التراث المصري: إهانة للتماثيل في زمن النحت

13 اغسطس 2018
تمثال الخديوي اسماعيل (فيسبوك)
+ الخط -
لم تبلغ حضارة إنسانية على وجه الأرض ما بلغته الحضارة المصرية القديمة من قوة في مجال الفنون، كما لا يوجد إنتاج فني بشري، وخصوصاً في النحت، يضاهي جمال وروعة ما خلّفه الفراعنة من تماثيل وتحف فنية بديعة. ويعد تمثال الملك خفرع المصنوع من حجر "الديوريت" ويصور الملك بالحجم الطبيعي جالساً باسطاً ذراعيه على فخذيه بعظمة ووقار ويده اليمنى قابضة على زمام الحكم واليسرى مبسوطة على الركبة، أعظم عمل فني في التاريخ، إذ يقول صاحب "قصة الحضارة" ويل ديورانت في وصفه هذا التمثال "إن الهيبة التي تنطق بها قَسَمات خفرع تجعل الرائي يحس أنه ملك. وإن لم يحمل التاج على رأسه. ولعل هذا التمثال أروع أعمال النحت في العالم كله". كما يقول عالم المصريات الفرنسي المشهور جاستون ماسبيرو، "لو أن معرضا أنشئ لروائع الفن في العالم كله لاخترت هذا التمثال رمزا لعظمة الفن المصري".
ويرجع تفوق المصريين في الفنون بشكل عام والنحت بشكل خاص، إلى اهتمام الحضارة المصرية القديمة بالفنون الذي وصل إلى درجة التقديس. ويقول الدكتور ثروت عكاشة في تقديمه لكتاب (فن النحت في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين) للباحث صبحي الشاروني "كان الفنانون في مصر القديمة يسيطرون على المعابد ويتمتعون بنفوذ ديني واسع، إذ كان الفنان الكاهن ينال درجة من التقديس لمواهبه الفنية تفوق ما يحظى به الكهنة غير الفنانين من احترام وتبجيل.. أما العمال الذين يستعين بهم الكاهن الفنان في تنفيذ بناء المعابد وزخرفتها بالنقوش البارزة، وكذلك نحْت التماثيل ثم المسلات، فكانوا يخضعون لسيطرة الدين وينفذون توجيهات الفنانين الكهنة".

طلاء أثار السخرية

على الرغم من ذلك التاريخ الفريد في فن النحت والذاخر بالمئات من الأعمال الفنية الخالدة، إلا أن الوضع الذي وصل إليه فن النحت في بلاد النيل لا يسُرّ أحدًا، إذ لم تكن واقعة تلوين تمثال والي مصر السابق الخديوي إسماعيل في مدينة الإسماعيلية بطريقة غريبة أثارت السخرية هي الأولى من نوعها، فعادة ما تُطلّ مثل هذه الأخبار والصور بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي لتشكّل مادة دسمة للسخرية. ومؤخراً تداول نشطاء صورة لتمثال الخديو إسماعيل الذي يقع عند تقاطع شارعي الثلاثيني ومحمد علي في محافظة الإسماعيلية، والمصنوع من حجر الجرانيت المطلي بالألوان، ويصل طوله إلى نحو 7 أمتار بارتفاع مترين عن سطح الأرض، بعد أن تم دهنه باللونين الأسود والفضي بطريقة أثارت السخرية واعتبرتها وزيرة الثقافة “تشويهاً” للتمثال. وعلى إثر ذلك قررت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، الاثنين 6 أغسطس/آب، تشكيل لجنة مكونة من خبراء قطاع الفنون التشكيلية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري بوزارة الثقافة لمعاينة التمثال.
وناشدت الوزيرة، من خلال بيان، جميع الجهات الالتزام بقرار رئيس مجلس الوزراء الذي يخص وزارة الثقافة في أعمال ترميم أو تجميل الميادين. وقالت إن الوزارة تقف بالمرصاد لكل محاولات تشويه الذوق العام، وتعمل على بحث آليات عودة التمثال إلى أصله بالتعاون بين قطاع الفنون التشكيلية والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، المعنيين بتطوير الحدائق والميادين من الناحية الجمالية والحضارية بالتعاون مع المحافظات.




استخدام غير صحيح


من جانبه، تحفّظ محافظ الإسماعيلية، اللواء ياسين طاهر، على استخدام لفظ "تشويه" في وصف عملية دهان تمثال الخديو إسماعيل التي سماها "رفع كفاءة التمثال". وأشار إلى أن التمثال ليس أثرياً لكنه تمثال حديث تم إنشاؤه في عام 2006، وقال طاهر في تصريحات تليفزيونية صباح الاثنين الماضي إن “تمثال الخديو إسماعيل موجود في أحد الميادين التي تشهد إجراء أعمال صيانة دورية ورفع كفاءة لها بشكل دوري عن طريق لجنة التطوير الحضاري بالمحافظة. مضيفاً أن "هذا التمثال له مواد خاصة للطلاء، موجودة لدينا منذ إقامته عام 2006، ونستخدمها سنوياً في عملية الصيانة، لكن القائمين على التطوير هذا العام استخدموا تلك المواد بشكل غير صحيح". وبناء على ذلك قرر المحافظ إعادة طلاء التمثال بشكل صحيح وفتْح تحقيق مع القائمين على أعمال الصيانة لمعرفة أسباب ما حدث.

قرار وزاري

رئيس جهاز التنسيق الحضاري، محمد أبو سعدة، أكد أن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري سيقوم بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية، هما الجهتان المعنيتان بتطوير الحدائق والميادين من الناحية الجمالية والحضارية، بالتعاون مع المحافظات، طبقاً للقرار الصادر من رئيس الوزراء السابق بمنع طلاء أو ترميم أي تمثال يقع في الميادين العامة دون الرجوع إلى وزارة الثقافة المتمثلة في جهاز التنسيق الحضاري وقطاع الفنون التشكيلية، وأضاف أن من يخالف ذلك يتعرض للمساءلة القانونية. وقال أبو سعدة، إنه تواصل مع رئيس قطاع الفنون التشكيلية خالد سرور من أجل إرسال لجنة مشتركة لمعاينة تمثال الخديوي إسماعيل، موضحاً أن مهمة اللجنة تتمثل في التأكد من صحة ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي حول تشويه التمثال بالشكل الذي ظهر من خلال الصور المتداولة، وتقديم تقرير مفصل للتأكد من حدوث تشويه، وتحديد نوع المادة التي تم طلاء التمثال بها، وكيفية إزالة هذه المادة لإرجاع التمثال مثلما كان.


دلالات
المساهمون