الترتيبات الأمنية في طرابلس... صراع مؤيدي حفتر ومعارضيه

25 أكتوبر 2018
عملية إحلال للمليشيات في القوى النظامية (فرانس برس)
+ الخط -

بعد أن أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، الثلاثاء الماضي، عن اعتماد خطة الترتيبات الأمنية، بعد ثلاثة أسابيع من تقديمها من قبل اللجنة المكلفة بإعدادها، وهي خطة "تهدف إلى إرساء الأمن بقوة شرطة وأمن نظاميين، مع اتخاذ كافة التدابير الأمنية والعسكرية والمدنية اللازمة"؛ رحّبت البعثة الأممية بذلك، خلال لقاء رئيسها غسان سلامة، ونائبته ستيفاني ويليامز، مع السراج، مساء أمس الأربعاء، وهو اللقاء الذي انعقد لمناقشة خطوات تنفيذ الترتيبات الأمنية التي بدأت بالعاصمة وستشمل مدناً ليبية أخرى، بحسب مكتب السراج الإعلامي.

وبرز الحديث عن الترتيبات الأمنية، وهي من ضمن بنود الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات المغربية نهاية 2015، بعد أن شهدت طرابلس، خلال سبتمبر/أيلول الماضي، حربًا ضروسًا بين مليشيات متعددة انتهت بتمكّن الأمم المتحدة من فرض وقف إطلاق النار بينها، وإرغامها على القبول بالترتيبات الأمنية التي كلف السراج لإعداد خطتها لجنة مؤلفة من ضباط ورجال أمن في سبتمبر/أيلول الماضي، وانتهت منها مطلع الشهر الجاري.


وخلال هذه المدة، يبدو أن العاصمة طرابلس شهدت تغيرات كبيرة في مشهد الانتشار المسلح على الأرض؛ فقد اختفت مسميات الكثير من المليشيات، ككتيبة ثوار طرابلس، وقوة الردع، وقوة الأمن المركزي، وقوة النواصي، التي حلت محلها، خلال أسابيع القتال في سبتمبر/أيلول الماضي، مليشيا عُرفت باسم "قوة حماية طرابلس"، لتختفي هي الأخرى مع مطلع الشهر الجاري.

وتعود المليشيات السابقة تدريجيًا، وسط ظهور مفاجئ لقادتها ضمن خطط السراج الأمنية محمّلين رتبًا عسكرية بعدما كانوا مدنيين، من بينهم عبد الرؤوف كاره، قائد قوة الردع الذي ظهر في أحد اجتماعات السراج ووزراء الحكومة وهو يحمل رتبة رائد، ومحمد البكباك أحد قادة كتيبة ثوار طرابلس الذي ظهر وسط طرقات طرابلس يشرف على دوريات للشرطة وهو يحمل الرتبة ذاتها أيضًا.

وأعلنت أبرز المليشيات قبولها بالخطة الأمنية، من بينها قوة النواصي التي سلمت عددًا من مقراتها، آخرها مقر الكلية العسكرية للبنات. كما أعلنت قوة الردع، التابعة لقيادة كاره، استعدادها لتسليم مؤسسات داخل قاعدة امعتيقة من بينها السجن المركزي. ومؤخرًا أعلنت، أول من أمس الثلاثاء، كتيبة ثوار طرابلس عن ترحيبها بالخطة الأمنية وانخراطها فيها.



لكن مصدرًا أمنيًا رفيعًا في طرابلس كشف عن صفقات تجري في كواليس الأحداث، وسعي حثيث من قبل دول عربية وأجنبية داعمة للواء المتقاعد خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة، أو على الأقل كسب تمثيل عسكري لها فيها، مقابل مقاومة ودفع من قبل حكومة الوفاق التي سعت منذ البدابة إلى إفشال تلك الخطط.


وقال المصدر، لـ"العربي الجديد"، إن هناك "اتصالات كانت تجريها دولة الإمارات بالقيادي البارز هيثم التاجوري، قائد كتيبة ثوار طرابلس، وصاحب أكثر المليشيات انتشارًا وكثافة في العاصمة"، موضحًا أن الخطط التي كانت تسعى إلى تنفيذها الإمارات تقوم على دعم التيار السلفي المدخلي في طرابلس ومدن في غرب ليبيا كذراع مسلحة لحفتر.

وذكر المصدر أن حرب طرابلس، خلال سبتمبر/أيلول الماضي، لم تكن سوى محاولة لكسر نفوذ وقوة مليشيات ثوار طرابلس وقوى سلفية أخرى، مثل قوة الردع الخاصة، عبر الزج بها في حرب مع طرف مسلح غامض قدم من ترهونة لم تُعرف له قيادة ولا ولاء حتى الآن، لكن دولًا اجنبية موالية للسراج هي من دفعت بهذا الطرف الغامض في أتون تلك الحرب، مشيرًا إلى أن تلك الحرب أرغمت داعمي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على إعادة حساباتهم.

