البلاء المـُضحك في مصر
أحمد العربي (مصر)
شر البلية ما يضحك، هكذا قالوا، وإن الضحك هنا أشبه بالبكاء، بل هو البكاء نفسه، ضحك على شعب أقل ما يمكن أن يوصف به أنه تجرَّع كأس الهوان والذل حتى الثُّمالة كما يقولون.
طالعت، أخيراً، فكرة قام بها مجموعة من الأطباء النفسيين لعلاج من تبقوا من الآدميين على أرض مصر، تتلخص في أنهم طرحوا موقعاً عبر الأنترنت، يمكن فيه أن يحاور المريض النفسي الطبيب مباشرة، ويشكو إليه ما يدور في نفسه، وما يقلقه ويزعجه، وينغص على نفسه الكريمة من أن تهنأ بالحياة الآمنة، ليقدم الطبيب النفسي العلاج المتمثل في سلوكياتٍ ينبغي أن يلتزم بها حتى يُشفى من مرضه، أو على الأقل يذهب عنه بعض القلق المرضي الذي أزعجه، وأزعج حياته كلها، ولا مانع من تقديم بعض الأدوية كمهدئات تساعد المريض على الاسترخاء.
هي فكرة طيبة لا شك، ومن دون تشكيك في النيات، وأظن أنَّ مَنْ قاموا بها لديهم رغبة في تقديم أي شيء لإنقاذ هذا البلد الذي بات يتربع على حافة الهاوية، ينتظر دوره بين الشعوب والأمم البائدة.
الفكرة مطروحة عبر الأنترنت في بلد يعاني كثيرون منه من أمية القراءة والكتابة (17.2 مليون نسمه، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2014) وهي نسبة تقترب من ربع السكان تقريباً، وهي مشكلة خطيرة جداً، لأن هذه الفئات من السكان هي التي تعاني من اضطرابات نفسية، نتيجة الفقر والجوع وتعثر الحياة بسبب إهمال الحكومات التي لا تركز، في الأغلب الأعم، إلا على بعض الإصلاحات التي تمثل بعض الزخارف في المدن الكبرى، محاولين من خلالها أن يقنعوا العوام أنَّ الحكومة في عمل دائم ليل نهار.
أليس من الهُراء أن نقترح برنامج للعلاج النفسي عبر الإنترنت في أناسٍ لا يعرفون حتى القراءة والكتابة، فضلاً عن معرفة محركات البحث والمواقع العلمية المختلفة. إنَّ أكثر شيء يشغل هؤلاء ليس محركات البحث، ولكن أن تتحرك الحياة ليجدوا، في نهاية النهار، لقمة من العيش يسدوا بها أفواه أطفالهم، فضلاً عن أفواههم الجائعة.
أغلب هؤلاء يبيتون جوعاً ويكملون العشاء ماء. إنهم من أكثر الناس خوفاً من الغد، بسبب الإهمال المستمر من الحكومات، ولولا بقية من التوكل في نفوسهم، لسمعنا عن حالات انتحار كثيرة، والتخلص من الحياة بين هؤلاء الناس.
من أراد أن يعرف ذلك، ويقف عليه، فليذهب إلى أعماق الريف المصري، وإلى كثير من قرى الصعيد المنسية من حسابات الحكومات المتتالية، وإلى مدن الصفيح المنتشرة في أماكن كثيرة على أرض مصرنا العزيزة.
لست ضد الفكرة، لكن حل المشكلة أعمق بكثير من مجرد موقع يُطرح على الانترنت، ومن مجرد دعاية عبر شاشات التلفزيون الذي لم يعد يكف عن الصخب صباح مساء، لأنها ترتبط بأناسٍ سقطوا من عداد الأحياء، على الرغم من أنهم مازالوا يتنفسون ويتحركون على ظهر الأرض.
ضخامة المشكلات التي يعاني منها المصريون وكثرتها أمر من الصعوبة بمكان أن تتسع له مكالمة أو اتصال عبر الانترنت بين مريض وطبيب معالج. أغلب الأمراض النفسية ناتجة عن القلق والتوتر وعدم اعتدال المزاج. والأهم ما السبب في ذلك؟ ما الذي أدى بهؤلاء المصريين أن يصلوا إلى هذه المرحلة من المرض النفسي؟
تتلخص الإجابة في أنَّ شعباً يعيش معظمه تحت خط الفقر، ولا يجد ما يسد به الرَّمق، ولا يرى في المستقبل أي أمل، بل على العكس يراه يحمل عصا الاستبداد والظلم والتشتت، من دون الجمع، والإهانة من دون حتى الأمل في حياة كريمة لحريّ أن ينتشر بين أفراده أمراضاً نفسية متعددة.
إن شعباً لا يعرف كيف يحصل على علاجه في ظل وزارة للصحة آخر ما تفكر فيه هو المريض، ولا يعرف كيف يحصل على حقه في التعليم، ولا حقه في المواطنة، في نهاية المطاف، أنه بشر لجدير أن تغزوه الأمراض النفسية، وبالمناسبة هذا أقل ما يمكن أن يصاب به.
