التصويت العقابي يهدد التشريعيات: نحو برلمان تونسي مشتت؟

29 سبتمبر 2019
يبحث الناخبون التونسيون عن مرشحين مستقلين (ناصر طالل/Getty)
+ الخط -
بدأت صورة وملامح البرلمان المقبل في تونس تتشكّل تدريجياً مع انطلاق الحملات للانتخابات التشريعية المقررة في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ يُجمع سياسيون ومختصون على أن التركيبة الجديدة ستكون عبارةً عن فسيفساء من الأحزاب، وسيكون البرلمان الجديد مختلفاً تماماً عما عرفته تونس في العامين 2011 و2014. وبحسب رأيهم، فإن سيطرة الأحزاب الكبيرة والكتل ذات الـ80 و60 نائباً ستكون غائبة، على أن تكون الحصة الأوفر مخصصة للأحزاب الصغيرة وللمستقلين، ما يؤسس لمشهد سياسي جديد في البلاد قد يؤثر على الحياة السياسية بأكملها فيه، خصوصاً لما يتمتع به مجلس النواب التونسي من صلاحيات كبيرة.

وعرفت تونس في انتخابات 2014 صعوداً واضحاً لحزبين كبيرين، هما "نداء تونس" الذي كان الحزب الأول بـ85 مقعداً نيابياً، تلته حركة "النهضة" بـ69 مقعداً، واللذين شكّل التحالف بينهما السمة البارزة للمشهد السياسي العام، والبرلماني بشكل خاص. كذلك برزت أحزاب متوسطة كـ"الاتحاد الوطني الحر" بـ16 مقعداً، و"الجبهة الشعبية" بـ15 مقعداً، والتي انضمت إلى المعارضة. مع ذلك، سعت قوى أخرى، مثل "آفاق تونس" بـ8 مقاعد، و"المؤتمر من أجل الجمهورية" بـ4 مقاعد، و"المبادرة" و"التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" بثلاثة مقاعد، إلى فرض نوعٍ من التوازن داخل البرلمان، وتعديل بعض المقترحات والرؤى. لكن هذا المشهد مرشح للاضمحلال، بحسب العديد من السياسيين، مع أرجحية تبدل هذه التركيبة، وصعود أحزاب جديدة واختفاء أخرى.


هذا الرأي يوافق عليه القيادي في الحزب "الجمهوري"، عصام الشابي، الذي اعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الانتخابات التشريعية المقبلة تتميز بالخصوصية، وستكون مختلفة عن التشريعيات الماضية، والتي جرت تحت عنوان الهوية والأحزاب الكبيرة. ورأى أنه "بعد الأداء الهزيل في الحكم، وتلاشي الحزب الأول، أي نداء تونس، والذي انتهى إلى خمسة أحزاب وكتل صغيرة، وتراجع دور حركة النهضة الذي عرف محدودية في مدى تأثيره على الناخبين، ما تُرجم في الانتخابات الرئاسية، ولم يعد ذلك الحزب الكبير الذي يضمن كتلة في حدود 69 نائباً، فإن المشهد سيتغير باتجاه اضمحلال الأحزاب الكبيرة وبروز أخرى صغيرة".

وبحسب الشابي، فإن "تداعيات التصويت العقابي الذي حصل في الانتخابات الرئاسية ستتواصل على الوتيرة ذاتها، وستعطي فرصة لبروز أحزاب وكتل صغيرة وأخرى متوسطة، ما يجعل البرلمان التونسي من دون أغلبية، بل سيكون المشهد شبيهاً بالأرخبيل، أي مجموعة كتل متوسطة الحجم يصعب معها تشكيل حكومة وضمان الاستقرار المطلوب، إلا إذا تضافرت بعض جهود النواب".

