التداعيات الاقتصادية لاستقلال اسكتلندا: الامتحان المالي الأكبر لبريطانيا

17 سبتمبر 2014
بريطانيا تحذر اسكتلندا من الأعباء المالية للاستقلال (جيف ميتشيل/Getty)
+ الخط -
مع اقتراب موعد الاستفتاء على مستقبل اسكتلندا في 18 سبتمبر/أيلول الحالي، تتزايد مخاوف أوساط المال والأعمال البريطانية من احتمالات تصويت الاسكتلنديين لصالح الانفصال عن بريطانيا وتكوين دولة "اسكتلندا المستقلة". وربما تكون عملية الاستفتاء المقبلة أكبر امتحان مالي لبريطانيا، التي كان ينظر المستثمرون لها كدولة متحدة لا يمكن أن تتجزأ.

ورغم أن هناك قائمة طويلة من المخاوف والهواجس التي تنتاب بريطانيا من نتائج الاستفتاء، إلا أنها تنحصر اقتصادياً في ثلاثة مجالات هي: الاستثمارات الخارجية في بريطانيا واحتمال انخفاض هذه الموجودات، واحتمال هجرة البنوك متعددة الجنسيات من حي المال البريطاني، واحتمال خفض التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا.

على صعيد الاستثمارات الأجنبية، توقعت مجموعة "نومورا" اليابانية في تقرير صدر الأسبوع الماضي أن تنخفض قيمة الاسترليني بحوالى 15 في المائة في حال تصويت الاسكتلنديين بـ"نعم" لصالح الانفصال. كما نصحت المجموعة زبائنها بسحب موجوداتهم من بريطانيا لتلافي الخسائر. وقال رئيس محفظة الاستثمار في مجموعة نومورا، جودردان روشيستر، "سنرى العديد من الاستثمارات تنسحب من بريطانيا، هذه لحظات مخيفة".

من جهته، أشار رئيس محفظة "بلاك روك" الاستثمارية، روس كوستريخ، التي تعد الأكبر في العالم إلى أن "المستثمرين الأجانب يركزون على المشاكل الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الأوسط، وينسون مشكلة استفتاء اسكتلندا وماذا سيحل بموجوداتهم". وأضاف "إذا صوّت الاسكتلنديون للانفصال فعلى المستثمرين أن يجهزوا أنفسهم لفترة طويلة من عدم الاستقرار في قيم الموجودات في بريطانيا".

أما ستيفن جان، من شركة "اس ال جي بارتنرز"، فقال: "يعتقد المستثمرون أن بريطانيا ستظل على الدوام متحدة، ولكن هذا الاستفتاء سيغيّر هذه القناعات، وسيبدأ المستثمرون في إعادة تقييم نظرتهم للاستثمار في بريطانيا".

نفط بحر الشمال

أما بخصوص الموارد النفطية والديون العامة، فيقول خبراء اقتصاد في الجامعات البريطانية: إن إصرار اسكتلندا على الاحتفاظ بموارد النفط ورفضها تحمّل حصة من الدين العام البريطاني الذي يقارب تريليون دولار، سيقود إلى هروب المستثمرين من السوق البريطانية.

وتُعدّ ملكية احتياطات الطاقة في حقول بحر الشمال من أهم القضايا الخلافية بين بريطانيا واسكتلندا في حال التصويت بـ"نعم" لصالح الاستقلال. فمن المحتمل أن تؤول ملكية 90 في المائة من احتياطات النفط في بحر الشمال إلى اسكتلندا.

وتُقدَّر احتياطات بحر الشمال من النفط بكميات تتراوح بين 15 الى 24 مليار برميل. كما تقدر احتياطات الغاز الطبيعي بحوالى 198 مليار متر مكعب. ورغم أن هذه الكميات ليست كبيرة، إلا أنها ربما تمثل نقطة الخلاف الجوهري بين بريطانيا واسكتلندا.

ويرى كبير خبراء النفط، أستاذ البترول في جامعة أبردين، اليكس كيمب، أن احتياطات بحر الشمال أكبر بكثير من هذه الكميات، وأنها ستواصل الإسهام في الاقتصاد الاسكتلندي حتى عام 2060 على الأقل. وبحسب وجهة نظره، فإن التقنيات الحديثة مثل تقنية "الحفر الأفقي" ستزيد من احتياطات آبار النفط في بحر الشمال.

