أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيستضيف، مع البنك المركزي المصري والحكومة المصرية، خلال الأسبوع الأول من مايو/ أيار 2018 مؤتمراً "رفيع المستوى"، تحت عنوان "النمو الشامل وخلق فرص العمل". وقال الصندوق على صفحته على الانترنت إن "المؤتمر يهدف إلى التنويه بالنجاحات التي حققتها مصر في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي".
وجاء الإعلان عن المؤتمر متوافقاً مع تصريحات المسؤولين خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي عقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، حيث أشادت كريستين لاجارد مديرة الصندوق بإنجازات البرنامج المصري، وأكدت أنه بدأ يؤتي ثماره، حيث انخفض التضخم، وبدأت الاستثمارات الأجنبية في العودة.
كما أشاد جهاد أزعور، المدير الاقليمي للصندوق في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا بتحسن مستوى الاحتياطي الأجنبي لمصر، وزيادة الصادرات، وعودة السياحة.
لا أشكك في إمكانيات مسؤولي صندوق النقد، ولا أدّعي معرفتي لحقائق لا يعرفونها، لكني أعرف جيداً من تجارب سابقة لدول أخرى مع الصندوق، أن مسؤوليه لا ينتقدون علناً برنامجاً في دولة وافقوا على إقراضها.
واذا أضفنا إلى ذلك الأجواء الاحتفالية التي يتم فيها عقد اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، والتي تجعلهم يتحدثون عن الايجابيات بالتفصيل، وبصورة مبالغ فيها، وعندما ينتقل الحديث إلى السلبيات، يكون الحديث متحفظاً، وبصورة عامة، مع تجنب الانتقاد المباشر للدول المقترضة من الصندوق، في ظل ذلك نجد أنه من الأفضل ألا نأخذ ما نسمعه في تلك المناسبات على محمل الجد.
اقــرأ أيضاً
لكن بعيداً عما قيل في المؤتمرات الصحافية، دعونا نفند النقاط المحددة التي أثنى عليها مسؤولو الصندوق بالنسبة لمصر. فالتضخم، الذي سعد المسؤولون هناك بالسيطرة عليه، ونزوله من مستوى 35% قبل عام، إلى مستوى 13% تقريباً، يرجع انخفاضه لتأثير سنة الأساس، وهو ما أجمع عليه المحللون الاقتصاديون في كل أنحاء العالم، بعد أن تسبب تعويم الجنيه المصري في انخفاض قيمته، وارتفاع أسعار أغلب السلع بعد تنفيذه بشهرين أو ثلاثة. فلما مر عامٌ كاملٌ على الارتفاع، وأصبحت مقارنة الأسعار تتم بالأسعار بعد ارتفاعها عند احتساب التضخم، هبط الأخير إلى 13%.
أضف إلى ذلك أن انخفاض التضخم لا يعني بأي حال انخفاض الأسعار، وانما يعني انخفاض معدل ارتفاع الأسعار. فالأسعار ارتفعت في السنة الأولى بعد التعويم في المتوسط بحوالى 35%، وفي السنة الثانية هي آخذة في الارتفاع، بمعدل سنوي يقترب من 13%. أي أن الأسعار بعد التعويم، واستقرار الدولار عند مستوى 17.75 جنيهاً، ارتفعت في أقل من عامين 50%، رغم عدم الانتهاء من رفع الدعم بالكامل. فهل هذا هو استقرار الجنيه، أو استقرار الأسعار، أو استقرار التضخم الذي يعتبره الصندوق نموذجاً يرغب في تقديمه لدول العالم؟
أما عن الاستثمار، فتشير البيانات، الصادرة عن الحكومة المصرية، إلى أن النسبة العظمى من الاستثمارات المتدفقة للبلاد كانت في الاستثمار غير المباشر، أي في الأسهم وسندات وأذون الخزانة، ولا يخفى على أحد أن معدل الفائدة المرتفع (تجاوز 20% في بعض الأوقات وكانت مصر من أعلى ثلاث دول في العالم في الفائدة المدفوعة على الأذون والسندات الحكومية)، بالاضافة إلى توقعات ارتفاع البورصة بصورة كبيرة بعد التعويم، كانا وراء هذا النوع من الاستثمار.
