ما زال التبرّع بالأعضاء في المغرب يواجَه بتردّد مجتمعيّ ملحوظ يُترجَم خطوات محدودة. لكن المملكة، بحسب مراقبين، تُعدّ متقدمة في مجال تنظيم التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، بالمقارنة مع عديد من الدول العربيّة.
وبالرغم من الجهود الكثيرة التي بذلها المغرب على مستوى التشريع، من خلال سنّ قوانين مرنة تحثّ على التبرّع بالأعضاء، إلا أن المواطنين المغاربة ما زالوا متخوفين من الإقدام على التبرّع، نتيجة ضعف في هذه الثقافة. وبهدف تشجيع المواطن المغربي على تسجيل نفسه على قائمة الراغبين في التبرّع بأعضائهم بعد وفاتهم، نشأت حملات شاركت فيها وجوه فنية ومدنية وسياسية. ومن هؤلاء، وزير العدل، مصطفى الرميد، والممثل الفنان، هشام بهلول، لكن من دون إحداث تغيير كبير في مواقف المغاربة.
وتفيد معطيات سابقة لوزارة الصحة المغربية بأن نسبة المتبرعين بالأعضاء في المغرب لا تتخطى 0.4 مواطن لكل مليون مواطن. وعمليات التبرّع الموثّقة شملت الكلى والنخاع العظمي وقرنية العين، وقد بلغ عددها 820 عمليّة بحسب السجل الخاص بالتبرّع بعد الوفاة.
نجيبة بنشادور شابة تخرّجت حديثاً من جامعة الرباط، تعاني من مشكلة عويصة في إحدى عينيها، تتفاقم مع مرور الوقت. بالتالي، لا بدّ من خضوعها لعملية زرع قرنية. لكن العملية مكلفة مادياً في المغرب، وتتطلب متبرّعاً يتعذّر العثور عليه.
وتقول بنشادور: "سجّلت اسمي على قائمة الانتظار المعمول بها لإجراء عملية زرع قرنية في مستشفيات المغرب. ومن خلال تجربتي، اكتشفت أن المتبرعين بالأعضاء البشرية قليلون جداً، لا يتجاوز عددهم بضع حالات فيما يزيد عدد سكان المغرب عن 34 مليون نسمة".
خديجة من مدينة تارودانت امرأة في أواخر عقدها الرابع، تخبر أنها تعاني من ضمور تام في وظيفة الكبد من جراء تعرضه للتليّف. وهو ما يتطلب عمليّة زرع عضو بديل، لكن ذلك لم يتيّسر لها بعد. وتشير إلى أن الأطباء المعالجين نصحوها بإجراء العملية الجراحية في بلد أوروبي إن توفّر المال لديها.
أما الرضيعة، ريم أدنكي، (خمسة أشهر)، فقد ولدت مع عيب خلقي أدى إلى إصابتها بتليّف في الكبد، بحسب ما يروي والدها هشام أدنكي. بالتالي، فإن حياتها مهددة والحل المتوفّر لنجاتها من الموت هو عملية زرع كبد لها في خارج المملكة. لكن التكلفة المادية باهظة جداً.
في السياق نفسه، يردّد المعنيّون بالقطاع الصحي في البلاد دائماً، أن عمليات زرع الكلى في المراكز الاستشفائية في المغرب أفضل حالاً من غيرها. وقد أشير أخيراً إلى أن زرع الكلى مُتاح حالياً للمرضى المحتاجين، على الرغم من أن الأعضاء المتوفّرة أقل بكثير من الحاجة.
وتظل معاناة المرضى المغاربة، الذين يحتاجون إلى زرع أعضاء، معاناة إنسانية كبيرة على الصعيدَين الجسدي والنفسي، ما دامت ثقافة التبرّع غائبة في المجتمع المغربي، بالرغم من التشجيع القانوني ومواعظ رجال الدين.
ويوضح المحامي والباحث في العلوم القانونية، محمد بنجلون، لـ "العربي الجديد" أن "القانون الجديد الذي ينظّم التبرّع بالأعضاء، حدّد عدداً من الشروط التي يتوجّب توفّرها قبل الخوض في أية عملية تبرّع. بذلك، يحرص المشرّعون على عدم تحوّل الأمر إلى متاجرة بالأعضاء البشريّة أو احتيال يضرّ بأي من الفريقَين".
ويشدّد بنجلون على أن "القانون، وبالرغم من إجازته عمليات التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشريّة، إلا أنه ظل حذراً في ما يتعلق بفتح الباب واسعاً في هذا المجال". ويشرح أن النص القانوني أعطى "كل شخص راشد يتمتع بكامل أهليته" الحقّ في أن "يعبّر وهو على قيد الحياة، بترخيص أو منح أحد أعضائه أو أعضاء معيّنة بعد مماته".
تجدر الإشارة إلى أن الفنان المغربي، الممثل هشام بهلول، كان قد تقدّم بطلب ترخيص للتبرّع بأعضائه بعد وفاته قبل أشهر أمام المصالح القضائية المختصة. فسجّل اسمه في السجل الخاص بالتبرّع بالأعضاء البشرية لدى المحكمة الابتدائية في مدينة الدار البيضاء، وهو ما أثار ترحيباً كبيراً بين المغاربة.
من جهته، أقدم وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد، على الخطوة نفسها. وأعلن عن إدراج اسمه في السجل الخاص بالتبرّع بالأعضاء بعد وفاته لدى محكمة الدار البيضاء، وذلك "من أجل أن يُستفادَ منها طبياً في عمليات زرع للمرضى المحتاجين إليها".
إلى ذلك، نظّم عدد من الفقهاء والدعاة حملة من جهتهم للتوعية حول أهمية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، وفق شروط شرعية وقانونية. ومن هؤلاء، الشيخ محمد الفزازي، الذي وصف التبرّع بالأعضاء بأنه "عملية إنسانية شرعية وعتق للأرواح وإدخال للبسمة إلى نفوس المرضى"، مجيزاً للمسلم أن "يتبرّع بعضو من أعضائه حتى لغير المسلمين".