هذه هي المشكلة، ولبدء الحل الجذري ينبغي أن تحدد جيدا، وهي محددة ومعروفة عند السادة المسؤولين الكبار، لكن الخوف على المصالح الخاصة، والعمل من أجل جيوبهم وحساباتهم في البنوك فقط هو الذي أعماهم عن رؤيتها، أو حتى التفكير فيها، لنزعم بعدها أننا نستطيع أن نقدم خدمة للعلاج النفسي عبر الانترنت، أليس هذا من البلاء المضحك، أيها السادة؟
طالعت، أخيراً، فكرة قام بها مجموعة من الأطباء النفسيين لعلاج من تبقوا من الآدميين على أرض مصر، تتلخص في أنهم طرحوا موقعاً عبر الأنترنت، يمكن فيه أن يحاور المريض النفسي الطبيب مباشرة، ويشكو إليه ما يدور في نفسه، وما يقلقه ويزعجه، وينغص على نفسه الكريمة من أن تهنأ بالحياة الآمنة، ليقدم الطبيب النفسي العلاج المتمثل في سلوكياتٍ ينبغي أن يلتزم بها حتى يُشفى من مرضه، أو على الأقل يذهب عنه بعض القلق المرضي الذي أزعجه، وأزعج حياته كلها، ولا مانع من تقديم بعض الأدوية كمهدئات تساعد المريض على الاسترخاء.
هي فكرة طيبة لا شك، ومن دون تشكيك في النيات، وأظن أنَّ مَنْ قاموا بها لديهم رغبة في تقديم أي شيء لإنقاذ هذا البلد الذي بات يتربع على حافة الهاوية، ينتظر دوره بين الشعوب والأمم البائدة.
الفكرة مطروحة عبر الأنترنت في بلد يعاني كثيرون منه من أمية القراءة والكتابة (17.2 مليون نسمه، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2014) وهي نسبة تقترب من ربع السكان تقريباً، وهي مشكلة خطيرة جداً، لأن هذه الفئات من السكان هي التي تعاني من اضطرابات نفسية، نتيجة الفقر والجوع وتعثر الحياة بسبب إهمال الحكومات التي لا تركز، في الأغلب الأعم، إلا على بعض الإصلاحات التي تمثل بعض الزخارف في المدن الكبرى، محاولين من خلالها أن يقنعوا العوام أنَّ الحكومة في عمل دائم ليل نهار.
أليس من الهُراء أن نقترح برنامج للعلاج النفسي عبر الإنترنت في أناسٍ لا يعرفون حتى القراءة والكتابة، فضلاً عن معرفة محركات البحث والمواقع العلمية المختلفة. إنَّ أكثر شيء يشغل هؤلاء ليس محركات البحث، ولكن أن تتحرك الحياة ليجدوا، في نهاية النهار، لقمة من العيش يسدوا بها أفواه أطفالهم، فضلاً عن أفواههم الجائعة.
أغلب هؤلاء يبيتون جوعاً ويكملون العشاء ماء. إنهم من أكثر الناس خوفاً من الغد، بسبب الإهمال المستمر من الحكومات، ولولا بقية من التوكل في نفوسهم، لسمعنا عن حالات انتحار كثيرة، والتخلص من الحياة بين هؤلاء الناس.
من أراد أن يعرف ذلك، ويقف عليه، فليذهب إلى أعماق الريف المصري، وإلى كثير من قرى الصعيد المنسية من حسابات الحكومات المتتالية، وإلى مدن الصفيح المنتشرة في أماكن كثيرة على أرض مصرنا العزيزة.
لست ضد الفكرة، لكن حل المشكلة أعمق بكثير من مجرد موقع يُطرح على الانترنت، ومن مجرد دعاية عبر شاشات التلفزيون الذي لم يعد يكف عن الصخب صباح مساء، لأنها ترتبط بأناسٍ سقطوا من عداد الأحياء، على الرغم من أنهم مازالوا يتنفسون ويتحركون على ظهر الأرض.
ضخامة المشكلات التي يعاني منها المصريون وكثرتها أمر من الصعوبة بمكان أن تتسع له مكالمة أو اتصال عبر الانترنت بين مريض وطبيب معالج. أغلب الأمراض النفسية ناتجة عن القلق والتوتر وعدم اعتدال المزاج. والأهم ما السبب في ذلك؟ ما الذي أدى بهؤلاء المصريين أن يصلوا إلى هذه المرحلة من المرض النفسي؟
تتلخص الإجابة في أنَّ شعباً يعيش معظمه تحت خط الفقر، ولا يجد ما يسد به الرَّمق، ولا يرى في المستقبل أي أمل، بل على العكس يراه يحمل عصا الاستبداد والظلم والتشتت، من دون الجمع، والإهانة من دون حتى الأمل في حياة كريمة لحريّ أن ينتشر بين أفراده أمراضاً نفسية متعددة.
إن شعباً لا يعرف كيف يحصل على علاجه في ظل وزارة للصحة آخر ما تفكر فيه هو المريض، ولا يعرف كيف يحصل على حقه في التعليم، ولا حقه في المواطنة، في نهاية المطاف، أنه بشر لجدير أن تغزوه الأمراض النفسية، وبالمناسبة هذا أقل ما يمكن أن يصاب به.
هذه هي المشكلة، ولبدء الحل الجذري ينبغي أن تحدد جيدا، وهي محددة ومعروفة عند السادة المسؤولين الكبار، لكن الخوف على المصالح الخاصة، والعمل من أجل جيوبهم وحساباتهم في البنوك فقط هو الذي أعماهم عن رؤيتها، أو حتى التفكير فيها، لنزعم بعدها أننا نستطيع أن نقدم خدمة للعلاج النفسي عبر الانترنت، أليس هذا من البلاء المضحك، أيها السادة؟