وحمّل القيادي في الحزب "الجمهوري"، الأحزاب السياسية في تونس، المسؤولية في هذا التشتت، لأن الأحزاب الحاكمة عوقبت، فيما فشلت المعارضة في استقطاب الناخبين، وهي تعاني بدورها من ضعفٍ كبيرٍ، ما دفع الناخبين إلى البحث عن قوى جديدة وعن مستقلين، جرّاء فشل منظومة الحكم من جهة، وبسبب مسؤولية الأحزاب من جهة أخرى". ورأى الشابي أيضاً أن "المناخ العام وانتشار الفساد السياسي والبحث عن المصالح والصفقات في البرلمان السابق، أدت إلى عزوف الناخب الذي أصبح يجد صعوبة كبيرة في الاختيار"، مبيناً أن "الاستقرار والخروج من هذا المأزق لا يكونان إلا بالتقاء الأحزاب وابتعادها عن الصراعات العقيمة والبحث عن قواسم مشتركة، يتم على أساسها العمل المشترك، ما يتطلب وعياً نيابياً كبيراً".

من جهته، رأى الأمين العام لـ"التيار الشعبي" زهير حمدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ المشهد لم يتشكل بعد، معرباً عن أمله في ألا ينعكس ما حصل في الرئاسية على التشريعية. وتحدث حمدي عن "وجود ماكينات نشطت لشيطنة الأحزاب جميعها، حكومة ومعارضة، فيما تقع المسؤولية على عاتق الأحزاب الحاكمة وليس المعارضة"، لافتاً إلى أن "أحزاباً ساهمت في الدفع إلى الأمام، وفي الدفاع عن مصالح التونسيين، ويجب أن تجد مكانها في البرلمان ببعض المقاعد وبهدف تعديل المشهد". وأضاف الأمين العام لـ"التيار الشعبي" أنه "مما لا شك فيه أن القوائم المستقلة ستفوز أيضاً بمقاعد، لكن المشهد في البرلمان المقبل سيكون بلا أغلبية حزبية مريحة، بل مشكلاً من أحزاب عديدة، ومن بعض القوى، والتي سترى إن كانت ستكون شريكة في الحكم أو ضمن المعارضة".

وأخيراً، لفت المحلل السياسي حمزة المدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ عدد القوائم المرشحة، سواء الحزبية أو المستقلة أو الائتلافية، مرتفع جداً، واصفاً عدد الترشيحات بـ"المهول، وقد تجاوز أي انتخابات سابقة، وبالتالي فالعرض السياسي متنوع لكن مشتت"، متوقعاً أن يقود تراجع الأحزاب في الانتخابات الرئاسية إلى تراجعها في التشريعية أيضاً.

وأكد المدب أنه "مثلما تم التوقع في 2018 وتحديداً في الانتخابات البلدية، بصعود قوي للمستقلين وللقوائم الائتلافية، وكان حينها مؤشراً على تراجع الأحزاب، فإن هذا الأمر سيتواصل، ما قد يؤدي إلى برلمان مشتت متنوع". ولفت إلى أن الاحزاب التي كانت تملك كتلاً برلمانية سابقاً، ستكون محرومة منها في 2019، مثل "الجبهة الشعبية" و"التيار الديمقراطي"، ما سيؤدي إلى تشظي المشهد السياسي، مشيراً إلى أن صعود ائتلافات وقوائم جديدة قد يُحدث سابقة ومفاجآت غير منتظرة، مع أرجحية أن يكون التنوع سمة البرلمان المقبل مع تراجع كبير للقوائم الحزبية.

وفي ما خصّ حركة "النهضة"، توقع المحلل السياسي التونسي ألا يكون لها كتلة انتخابية بـ69 نائباً، إذ أن أغلب الاستطلاعات تمنحها ما بين 35 و50 نائباً. أما حزب "تحيا تونس"، فقد يكون له برأيه 10 نواب، فيما قد يتمكن "البديل التونسي" الذي ترافقه هالة إعلامية كبيرة من الظفر ببعض المقاعد، متوقعاً في هذا الإطار أيضاً تراجع "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" أو تعزز دورهما، بينما ستكون "الجبهة الشعبية" مشتتة، مع إمكانية اختفائها من المشهد السياسي الجديد.