تلك الهتافات التي بدأت اليوم تخفّ شيئا فشيئا، منتقلة من شوارع وسط البلد في عمّان وشوارع المحافظات، طارقة جدران العالم الافتراضي، لعلها تجد فيها مساحة الحرية في التعبير عن تضامن مشروع، ولعلها أيضا تشكل جدرانا تحميهم من الوقوع في يد القبضة الأمنية.

"لا سفارة ولا سفير اطلع برا يا حقير"، "لا سفارة صهيونية على أرض أردنية"، "فلسطين عربية من المية للمية"، "من عمّان تحية للقدس الأبية بدنا نحمل بندقية وندبك على الصهيونية"، وغيرها من الهتافات التي اعتاد الأردنيون على ترديدها، خصوصا أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان. وبالرغم من أنها هتافات تشكل حقا للأردنيين في التعبير عن آرائهم، وفق ما كفله لهم دستورهم، إلا أنها، وخصوصا عندما تصدح أمام السفارة الإسرائيلية، باتت تشكل خطورة على حرية الناشطين من حراكيين وحزبيين.

"السفارة خط أحمر".. واحدة من العبارات التي تنشر باستمرار على موقع "فيسبوك" بتهكم، بعد الاعتصامات التي تنظم أمام السفارة الإسرائيلية، والتي يتخللها قمع من الأجهزة الأمنية متعدد الأشكال، الأمر الذي جعل الناشطين السياسيين يحدّون من نشاطهم التضامني مع فلسطين على الأرض، وينتقلون إلى جدران العالم الافتراضي، لا سيّما الـ"فيسبوك" و"تويتر".

أسباب متعددة إلى جانب القبضة الأمنية، يعزوها حزبيون ونقابيون وناشطون لتحول التضامن مع القضية الفلسطينية في الأردن من الواقع إلى الافتراض، منها تراجع الحراك الشعبي الأردني نفسه، بالإضافة إلى تقاعس قوة الأحزاب الأردنية على الأرض، فضلا عن "مساحة الاستعراض الوطني" التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي.

فما يجري من تضييق على الحريات العامة والشخصية يمسّ مفهوم المواطنة في صلبه، كما حرية الرأي والتعبير ومجمل حقوق المواطن السياسية والمدنية.

ومع تراجع الحراك الأردني، وعلاقة هذا التراجع بكافة مكاسب الحراك، وعلى رأسها حرية التعبير، انكفأ الناشطون السياسيون والحركة الوطنية ليجدوا في شبكات التواصل الاجتماعي ضالتهم، والوسيلة الأسهل للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية. لكن حتى الشعارات الفيسبوكية بدأت تخفّ مؤخرا، كون الردة الحكومية عن الإصلاح شملت أيضا شبكات التواصل الاجتماعي وعودة الرقابة عليها.

أسباب أخرى يمكن سوقها في إطار فهم حالة التراجع، منها أن المشاركة الفعلية في النضال الفلسطيني انتقلت لتكون مجرد حالة تضامن. ويمكن النظر إلى مجريات الحال في الحرب الأخيرة على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فالجهد التفاعلي من قبل الناشطين الأردنيين تركز على مواقع التواصل الاجتماعي، من جهة، ومن جهة أخرى على حملات جمع التبرعات للغزيين وزيارة جرحاهم في الأردن، مع تفادٍ واضح للنزول إلى الشارع.

وبات الناشطون في الأردن يتجنبون المواجهة مع السلطة، ويبحثون عن أشكال أكثر سهولة للتضامن، مثل التعبير في العالم الافتراضي. وما كل هذا إلا نتيجة تراكمات إشكالية العلاقة مع السلطة ومع حرية التعبير.

أما "لو فلسطين مش محتلة، كان أنا هلاّ قاعد قدام بحر عكا". فهي عبارة وإن كانت بسيطة، أو بالأصح بريئة، إلا أنها تعكس الكثير عن حلم العودة إلى فلسطين وتحررها، حلم لا يتجاوز التفاصيل الصغيرة. هذه العبارة وغيرها من بين مجموعة كبيرة من العبارات تجدها في صفحة #لو_فلسطين_مش_محتلة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حيث تعطي المجال لمن يتابعها التعرف على أحلام الفلسطينيين في الشتات، وما هي الصور التي يرسمها خيالهم في حال لم تكن فلسطين محتلة؟ صورة حافلة ركابٍ، ونداءات سائقي الحافلات، هي التي اتخذها خيال أحد المشاركين في الصفحة الذي ارتأى أنه لو فلسطين مش محتلة: "كان بتلاقي السواقين على موقف وسط البلد بنادوا آخر راكب ع يافا، آخر راكب ع عكا، ع الناصرة يخوي، رام الله يا حجة؟". فيما لو أن "فلسطين مش محتلة: بحسب مشارك آخر "لأفطرت في الرملة وشربت شاي في يافا وتحليت في نابلس واشتغلت في الخليل وصليت في القدس وسهرت في بيت لحم ونمت بأريحا" صورة مختزلة من وحيّ خيال هذا المشارك، لكنها استطاعت أن تطل على أبرز المدن الفلسطينية التي يحلم صاحبها بزيارتها.

ويبدو أن احتلال فلسطين يشكل الوجع الأكبر بالنسبة لإحدى مشتركات الصفحة التي اختصرت عبارتها بـ"لو فلسطين مش محتلة كان ما في شي بوجعني". مشاركات الصفحة التي استطاعت أن تجمع شتات فلسطينيين من أكثر من بلد، نجحت بعبارات مشتركيها التي تحمل اللهجة الفلسطينية العامية أن تكون منبراً لأحلامهم البسيطة في العودة، بحيث وحدت شتات المشاركين داخل صفحة افتراضية بلهجتهم المشتركة. "لو فلسطين مش محتلة ما رح أكون لاجئة" عبارة كتبتها إحدى المشاركات والتي يبدو أن صفة لاجئة الملتصقة بها قد غرست شيئاً عميقاً في وجدانها.

"لو فلســطين مش محتلة كان ماحد عرف معنى الرجولة والشرف والتضحية" بحسب أحدهم، فيما وصل ترجيح لو فلسطين مش محتلة بحسب رأي آخر "كان ما لقيت ولا عميل". ووصل سقف خيال أحدهم إلى أن فلسطين لو مش محتلة: "كان فلسطين أقوى منتخب عربي ومنتخب بنافس على كأس العالم" فيما رجح آخر "كان فلسطين بتصدر الفواكه والخضروات لكل الوطن العربي". عبارة وحدة اختصرت تلك المشاهد وأحلام مشاركي الصفحة والصورة كما رسمتها خيالاتهم تلك التي كتبها أحد المشاركين: "لو فلسطين مش محتلة كان هاي الصفحة مش موجودة".

المساهمون