منذ بدء الحرب الإعلامية ضد قطر، قامت وسائل إعلام محور الرياض – أبو ظبي بكيْل العديد من الاتهامات للدوحة، كان من بينها الاتهام بممارسة أعمال التجنيس، ما أدى بدول المحور إلى وضع شرط في قائمة الإملاءات التي سلمتها إلى الكويت، ينص على عدم تجنيس قطر أي مواطن من البحرين أو من الإمارات والسعودية ومصر. لكن هذا الشرط بقدر ما يبدو أنه تدخل في السياسة القطرية وسيادتها، فإنه يناقض نفسه بنفسه كون هذه الدول الخليجية الثلاث تمارس عمليات التجنيس بشكل عشوائي منذ تأسيسها حتى اليوم، وفي أحيان كثيرة لأهداف سياسية طائفية من أجل فرض غلبة من فئة على أخرى.
وبالنسبة لمملكة البحرين التي سبق لقطر أن دعمتها بمليارات الدولارات، فهي تمارس أكبر عملية تجنيس تقول منظمات حقوقية إن أهدافها تتمثل في إجراء تغيير ديموغرافي ــ طائفي ــ سياسي. وتتركز عمليات التجنيس على الوافدين الباكستانيين والهنود وبعض العرب من الجنسيات السورية والأردنية لتوظيفهم في سلك الجيش والشرطة وقوات مكافحة الشغب، بينما معروف أن الكثير من البحرينيين من السنّة ومن الشيعة اضطروا إلى الهجرة نحو البلدان الخليجية المجاورة بحثاً عن جنسية أخرى، نظراً إلى ظروفهم المعيشية والسياسية البائسة في بلدهم. وطبّقت البحرين أيضاً "التجنيس الرياضي" الذي تمارسه كافة دول الخليج وتعيبه في ذات الوقت على قطر وحدها، إذ جنست البحرين العشرات من لاعبي كرة القدم واليد والسلة والطائرة وألعاب القوى.
على الصعيد الإماراتي، لا يبدو الأمر مختلفاً كثيراً عن الجانب البحريني؛ فقد مارست الإمارات عمليات تجنيس واسعة للتجار الإيرانيين المقيمين في دبي، مما حدا بدول الخليج في فترة السبعينيات إلى الطلب من إمارة دبي تشديد الرقابة على أسواق دبي المحلية التي كانت تباع فيها الجنسيات. وضعٌ دفع بوزير الدفاع السعودي، سلطان بن عبد العزيز، عام 1999، إلى وصف دولة الإمارات بأنها "دولة نصف إيرانية، نصف سكانها من الإيرانيين أو ذوي الأصول الإيرانية". وبعد تطور إمارة دبي، عادت وتيرة التجنيس مرة أخرى، لصالح التجار المنحدرين من الهند وباكستان. كما قامت الإمارات بتجنيس العشرات من المطربين ولاعبي كرة القدم والسلة المنحدرين من الدول المجاورة وعلى رأسها اليمن، فيما أجبرت الألاف من الإماراتيين البدون على استخراج وثائق من دولة جزر القمر خلال السنوات الخمس الأخيرة، وسحبت جنسيات العشرات من المواطنين المعارضين لها، وأودعتهم في سجون أبو ظبي تحت الأرض في ما عرف بقضية "الإصلاحيين الإماراتيين".
على الجانب السعودي، يعيش عشرات الآلاف من البدون الذين تسميهم السلطات السعودية "القبائل النازحة" في ظروف مأساوية صعبة شمال المملكة، نظراً لرفض السلطات الاعتراف بهم، على الرغم من أن أجدادهم حاربوا برفقة مؤسس المملكة الملك عبد العزيز، أثناء غزواته لتوحيد أراضيه. وأودعت السلطات السعودية الشاعر الشهير، خلف المشعان العنزي، الذي ينتمي إلى "القبائل النازحة" في السجن عقب طلبه من ولي العهد السابق ووزير الداخلية، محمد بن نايف، حل المشكلات التي تعاني منها أكبر قبيلة في الجزيرة العربية قبل أن يتم الإفراج عنه أخيراً. في المقابل، قامت الرياض بمنح الجنسية السعودية للعشرات من المطربين والممثلين على حساب السكان الأصليين، إذ قام المستشار السابق خالد التويجري، بمنح الجنسية للمطرب العراقي ماجد المهندس، واتخذ اسماً مزوراً له بنسبه إلى قبيلة عتيبة ذات النفوذ الواسع في السعودية، وهو أمر أدى إلى جدل واعتراض كبير من قبل شيوخ القبيلة نفسها.
وتتشابه الحالة الكويتية مع الحالة القطرية كثيراً إذ إن كلا الدولتين تعتبران صغيرتين جغرافياً مقارنة بالسعودية، وكلتاهما تحتضنان العشرات من المفكرين الإسلاميين والديمقراطيين والليبراليين في فترات متفاوتة. وساعدت ثرواتهما الضخمة حكومة البلدين على انتهاج سياسات أكثر استقلالية عن السعودية التي تحاول الهيمنة على القرار السياسي في المنطقة ووأد أي حركة ديمقراطية فيها. وأنتجت السياسات الكويتية في منح الجنسية للكفاءات خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، تطوراً كبيراً ونقلة نوعية في البلاد، ساهمت بصناعة هوية وطنية كويتية على الصعيد الفني والثقافي والأدبي وطورت العملية السياسية في البلاد بشكل كبير.