وغالباً ما تكون المبالغ الواردة إلى البلاد في هذا الاستثمار من الأموال الساخنة، وهو ما عرفناه من تجربة الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
أما الاستثمار المباشر الذي دخل مؤخراً، فيتركز معظمه، وفقاً للبيانات الحكومية أيضاً، في الاستثمار العقاري وما شابهه مما لا يزيد انتاجاً ولا تصديراً ولا ينقل لمصر تكنولوجيا حديثة، فهل يسعد الصندوق باستقرارنا هنا؟
اقــرأ أيضاً
أما عن معجزة زيادة الاحتياطي في عامين بحوالى 30 مليار دولار، فيكفي توضيح أن الدين الخارجي زاد خلال نفس الفترة بحوالى 35 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن كل الزيادة في الاحتياطي، بل أكثر، كانت نتيجة للاقتراض الخارجي، وهو وصل بالدين الخارجي لمستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر، وأدى إلى ارتفاع نسبة ما يدفع كفائدة على الديون كل عام إلى حوالى 40% من إجمالي إنفاق الحكومة. فهل يؤدي ذلك إلى أي شكل من أشكال الاستقرار المنشود؟
وفيما يخص زيادة الصادرات والسياحة، فالأرقام المعلنة تشير بالفعل إلى زيادات طفيفة عن الفترة السابقة، لكن لو دققنا في الأمر، نجد أن الصادرات قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2008 كانت أعلى من مستواها الحالي، وأن الفترة من 2011-2014، وبرغم "عدم الاستقرار السياسي"، شهدت مستويات للتصدير أعلى من الحالية.
وعموماً، لا يصح أن ننظر إلى الصادرات وحدها، ولكن لابد أن نضع الواردات في الصورة، ويكون أفضل لو نظرنا إلى صافي الميزان التجاري، والذي لم نعرف عنه إلا عجزاً دائماً، لكن عجزه في الوقت الحالي بلغ مستويات لم نرها من قبل، باستثناء أواخر عام 2014، وهي الفترة التي شكلت ضغطاً كبيراً على العملة المصرية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تعويم الجنيه.
أما السياحة، فمازالت ايراداتها أقل من 60% من ايراداتها عام 2010. فهل يمثل الاستقرار عند هذه المستويات نجاحاً يُضرب به المثل؟
وافق صندوق النقد الدولي في عام 2009 على المشاركة في قرض مقدم إلى اليونان بمبلغ يصل إلى حوالى 125 مليار دولار، على الرغم من أن محاضر الاجتماعات التي ظهرت لاحقاً، أثبتت أن أغلب مسؤولي الصندوق كانوا مقتنعين أن البرنامج اليوناني لن ينجح.
وظل الصندوق يثني على الاصلاحات في اليونان في اجتماعات الربيع والخريف طوال السنوات التالية، لكن بعد مرور خمس سنوات من تقديم أكبر حزمة إنقاذ في التاريخ، كانت اليونان أول دولة أوروبية متقدمة تتخلف عن سداد دفعة من قروضها لصندوق النقد الدولي، ثم توالت بعد ذلك عثرات اليونان، ولم تخرج منها حتى الآن.
وجاء الإعلان عن المؤتمر متوافقاً مع تصريحات المسؤولين خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين التي عقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، حيث أشادت كريستين لاجارد مديرة الصندوق بإنجازات البرنامج المصري، وأكدت أنه بدأ يؤتي ثماره، حيث انخفض التضخم، وبدأت الاستثمارات الأجنبية في العودة.
كما أشاد جهاد أزعور، المدير الاقليمي للصندوق في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا بتحسن مستوى الاحتياطي الأجنبي لمصر، وزيادة الصادرات، وعودة السياحة.
لا أشكك في إمكانيات مسؤولي صندوق النقد، ولا أدّعي معرفتي لحقائق لا يعرفونها، لكني أعرف جيداً من تجارب سابقة لدول أخرى مع الصندوق، أن مسؤوليه لا ينتقدون علناً برنامجاً في دولة وافقوا على إقراضها.
واذا أضفنا إلى ذلك الأجواء الاحتفالية التي يتم فيها عقد اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، والتي تجعلهم يتحدثون عن الايجابيات بالتفصيل، وبصورة مبالغ فيها، وعندما ينتقل الحديث إلى السلبيات، يكون الحديث متحفظاً، وبصورة عامة، مع تجنب الانتقاد المباشر للدول المقترضة من الصندوق، في ظل ذلك نجد أنه من الأفضل ألا نأخذ ما نسمعه في تلك المناسبات على محمل الجد.
لكن بعيداً عما قيل في المؤتمرات الصحافية، دعونا نفند النقاط المحددة التي أثنى عليها مسؤولو الصندوق بالنسبة لمصر. فالتضخم، الذي سعد المسؤولون هناك بالسيطرة عليه، ونزوله من مستوى 35% قبل عام، إلى مستوى 13% تقريباً، يرجع انخفاضه لتأثير سنة الأساس، وهو ما أجمع عليه المحللون الاقتصاديون في كل أنحاء العالم، بعد أن تسبب تعويم الجنيه المصري في انخفاض قيمته، وارتفاع أسعار أغلب السلع بعد تنفيذه بشهرين أو ثلاثة. فلما مر عامٌ كاملٌ على الارتفاع، وأصبحت مقارنة الأسعار تتم بالأسعار بعد ارتفاعها عند احتساب التضخم، هبط الأخير إلى 13%.
