"اتحاد أنانيا" فكرة وُلدت من رحم التهميش، لم تغرس بذورها في أرض التعليم التقليدي، وإنما في فضاء مهارات الحياة، والتفاعل الإنساني، والتعليم الحقيقي الهادف. تعود جذور هذه المبادرة إلى قرابة عشرين عاما خلت، عندما أسست د. شاشي راو، مع مجموعة من الأفراد الذين يحملون هموما مشتركة، "اتحاد أنانيا" في مارس 1998 لتقديم خدمات تعليمية لأطفال الشوارع وأبناء الفئات المهمشة؛ فقد هالهم أن يروا أبناء العمال والباعة الجائلين والخادمات يبددون طفولتهم في بيئة مسيئة.
كانت التحديات جسيمة، فنظام المدارس لم يكن يسمح بقبول هؤلاء لاعتبارات تتعلق بالسن، وأخرى بالقيود التي تفرضها المناهج الدراسية، وثالثة بالأعباء الأسرية والمنزلية، وأخيرا.. بالأوضاع اللاإنسانية التي ولدت داخلهم شعورا جعلهم يعزفون عن الدراسة.
تعامل فريق "اتحاد أنانيا" مع هذه التحديات بهدوء؛ فطلبوا من بعض الأطفال الحضور لمجالستهم والتحدث إليهم (دون أي إشارة إلى هدفهم الحقيقي) في منزل د. راو، وحددوا لذلك أوقاتا تناسبهم. وفي غضون أيام، تزايدت أعداد الأطفال من اثنين إلى اثنين وعشرين، وانتقل مكان اللقاء إلى الحدائق والمتنزهات العامة.
اقــرأ أيضاً
البدايات
كان الأطفال، الذين ينتمون إلى مراحل عمرية وخلفيات ثقافية مختلفة، يجلسون معا،
ويتجاذبون أطراف الحديث عن الأمطار ولعبة الكريكت، وغيرهما، وهو ما خلق بيئة تعليمية تخضع لمنهاج "التعلم السياقي"، وهو منهاج لا يعترف بمجرد نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم، وإنما يجلب الواقع الحياتي إلى الفصل، ويحث التلاميذ على بناء جسور تصل معلوماتهم بحياتهم اليومية. لم يكن لديهم كتب دراسية، وإنما مجرد مفاهيم وتصورات يقدمها الأطفال بأنفسهم، وربما لا يعرفون أغوارها.
في إحدى الجلسات، أثناء مشاهدة مباراة في الكريكت - كما تروي د. راو - علق أحد الأطفال بأن الفريق الهندي بحاجة إلى أربعة أشواط أخرى كي يفوز بالمباراة. هكذا بدأ مفهوم "الطرح"، الذي يُدرس للأطفال في المدارس في مادة الحساب، يتكون ويتبلور من خلال موقف حياتي واقعي. وتزخر ذاكرة أعضاء الفريق بقصص لا حصر لها عن مفاهيم أخرى لم يكتف الأطفال بمجرد التقاطها في مواقف واقعية، وإنما عكفوا على مناقشتها وفهمها لإنجاز نشاط حياتي ما.
اقــرأ أيضاً
الأهداف
بدأ فريق "أنانيا" في وضع قائمة أهداف وخطط طويلة الأمد لمشروعهم؛ فقد كانوا يعرفون جيدا أنهم يريدون مساعدة هؤلاء الأطفال ليكونوا بالغين يتمتعون بحس راق وعقلية ناضجة. كانت المعاملة الفظة، والإساءات التي يتعرضون لها بصورة دورية في منازلهم، وفي محيطهم بوجه عام، تشكل اغتيالا منهجيا لكافة المعاني الإنسانية، وكان من الأفضل نقلهم من هذه البيئة السلبية إلى بيئة أخرى إيجابية.