وتسعى اسكتلندا إلى تملُّك 90 في المائة من الحقول بحكم الموقع الجغرافي لهذه الحقول ضمن الحدود الاسكتلندية، لكن ذلك لن يكون سهلاً كما يقول بعض خبراء القانون الدولي، لأن ذلك سيخضع لاتفاقات دولية.

ويقول البروفسور جون باترسون، في تقرير حول مستقبل النفط والغاز في بحر الشمال صدر في شهر مايو/أيار الماضي: إن بريطانيا في حال انفصال اسكتلندا، ستُطالب بحصة أكبر من الـ10 بالمئة التي يتحدث عنها زعماء اسكتلندا.

ويلاحظ أن بريطانيا قد بدأت تعدّ العدة لاحتمالات فقدان النفط والغاز في بحر الشمال، وشرعت فعلياً في البحث عن مكامن النفط الصخري في انجلترا. ورغم أن بريطانيا تدّعي أن الدافع وراء الإسراع في استخراج الغاز والنفط الصخري هو التهديد الروسي لأمن الطاقة الأوروبي، إلا أن الواقع يؤكد أن مخاوف بريطانيا تتعلق تحديداً بالخشية من خسارة نفط وغاز بحر الشمال، ولاسيما أن بريطانيا لا تعتمد إلا بنسبة قليلة من احتياجاتها على الغاز الروسي.

المركز المالي

أما على صعيد مركز لندن المالي، فتتركز حدة المخاوف بين المصارف المتعددة الجنسيات الكبرى التي تدير عملياتها المالية من لندن؛ إذ يُشكّل انضمام اسكتلندا ضربة لموقف بريطانيا التفاوضي داخل الاتحاد الأوروبي. وتطالب بريطانيا بخفض السلطات السياسية والإدارية للمفوضية الأوروبية على حكومات دول الاتحاد، فيما تدعو دول اليورو الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تقوية الاتحاد تدريجياً حتى يتحول إلى منظومة شبيهة بالولايات المتحدة.

وفي حال خروج اسكتلندا من كنف بريطانيا، فستصبح اسكتلندا عضواً في الاتحاد الأوروبي، ثم تدريجياً ستصبح بعد استيفاء الشروط عضواً في اتفاقية اليورو. ومن شأن انفصال اسكتلندا عن بريطانيا أن يؤدي تلقائياً إلى ضغط دول الاتحاد الأوروبي في كثير من القضايا المالية على بريطانيا، وفي مقدمة هذه القضايا ضريبة "الصفقات المالية" التي اقترحتها المفوضية الأوروبية في سنوات أزمة المال في منطقة اليورو لتغطية جزء من تكلفة الإنقاذ المالي الباهظة للدول التي تعرضت للإفلاس.

وتدعو الضريبة إلى فرض رسوم نسبتها 0.1 في المائة على صفقات بيع وشراء الأسهم والسندات و0.01 في المائة على الصفقات الخاصة بعقود المشتقات المالية. وفي حال التصويت الاسكتلندي لصالح الانفصال، فإن الاتحاد الأوروبي سيضغط لأجل تطبيق "ضريبة الصفقات المالية"، وهذا ما لا ترغب فيه المصارف العالمية في لندن، لأن هذه الضريبة سترفع كلفة إجراء الصفقات المالية في لندن بدرجة أعلى من مدن المال الأخرى المنافسة في نيويورك وسنغافورة وهونج كونج.

وبالتأكيد فإن التصنيف الائتماني لبريطانيا الجديدة من دون اسكتلندا سينخفض، ومن شأن انخفاض التصنيف الائتماني أن يرفع من كلفة التمويل الحكومي في بريطانيا. وقد انخفض الاسترليني خلال الأيام الماضية بنسبة 6 في المائة إلى 1.61 مقابل الدولار. وهذا أكبر انخفاض له منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تحديات اسكتلندا المستقلة

في المقابل، ستواجه اسكتلندا المستقلة العديد من المعضلات المالية والاقتصادية. ويلاحظ أنه