أضف إلى ذلك أن انخفاض التضخم لا يعني بأي حال انخفاض الأسعار، وانما يعني انخفاض معدل ارتفاع الأسعار. فالأسعار ارتفعت في السنة الأولى بعد التعويم في المتوسط بحوالى 35%، وفي السنة الثانية هي آخذة في الارتفاع، بمعدل سنوي يقترب من 13%. أي أن الأسعار بعد التعويم، واستقرار الدولار عند مستوى 17.75 جنيهاً، ارتفعت في أقل من عامين 50%، رغم عدم الانتهاء من رفع الدعم بالكامل. فهل هذا هو استقرار الجنيه، أو استقرار الأسعار، أو استقرار التضخم الذي يعتبره الصندوق نموذجاً يرغب في تقديمه لدول العالم؟
أما عن الاستثمار، فتشير البيانات، الصادرة عن الحكومة المصرية، إلى أن النسبة العظمى من الاستثمارات المتدفقة للبلاد كانت في الاستثمار غير المباشر، أي في الأسهم وسندات وأذون الخزانة، ولا يخفى على أحد أن معدل الفائدة المرتفع (تجاوز 20% في بعض الأوقات وكانت مصر من أعلى ثلاث دول في العالم في الفائدة المدفوعة على الأذون والسندات الحكومية)، بالاضافة إلى توقعات ارتفاع البورصة بصورة كبيرة بعد التعويم، كانا وراء هذا النوع من الاستثمار.
وغالباً ما تكون المبالغ الواردة إلى البلاد في هذا الاستثمار من الأموال الساخنة، وهو ما عرفناه من تجربة الأيام الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
أما الاستثمار المباشر الذي دخل مؤخراً، فيتركز معظمه، وفقاً للبيانات الحكومية أيضاً، في الاستثمار العقاري وما شابهه مما لا يزيد انتاجاً ولا تصديراً ولا ينقل لمصر تكنولوجيا حديثة، فهل يسعد الصندوق باستقرارنا هنا؟
أما عن معجزة زيادة الاحتياطي في عامين بحوالى 30 مليار دولار، فيكفي توضيح أن الدين الخارجي زاد خلال نفس الفترة بحوالى 35 مليار دولار، وهو ما يؤكد أن كل الزيادة في الاحتياطي، بل أكثر، كانت نتيجة للاقتراض الخارجي، وهو وصل بالدين الخارجي لمستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر، وأدى إلى ارتفاع نسبة ما يدفع كفائدة على الديون كل عام إلى حوالى 40% من إجمالي إنفاق الحكومة. فهل يؤدي ذلك إلى أي شكل من أشكال الاستقرار المنشود؟
وفيما يخص زيادة الصادرات والسياحة، فالأرقام المعلنة تشير بالفعل إلى زيادات طفيفة عن الفترة السابقة، لكن لو دققنا في الأمر، نجد أن الصادرات قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2008 كانت أعلى من مستواها الحالي، وأن الفترة من 2011-2014، وبرغم "عدم الاستقرار السياسي"، شهدت مستويات للتصدير أعلى من الحالية.
وعموماً، لا يصح أن ننظر إلى الصادرات وحدها، ولكن لابد أن نضع الواردات في الصورة، ويكون أفضل لو نظرنا إلى صافي الميزان التجاري، والذي لم نعرف عنه إلا عجزاً دائماً، لكن عجزه في الوقت الحالي بلغ مستويات لم نرها من قبل، باستثناء أواخر عام 2014، وهي الفترة التي شكلت ضغطاً كبيراً على العملة المصرية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تعويم الجنيه.
أما السياحة، فمازالت ايراداتها أقل من 60% من ايراداتها عام 2010. فهل يمثل الاستقرار عند هذه المستويات نجاحاً يُضرب به المثل؟
وافق صندوق النقد الدولي في عام 2009 على المشاركة في قرض مقدم إلى اليونان بمبلغ يصل إلى حوالى 125 مليار دولار، على الرغم من أن محاضر الاجتماعات التي ظهرت لاحقاً، أثبتت أن أغلب مسؤولي الصندوق كانوا مقتنعين أن البرنامج اليوناني لن ينجح.
وظل الصندوق يثني على الاصلاحات في اليونان في اجتماعات الربيع والخريف طوال السنوات التالية، لكن بعد مرور خمس سنوات من تقديم أكبر حزمة إنقاذ في التاريخ، كانت اليونان أول دولة أوروبية متقدمة تتخلف عن سداد دفعة من قروضها لصندوق النقد الدولي، ثم توالت بعد ذلك عثرات اليونان، ولم تخرج منها حتى الآن.