المزرعة
في هذه المرحلة، تلقى الفريق تبرعا على شكل مزرعة لإدارة "اتحاد أنانيا"، وبذلك توافر للفريق مكانا فعليا يمكن للأطفال أن يأكلوا ويلعبوا ويتعلموا بداخله. مثلت هذه المرزعة نقطة الانطلاق الحقيقية لقصة نجاح "أنانيا"، التي لم تخل من المعوقات والتحديات.
كانت المزرعة تقع خارج المدينة، وهو ما دفع الآباء إلى رفض ذهاب أطفالهم؛ حتى لا يُخل ذلك بمسؤولياتهم الأسرية والمنزلية. لكن أعضاء فريق "أنانيا" طلبوا من الأطفال كتابة قوائم تسوق، لتلبية احتياجات الأسرة، وبهذه الطريقة تعلم الأطفال بعض المفاهيم الجديدة، مثل الكتابة وعمل القوائم.
ثمار التجربة
لمس الآباء تغيرا في سلوك أطفالهم. لم يعد الأطفال فقط قادرين على التحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة فحسب، وإنما امتدت هذه التغيرات إلى جوانب شخصية وحياتية أخرى، فبدوا أفضل من حيث التعلم والتغذية والنظافة والهندام.
كما ازداد حب الأطفال لمعلميهم بسبب ما قدموه إليهم من تعليم بلا قيود، إضافة إلى الدور الإيجابي الذي تقلدوه في العملية التعليمية؛ فقد كانوا يختارون ما يريدون تعلمه، بينما انحصر دور المعلمين في كيفية تعليمه. لم يكن هناك كتب دراسية، وكانت آليات التدريس تتسم بالسلاسة والمرونة، وكانت المفاهيم تُقدم إليهم في الوقت الذي كانوا يشعرون فيه بحاجتهم إلى تعلمها.
اقــرأ أيضاً
وعلى عكس نظام التعليم التقليدي الذي يتمحور حول ارتقاء الطالب السلم الرأسي للمعايير في إطار زمني معين، دون الاهتمام باستيعابه للمبادئ الأساسية، كان فريق "أنانيا" يعمل وفق رؤية تقوم على تحديد قدرات واهتمامات الأطفال أولا لإكسابهم المهارات المطلوبة لاحقا. فعلى سبيل المثال، الطفل الذي يبدي اهتماما بالتصوير يتم تزويده بالمهارات النظرية والعملية اللازمة التي تمكنه من أن يصبح مصورا متميزا.
نضج التجربة
وبمرور الوقت، ومع نضج التجربة، ظهرت الحاجة إلى استثمار الوقت والجهد في العملية التعليمة بصورة أكبر؛ وهو ما دفع الفريق الأساسي إلى طرح فكرة مبيت الأطفال في المزرعة مرة واحدة في الأسبوع (زادت لاحقا إلى خمس مرات). لاقت الفكرة ترحيبا حارا من الأطفال وقبولا من الآباء، وكانت – كما تؤكد د. راو - فصلا جديدا في هذه الملحمة التعليمية.
يولى "اتحاد أنانيا" عناية فائقة بجميع احتياجات الأطفال من مسكن ومأكل وملبس، فضلا عن الرعاية الطبية والتعليمية. ويضم الفريق حاليا عشرة أعضاء هنود (لا ينتمون جميعا إلى حقل التعليم)، إضافة إلى خمسة متطوعين دوليين يشاركون في أنشطة الاتحاد.
وتتنوع مؤهلات أعضاء الفريق الأكاديمية بدءا من الدكتوراه ووصولا إلى شهادة المدارس العليا (الثانوية). ورغم أنهم لا يقومون بتدريس مواد دراسية محددة، إلا أنهم يستخدمون منهجية متكاملة في التعليم، تعتمد بالأساس على دمج المهارات الحياتية مع كل ما يحتاج الطفل تعلمه ليصبح قادرا على مجابهة العالم الخارجي بدنيا واجتماعيا ووجدانيا.