فيما عدا دخل النفط من حقول بحر الشمال، هناك العديد من الخسائر التي ستتكبدها اسكتلندا من الانفصال. ويمكن إجمالها في النقاط التالية:
ستفقد اسكتلندا الاسترليني كعملة وطنية. وكان محافظ بنك إنجلترا، البنك المركزي البريطاني، قد أكد الأسبوع الماضي أنه لن يسمح لاسكتلندا المستقلة باستخدام الاسترليني كعملة وطنية. وفي حال قررت اسكتلندا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واليورو، فإن ذلك قد يستغرق ثلاث سنوات.
كما سيرتفع التضخم في اسكتلندا، لأن اسكتلندا المستقلة ستحتاج إلى رفع سعر الفائدة حتى تحافظ على قيمة الجنيه الاسكتلندي.
أما دخل الضرائب فسينخفض بدرجة حادة؛ لأن العديد من الشركات المالية ستهاجر من اسكتلندا. ويضاف إلى ذلك، أن الاستقرار المالي سيهتز؛ لأن اسكتلندا ستفقد الغطاء المالي الذي كانت توفره بريطانيا.
في موازاة ذلك، سيرتفع معدل البطالة بسبب هجرة الشركات. كما سترتفع الضرائب على مواطني اسكتلندا؛ لأنها ستفقد الدعم المالي البريطاني للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، وبالتالي ستحتاج إلى زيادة الدخل الحكومي من خلال زيادة الجباية الضريبية.

يذكر أن مصرفي "رويال بنك أوف اسكتلندا-آر بي أس " و"لويدز بنك" قالا إنهما سينقلان مقارهما من اسكتلندا إلى لندن في حال التصويت لصالح الانفصال. وتتخوف البنوك البريطانية من انخفاض معدل التصنيف الائتماني في حال انفصال اسكتلندا.


الحجج الاقتصادية لمعسكري "نعم" و"لا" 

يقول أنصار الاستقلال: إن الاتحاد الأوروبي يكلّف كل بريطاني 234 جنيهاً استرلينياً في العام، بينما يكلّف البقاء ضمن المملكة المتحدة كل اسكتلندي 2300 جنيه سنوياً.
كما يقول هؤلاء: إن الاتحاد البريطاني يكلف اسكتلندا 34.5 مليون جنيه يومياً، ويشيرون إلى أن نفط اسكتلندا سيحقق لها مدخولاً يومياً يصل إلى 32 مليون جنيه استرليني، أي ما يساوي 12 مليار جنيه سنوياً.
ويلفتون إلى أن اسكتلندا تُعد رائدة عالمياً في مجال إنتاج الطاقة من الرياح، وهذه الطاقة ستوفر لها عائدات وفرص تنمية أكثر مما يوفره النفط والغاز، كما ستتخلص اسكتلندا المستقلة من حصتها (62.5 مليار جنيه استرليني) في مجموع ديون المملكة البالغة 175 مليار جنيه استرليني.

كما يعتبر مؤيدو الانفصال أن بلادهم سوف تتحرر من السياسات الاقتصادية والمالية التي تفرضها عليها حكومة لندن، كما سيبقى الجنيه الاسترليني العملة الرسمية لدولة اسكتلندا المستقلة حتى لو رفضت حكومة لندن ذلك، ويعتبرون أن الاقتصاد الاسكتلندي سيكون أفضل من نظيريه البريطاني والفرنسي.

في المقابل، تقول الحكومة البريطانية إنه إذا حصلت اسكتلندا على عائدات نفط بحر الشمال بالكامل، فإنها لن تتمكن من سداد العجز في ميزانيتها خلال 18 سنة قادمة.
كما تؤكد الحكومة أنها لن تسمح لاسكتلندا مستقلة بتداول الجنيه الاسترليني كعملة رسمية، وإذا انضمت اسكتلندا للعملة الأوروبية الموحّدة (باختيارها أو مجبرة) فإن ذلك يعني خسارة فادحة للاسكتلنديين من الناحية الاقتصادية. وتشير الحكومة إلى أن الاقتصاد الاسكتلندي سيتحمّل الكثير من الأعباء المالية لاضطرار مرور معظم الصادرات والواردات الاسكتلندية عبر الأراضي البريطانية باتجاه أوروبا.