وعن سيطرة التيار السلفي من خلال قوة حماية طرابلس، التي أرغمت قوة اللواء السابع القادمة من ترهونة على الخروج من طرابلس وعرقلت حسم الموقف لصالح السراج، قال: "الأمر ليس كما يبدو، فلم تكن قوة حماية طرابلس سلفية خالصة، كما أن السراج لم يشهر عداءه للسلفيين، مثل قوة الردع الخاصة التي لا تزال تؤمن وقادة سلفيون آخرون بإمكانية توافق السراج وحفتر، لا سيما وأنها ترى في السراج المدعوم دوليًا وسيلة لإبعاد التيارات الإسلامية الأخرى التي تعتبرها مخالفة لها في العقيدة، كجماعة الإخوان المسلمين التي تشغل شخصيات منها مواقع مهمة وبارزة في الدولة"، لافتًا إلى أن السراج دومًا ما كان يمسك العصا من منتصفها، محافظًا على علاقة مع حفتر وداعميه الموجودين فعليًا في طرابلس، لكنه في الوقت ذاته نجح عديد المرات في تفتيت أي جهود من شأنها تقوية شوكة السلفيين في العاصمة.

وقال: "الآن عاد هيثم التاجوري بعد شهر من اختفائه، فبعد أن كان يؤدي مناسك العمرة، اندلعت الحرب في طرابلس واختفى عن المشهد كليًا، وقيل وقتها إنه فر، لكنه في الحقيقة كان في استضافة قيادات الإمارات، في خضمّ إعادة مؤيدي حفتر لحساباتهم، وما يجري الآن هو خطط جديدة من شأنها تكوين تحالف يبدو أنه أصبح ظاهرًا في طرابلس بين هيثم التاجوري وقوة الردع الخاصة التي تعتبر من أقوى الكتائب السلفية"، مشيرًا إلى أن "داعمي حفتر مصممون على دخوله للعاصمة بأي وسيلة؛ فهناك مسار تفاوضي مع ضباط الجيش في القاهرة وتقارب مع مليشيات التيار المدخلي في طرابلس كمسار آخر".


لكنه أكد أن "خطة الترتيبات الأمنية التي تنفذها حاليًا الحكومة برعاية أممية في حقيقتها هي بعثرة لجهود حفتر وحلفائه، إذ استجلبت الحكومة من أجل ذلك أبرز قادة فجر ليبيا السابقين، وعضو مجلس النواب المقاطع لجلساته فتحي باشاغا كوزير لوزارة الداخلية المعنية بتنفيذ الخطة الأمنية".

ولفت المصدر إلى زيارة غسان سلامة لمصراته، أول من أمس الثلاثاء، ولقائه المعلن بقيادات عسكرية من المدينة، بل وإعلانه أن "الأمم المتحدة تجري جهودًا لتكوين قوة مشتركة من كل المدن لتنفيذ الترتيبات الأمنية"، مؤكدًا أنها خطوة في اتجاه قطع الطريق أمام خطط داعمي حفتر في طرابلس.

وفي أول ظهور رسمي له بعد عودته إلى طرابلس نهاية الأسبوع الماضي، رحّب التاجوري بالترتيبات الأمنية، مؤكدًا أن فصائله التابعة له بدأت في تسليم عدد من مقراتها، وأن "كل الخطوات والإجراءات تصب في الصالح العام، وتؤسس للعمل الأمني الذي يقوم على الضبط والربط والتقيد بالقانون ولوائح الشرطة".


وكشف، خلال حديث مع تلفزيون محلي، ليل الثلاثاء، أن "قواته سيطرت على عدة مقرات حكومية بعد أن أخلتها من الخارجين عن القانون والعابثين بالأمن"، وذكر من بينها "مقر الأمن المركزي بزاوية الدهماني، ومقر النجدة بمعسكر العقائدي، وشارع المدار، وفندق المهاري، وفندق الودان، ووزارة الخارجية، ووزارة التخطيط، ووزارة المواصلات، ومقر البريد المركزي بشارع الزاوية، وغيرها من المواقع"، مؤكدًا أن "كل من سيعرقل العمل الأمني الحالي ويعبث بالاستقرار في العاصمة لن يكون له مكان في أي مجال". وربما يشير التهديد الأخير إلى أن المليشيات لها علاقة بعملية الاغتيالات الغامضة التي تشهدها طرابلس منذ فترة، إذ طاولت قيادات مليشياوية بارزة، من بينها علي بوشهيوة، صباح الثلاثاء الماضي، وخيري الحنكورة ومحمد البكاك، الأسبوع قبل الماضي، داخل فندق المهاري أثناء انعقاد جلسة للمجلس الأعلى للدولة في الفندق.

ويرى المصدر أن تصريحات التاجوري تؤكد عودة سيطرته وتنفّذه مجددًا تحت غطاء تنفيذ الترتيبات، وهي الخطة التي لا يمكن معارضتها أو تجاوزها، وبالتالي يتوجب عليه الانخراط فيها للحد من فاعليتها، مؤكدًا أن التاجوري وكاره، قائد قوة الردع الخاصة، يحاولان إعادة سيطرتهما وتنفّذهما من خلال الخطة الأمنية.

وقال: "لا توجد قوات نظامية، لا في الجيش ولا في الشرطة، وما يحدث هو إحلال المليشيات كقوى نظامية؛ فخطط السراج تذهب باتجاه توزيع المليشيات فرادى في قوات جديدة، بينما تصارع هذه المليشيات من أجل البقاء قوية"، مشيرًا إلى أن السراج يعوّل بشكل كبير على جهاز الحرس الرئاسي لاستيعاب المليشيات فرادى، وإعادة إحيائه من خلال إعفاء رئيسه السابق، اللواء نجمي الناكوع، أمس الأربعاء، وتعيين اللواء ضياء العمروني بديلًا عنه، وهو شخصية عسكرية من معارضي حراك حفتر العسكري.​