ويعتمد "اتحاد أنانيا" في تمويله على عدد من الجهات المانحة، كما يقدم بعض الأصدقاء والأقارب والجيران مساهمات على طريقتهم الخاصة، وقد تم إدراج الاتحاد على قوائم منصة "GiveIndia" التي تمثل مصدرا رئيسا للتمويل.
أسهمت جهود "اتحاد أنانيا" في تغيير حياة أكثر من 300 طفل حتى الآن، ولديها خطط طموحة لتوسيع نشاطاتها. ويحدد برنامج عمل الاتحاد في الوقت الحالي استضافة 60 طالبا كل عام، على أن تمتد فترة إقامة الطفل الواحد بين 8 إلى 10 سنوات.
اقــرأ أيضاً
كانت التحديات جسيمة، فنظام المدارس لم يكن يسمح بقبول هؤلاء لاعتبارات تتعلق بالسن، وأخرى بالقيود التي تفرضها المناهج الدراسية، وثالثة بالأعباء الأسرية والمنزلية، وأخيرا.. بالأوضاع اللاإنسانية التي ولدت داخلهم شعورا جعلهم يعزفون عن الدراسة.
تعامل فريق "اتحاد أنانيا" مع هذه التحديات بهدوء؛ فطلبوا من بعض الأطفال الحضور لمجالستهم والتحدث إليهم (دون أي إشارة إلى هدفهم الحقيقي) في منزل د. راو، وحددوا لذلك أوقاتا تناسبهم. وفي غضون أيام، تزايدت أعداد الأطفال من اثنين إلى اثنين وعشرين، وانتقل مكان اللقاء إلى الحدائق والمتنزهات العامة.
البدايات
كان الأطفال، الذين ينتمون إلى مراحل عمرية وخلفيات ثقافية مختلفة، يجلسون معا،
في إحدى الجلسات، أثناء مشاهدة مباراة في الكريكت - كما تروي د. راو - علق أحد الأطفال بأن الفريق الهندي بحاجة إلى أربعة أشواط أخرى كي يفوز بالمباراة. هكذا بدأ مفهوم "الطرح"، الذي يُدرس للأطفال في المدارس في مادة الحساب، يتكون ويتبلور من خلال موقف حياتي واقعي. وتزخر ذاكرة أعضاء الفريق بقصص لا حصر لها عن مفاهيم أخرى لم يكتف الأطفال بمجرد التقاطها في مواقف واقعية، وإنما عكفوا على مناقشتها وفهمها لإنجاز نشاط حياتي ما.
الأهداف
بدأ فريق "أنانيا" في وضع قائمة أهداف وخطط طويلة الأمد لمشروعهم؛ فقد كانوا يعرفون جيدا أنهم يريدون مساعدة هؤلاء الأطفال ليكونوا بالغين يتمتعون بحس راق وعقلية ناضجة. كانت المعاملة الفظة، والإساءات التي يتعرضون لها بصورة دورية في منازلهم، وفي محيطهم بوجه عام، تشكل اغتيالا منهجيا لكافة المعاني الإنسانية، وكان من الأفضل نقلهم من هذه البيئة السلبية إلى بيئة أخرى إيجابية.
المزرعة
في هذه المرحلة، تلقى الفريق تبرعا على شكل مزرعة لإدارة "اتحاد أنانيا"، وبذلك توافر للفريق مكانا فعليا يمكن للأطفال أن يأكلوا ويلعبوا ويتعلموا بداخله. مثلت هذه المرزعة نقطة الانطلاق الحقيقية لقصة نجاح "أنانيا"، التي لم تخل من المعوقات والتحديات.
كانت المزرعة تقع خارج المدينة، وهو ما دفع الآباء إلى رفض ذهاب أطفالهم؛ حتى لا يُخل ذلك بمسؤولياتهم الأسرية والمنزلية. لكن أعضاء فريق "أنانيا" طلبوا من الأطفال كتابة قوائم تسوق، لتلبية احتياجات الأسرة، وبهذه الطريقة تعلم الأطفال بعض المفاهيم الجديدة، مثل الكتابة وعمل القوائم.
