لا يقتصر الدور الذي تلعبه روسيا في سورية اليوم على الدور العسكري والسياسي، فمنذ أن أعلنت الحكومة الروسية دعمها للأسد، بدأت الثقافة الروسية تغزو البلاد، ويبدو ذلك واضحاً من خلال إقحام اللغة الروسية في المناهج المدرسية السورية بالتزامن مع التدخل العسكري، بالإضافة للمشاركة الروسية في عدد كبير من الأنشطة الثقافية، وتأثيرها الواضح على الحركة الفنية.
يجب التأكيد في البداية على أن التأثير الروسي على الفن السوري، يسبق زمنياً التدخل العسكري الروسي على الأراضي السورية. ويبدو ذلك الأثر واضحاً في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، والذي يعتبر الأكاديمية الفنية الوحيدة التي تعلم الفنون الدرامية في سورية، والتي تخرِّج الكوادر الفنية للدراما التلفزيونية والمسرحية؛ فمنذ أن بدأ المعهد المسرحي في عام 1977، كان منهج الروسي ستانسلافسكي يشكل الركيزة الأساسية لمنهج التدريس فيه، كما أُقيم في المعهد عدد كبير من العروض المسرحية المستمدة من المسرحيات الروسية، ونكاد نجزم بأنه لم تمر على المعهد دفعة درست التمثيل، إلا وقامت بقراءة قصص تشيخوف القصيرة في مادة "الإلقاء المسرحي" التي كان يدرسها الخبير الروسي الجنسية، فيودور.
اقــرأ أيضاً
لكن بعدما دخلت القوات العسكرية الروسية إلى سورية، تحوّل التأثير الثقافي والفني إلى غزو ثقافي روسي، لتدخل العلاقة بين الثقافتين مرحلة جديدة. وفي هذه المرحلة من الممكن أن نميز بين نوعين للأثر الروسي في الفن السوري، هما:
التأثير بالمضمون
منذ أن دخل الجيش الروسي إلى سورية كحليف للنظام الروسي، تحول إلى موضوع يتداوله الفن السوري، فباتت العديد من الأعمال الفنية السورية تحاكي هذا الحدث وتناقشه، سواءً الفنانون الداعمون للنظام السوري أو الفنانون المعارضون له؛ فعمل الفنانون المؤيدون على تهيئة الجمهور لتقبل التدخل العسكري المباشر في بلادهم، من خلال إقحام الجنود الروس بالمشهد السوري، وتصوير حضورهم على أنه أمر طبيعي، كما يحدث في مسلسل "فوضى" الذي يظهر الجنود الروس في هوامشه، وهم يقومون بأفعال إنسانية كإنقاذ الضحايا بعد سقوط القذائف! بينما قام الفنانون المعارضون بتسخير أعمالهم لانتقاد التحالف ما بين روسيا والنظام، مثل أغنية "كاتيوشا السورية". يقول الناقد والكاتب عمار المأمون في هذا السياق: "من متابعتي الشخصيّة لبعض المسلسلات السورية المنتجة في سورية، بوصفها منتجات ثقافيّة، لاحظت تحول الجهد العسكري الروسي في بعض مناطق سورية، إلى حقيقة فنيّة، تحضر ضمن الإطار الفنيّ، فالجغرافيا المدمّرة جزء من تكوين المكان الذي تدور ضمنه الأحداث، هنا تحول الجماليّ إلى ثقافيّ، وعدسة الكاميرا إلى عدسة القاتل، وذلك ما نراه بوضوح في بعض المسلسلات التي تستخدم كاميرا الدبابة الروسيّة وهي تقصف، وذلك في لقطات تظهر لثوان فقط، وتدرج ضمن الحكاية المتخيلّة، بوصفها "واقعاً"، وهنا تكمن خطورة هذا التدخل، فـ"اللاجديّة" التي يتصف بها العمل الفني أكثر قدرة على التأثير بالمشاهد، كون الإطار الفنيّ –نظرياً- لا يحوي السياسي المباشر. وهنا نقف أمام ثلاثة عناصر للبروباغندا التي يتبعها النظام السوريّ وهي "التسلية"، و"الصراع ضمن الحكاية" و"الجهد السياسي"، ويبرز العنصر الروسي في الأخيرة ، بوصفه غيّر شرط الحياة عسكريّا، ليأتي الصراع في الحكاية، بوصفه علاقة بين الشخصيات وبين الأعداء المتخيلين، لا بين الشخصيات والسلطة المسؤولة مباشرة عن الدمار، وهنا تبرز التسلية بوصفها الإطار الذي يغيّب "محرك" الدمار –السلطة السياسية- وتستبدله بمشاق الحياة اليوميّة وصعوبات النجاة، ليغدو الفرد أسير جسده يسعى للحفاظ عليه".
