تحوّل مرفأ بيروت منذ وقوع الانفجار فيه، في 4 أغسطس/آب الجاري، إلى منصّة لاستقبال الدبلوماسيين والوفود الأجنبية والعربية والجنود والمحققين الدوليين والأساطيل الحربية، التي تأتي بعنوان رصد الأضرار ورفع الأنقاض واستكمال أعمال الإغاثة، وربما إعادة ترسيم خريطة النفوذ في المنطقة في ظلّ الصراع الكبير على التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط، وذلك من بوابة المساعدات الإنسانية.
قبل أيام، وصلت بارجة حربية بريطانية، تابعة للأسطول الملكي، بهدف رصد الأضرار التي خلفها الانفجار والشروع في عمليات البناء، وأعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، من قصر بعبدا، الجمعة، أن بلادها قدمت مساعدات كثيرة، وسوف تقدم المزيد، لا سيما المعدات التي تساعد على رفع الأنقاض واستكمال أعمال الإغاثة ومسح الأضرار، وسيشارك في كل هذه المهمات نحو 750 عسكرياً فرنسياً، يصلون اليوم إلى لبنان.
وأشارت إلى أن خبراء فرنسيين سيساعدون في التحقيقات الجارية لكشف ملابسات انفجار مرفأ بيروت، في ظلّ إعلان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، ديفيد هيل، توجه المكتب الفدرالي الأميركي إلى لبنان للمشاركة في التحقيقات.
في السياق، يقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الدكتور هشام جابر، لـ"العربي الجديد"، إن المنطقة تغلي، والتظاهرة السياسية والدبلوماسية وتلك العسكرية لا تدخل فقط في إطار الاهتمام بلبنان، فهي مشكورة لوقوفها إلى جانب لبنان، لكنها ليست جمعيات خيرية ولديها مصالحها الخاصة، وبالتالي، هناك مثل يقول "من يحضر السوق يبيع ويشتري ومن لا يحضر يخسر"، واليوم نحن أمام سوق اقتصادي مهم جداً في المنطقة عنوانه النفط والغاز، وهناك صراع تركي فرنسي ويوناني تركي، غير معلن، على النفوذ بالمنطقة، ومن جهة إيران التي تعتبر أن لها اهتماما بالمنطقة، بعد خسارة نسبية بالعراق لنفوذها الذي أرادت تعزيزه في سورية، وتعزيز وجودها في لبنان.
ويشير جابر إلى أن الوجود العسكري هو من دول مشرفة على البحر المتوسط ومن الطبيعي تحريك سفنها فيه، حيث أتت البارجة الفرنسية من مرفأ تولون، الذي يقع على البحر المتوسط، وتركيا حركت سفنها الحربية أيضاً على البحر المتوسط، وكلنا نعلم أن أميركا وبريطانيا ليستا على البحر المتوسط "لكن دخلتاه لأنه يشكل بقعة عمل للأميركي ما يجعله يتحرك في الظروف الراهنة، في ظل الخلاف على النفط بين لبنان وإسرائيل، وبين قبرص وتركيا وقبرص واليونان وغيرها. وموضوع النفط هو اقتصادي وسيحضر طبعاً تحت إطار المساعدات الإنسانية".
ويلفت جابر إلى أن فرنسا، بشكل خاص، تعتبر أن لبنان هو موطئ القدم الوحيد المتبقي لها في الشرق، واختارت هذا البلد لاستعادة نفوذها، مضيفاً أن أجندة كل دولة تختلف عن الأخرى، علماً أنّ الحضور العسكري تزامن أيضاً مع حركة وفود دبلوماسية على مستوى رفيع، إضافة إلى دول أرسلت طائرات مساعدات، منها قطر وغيرها، التي تُشكر على خطوتها.
من جهته، يقول العميد المتقاعد خليل الحلو، لـ"العربي الجديد"، إن القطع البحرية الأهم التي وصلت إلى لبنان هي حاملة الطوافات الفرنسية، وهي مبدئياً ورسمياً أحضرت مساعدات ومعدّات رفع الأنقاض، وعادةً هذه القطع الحربية بنوعيتها تحمل قوات خاصة، باعتبارها سفنا مخصصة للإنزال، وفرنسا تؤكد على وجودها في الحوض الشرقي للمتوسط، ولبنان يعتبر جزيرة فرنسية في الشرق الأوسط، كما أنّ الفرنسيين اليوم باتت لديهم علاقات عسكرية ودبلوماسية ممتازة مع مصر، والطيران المصري يضم طائرات فرنسية، إضافة إلى حاملتي طوافات حديثة جداً من صنع فرنسي، ومصر تستعد للتدخل في ليبيا، إضافة إلى وجود علاقات فرنسية مميزة مع قبرص، وهذه تطورات جديدة وسط علاقة جيدة بين فرنسا وروسيا.
ويوضح الحلو أنّ التقاطع المشار إليه يفيد لبنان، باعتبار أن روسيا موجودة بسورية، وفرنسا عضو فاعل في الأمم المتحدة، وبالتالي فإنّ البوارج الحربية لم تصرف الأنظار عن المساعدات بل هي جزء منها، ودائماً عند تقديم مساعدات تكون من خلفها مبادرات لحمايتها، أي أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار لبنان وسيعود في مطلع سبتمبر/أيلول، في ظلّ مبادرة فرنسية تعتبر مهمة جداً. وبالتالي، القول الآن لم يعد مرتبطا بأن لبنان هو في المحور الإيراني، حيث إن هناك اهتماماً دولياً برز في المرحلة الراهنة، عززته الزيارات التي تقوم بها الوفود من الخارج، ومن ضمنها الموفد الأميركي ديفيد هيل، وهم لم يحضروا إلى لبنان للسياحة أو لزيارة المنكوبين والاستماع إلى المتضررين، بل لوجود مبادرات أيضاً، فالمساعدات يقابلها حتماً ثمن سياسي، بحسب العميد المتقاعد.