ثمار التجربة
لمس الآباء تغيرا في سلوك أطفالهم. لم يعد الأطفال فقط قادرين على التحدث باللغة الإنكليزية بطلاقة فحسب، وإنما امتدت هذه التغيرات إلى جوانب شخصية وحياتية أخرى، فبدوا أفضل من حيث التعلم والتغذية والنظافة والهندام.
كما ازداد حب الأطفال لمعلميهم بسبب ما قدموه إليهم من تعليم بلا قيود، إضافة إلى الدور الإيجابي الذي تقلدوه في العملية التعليمية؛ فقد كانوا يختارون ما يريدون تعلمه، بينما انحصر دور المعلمين في كيفية تعليمه. لم يكن هناك كتب دراسية، وكانت آليات التدريس تتسم بالسلاسة والمرونة، وكانت المفاهيم تُقدم إليهم في الوقت الذي كانوا يشعرون فيه بحاجتهم إلى تعلمها.
وعلى عكس نظام التعليم التقليدي الذي يتمحور حول ارتقاء الطالب السلم الرأسي للمعايير في إطار زمني معين، دون الاهتمام باستيعابه للمبادئ الأساسية، كان فريق "أنانيا" يعمل وفق رؤية تقوم على تحديد قدرات واهتمامات الأطفال أولا لإكسابهم المهارات المطلوبة لاحقا. فعلى سبيل المثال، الطفل الذي يبدي اهتماما بالتصوير يتم تزويده بالمهارات النظرية والعملية اللازمة التي تمكنه من أن يصبح مصورا متميزا.
نضج التجربة
وبمرور الوقت، ومع نضج التجربة، ظهرت الحاجة إلى استثمار الوقت والجهد في العملية التعليمة بصورة أكبر؛ وهو ما دفع الفريق الأساسي إلى طرح فكرة مبيت الأطفال في المزرعة مرة واحدة في الأسبوع (زادت لاحقا إلى خمس مرات). لاقت الفكرة ترحيبا حارا من الأطفال وقبولا من الآباء، وكانت – كما تؤكد د. راو - فصلا جديدا في هذه الملحمة التعليمية.
يولى "اتحاد أنانيا" عناية فائقة بجميع احتياجات الأطفال من مسكن ومأكل وملبس، فضلا عن الرعاية الطبية والتعليمية. ويضم الفريق حاليا عشرة أعضاء هنود (لا ينتمون جميعا إلى حقل التعليم)، إضافة إلى خمسة متطوعين دوليين يشاركون في أنشطة الاتحاد.
وتتنوع مؤهلات أعضاء الفريق الأكاديمية بدءا من الدكتوراه ووصولا إلى شهادة المدارس العليا (الثانوية). ورغم أنهم لا يقومون بتدريس مواد دراسية محددة، إلا أنهم يستخدمون منهجية متكاملة في التعليم، تعتمد بالأساس على دمج المهارات الحياتية مع كل ما يحتاج الطفل تعلمه ليصبح قادرا على مجابهة العالم الخارجي بدنيا واجتماعيا ووجدانيا.
ويعتمد "اتحاد أنانيا" في تمويله على عدد من الجهات المانحة، كما يقدم بعض الأصدقاء والأقارب والجيران مساهمات على طريقتهم الخاصة، وقد تم إدراج الاتحاد على قوائم منصة "GiveIndia" التي تمثل مصدرا رئيسا للتمويل.
أسهمت جهود "اتحاد أنانيا" في تغيير حياة أكثر من 300 طفل حتى الآن، ولديها خطط طموحة لتوسيع نشاطاتها. ويحدد برنامج عمل الاتحاد في الوقت الحالي استضافة 60 طالبا كل عام، على أن تمتد فترة إقامة الطفل الواحد بين 8 إلى 10 سنوات.