اقــرأ أيضاً
شركاء في الإنتاج
أما الشكل الثاني للتأثير الروسي، فيكمن بدخول روسيا في قطاع الإنتاج الفني السوري، وازدياد التأثير الروسي على شكل الأعمال الفنية التي تقدم في سورية؛ وكانت البداية في سنة 2016، حيث أقامت فرقة أوركسترا مسرح "مارينسكي" الروسية الشهيرة حفلاً موسيقياً في مدينة تدمر، عقب سيطرة النظام وحلفائه على المدينة الأثرية واسترجاعها من "داعش". وبعد ذلك، تم التوقيع على اتفاقية إخراجه بين شركة "برولاين-ميديا" الروسية وشركة "Shaghaf" السورية، التي تملكها سلاف فواخرجي، لتصوير فيلم "تدمر" الذي سيعرض العام المقبل، وحدث التوقيع بمناسبة مرور 70 عاماً على نيل سورية لاستقلالها!
وفي هذه الفترة أيضاً، قدمت العديد من الأعمال الفنية السورية بطابع روسي خالص، مثل أغنية "الغرانيق" التي قدمتها المغنية والممثلة سوزانا الوز، وقامت بتقديم الأغنية بالكلمات الآتية: "أغنية روسية كتبها الشاعر رسول حمزاتوف بمناسبة عيد النصر الروسي، أعيد احياءها وإهداءها إلى أرواح شهداء سورية". وفي 2016 أيضاً، قدمت مجموعة طالبات سوريات يدرسن في موسكو، هدية للعسكريين الروس المشاركين في العمليات العسكرية التي تقوم بها بلادهم في سورية. وتضم الروزنامة 12 صفحة، تظهر فيها فتيات سوريات يرتدين تيجاناً تشبه "غطاء الرأس التقليدي الروسي للنساء (كوكوشنيك)"، وفساتين بيضاء، وعلى كل صفحة من الصفحات، ثمة عبارة تُشكّل ملخصاً لأحد "إنجازات" الجيش الروسي في سورية.
لكن بعدما دخلت القوات العسكرية الروسية إلى سورية، تحوّل التأثير الثقافي والفني إلى غزو ثقافي روسي، لتدخل العلاقة بين الثقافتين مرحلة جديدة. وفي هذه المرحلة من الممكن أن نميز بين نوعين للأثر الروسي في الفن السوري، هما:
التأثير بالمضمون
منذ أن دخل الجيش الروسي إلى سورية كحليف للنظام الروسي، تحول إلى موضوع يتداوله الفن السوري، فباتت العديد من الأعمال الفنية السورية تحاكي هذا الحدث وتناقشه، سواءً الفنانون الداعمون للنظام السوري أو الفنانون المعارضون له؛ فعمل الفنانون المؤيدون على تهيئة الجمهور لتقبل التدخل العسكري المباشر في بلادهم، من خلال إقحام الجنود الروس بالمشهد السوري، وتصوير حضورهم على أنه أمر طبيعي، كما يحدث في مسلسل "فوضى" الذي يظهر الجنود الروس في هوامشه، وهم يقومون بأفعال إنسانية كإنقاذ الضحايا بعد سقوط القذائف! بينما قام الفنانون المعارضون بتسخير أعمالهم لانتقاد التحالف ما بين روسيا والنظام، مثل أغنية "كاتيوشا السورية". يقول الناقد والكاتب عمار المأمون في هذا السياق: "من متابعتي الشخصيّة لبعض المسلسلات السورية المنتجة في سورية، بوصفها منتجات ثقافيّة، لاحظت تحول الجهد العسكري الروسي في بعض مناطق سورية، إلى حقيقة فنيّة، تحضر ضمن الإطار الفنيّ، فالجغرافيا المدمّرة جزء من تكوين المكان الذي تدور ضمنه الأحداث، هنا تحول الجماليّ إلى ثقافيّ، وعدسة الكاميرا إلى عدسة القاتل، وذلك ما نراه بوضوح في بعض المسلسلات التي تستخدم كاميرا الدبابة الروسيّة وهي تقصف، وذلك في لقطات تظهر لثوان فقط، وتدرج ضمن الحكاية المتخيلّة، بوصفها "واقعاً"، وهنا تكمن خطورة هذا التدخل، فـ"اللاجديّة" التي يتصف بها العمل الفني أكثر قدرة على التأثير بالمشاهد، كون الإطار الفنيّ –نظرياً- لا يحوي السياسي المباشر. وهنا نقف أمام ثلاثة عناصر للبروباغندا التي يتبعها النظام السوريّ وهي "التسلية"، و"الصراع ضمن الحكاية" و"الجهد السياسي"، ويبرز العنصر الروسي في الأخيرة ، بوصفه غيّر شرط الحياة عسكريّا، ليأتي الصراع في الحكاية، بوصفه علاقة بين الشخصيات وبين الأعداء المتخيلين، لا بين الشخصيات والسلطة المسؤولة مباشرة عن الدمار، وهنا تبرز التسلية بوصفها الإطار الذي يغيّب "محرك" الدمار –السلطة السياسية- وتستبدله بمشاق الحياة اليوميّة وصعوبات النجاة، ليغدو الفرد أسير جسده يسعى للحفاظ عليه".
شركاء في الإنتاج
أما الشكل الثاني للتأثير الروسي، فيكمن بدخول روسيا في قطاع الإنتاج الفني السوري، وازدياد التأثير الروسي على شكل الأعمال الفنية التي تقدم في سورية؛ وكانت البداية في سنة 2016، حيث أقامت فرقة أوركسترا مسرح "مارينسكي" الروسية الشهيرة حفلاً موسيقياً في مدينة تدمر، عقب سيطرة النظام وحلفائه على المدينة الأثرية واسترجاعها من "داعش". وبعد ذلك، تم التوقيع على اتفاقية إخراجه بين شركة "برولاين-ميديا" الروسية وشركة "Shaghaf" السورية، التي تملكها سلاف فواخرجي، لتصوير فيلم "تدمر" الذي سيعرض العام المقبل، وحدث التوقيع بمناسبة مرور 70 عاماً على نيل سورية لاستقلالها!
وفي هذه الفترة أيضاً، قدمت العديد من الأعمال الفنية السورية بطابع روسي خالص، مثل أغنية "الغرانيق" التي قدمتها المغنية والممثلة سوزانا الوز، وقامت بتقديم الأغنية بالكلمات الآتية: "أغنية روسية كتبها الشاعر رسول حمزاتوف بمناسبة عيد النصر الروسي، أعيد احياءها وإهداءها إلى أرواح شهداء سورية". وفي 2016 أيضاً، قدمت مجموعة طالبات سوريات يدرسن في موسكو، هدية للعسكريين الروس المشاركين في العمليات العسكرية التي تقوم بها بلادهم في سورية. وتضم الروزنامة 12 صفحة، تظهر فيها فتيات سوريات يرتدين تيجاناً تشبه "غطاء الرأس التقليدي الروسي للنساء (كوكوشنيك)"، وفساتين بيضاء، وعلى كل صفحة من الصفحات، ثمة عبارة تُشكّل ملخصاً لأحد "إنجازات" الجيش الروسي في سورية.