البقية لم تأت

13 اغسطس 2015
جورج بهجوري / مصر
+ الخط -

على امتداد خريطة الوطن العربيّ، وعلى مدار فصول السنة، لا ينقطع المهتمّون بالثقافة عن إقامة المهرجانات والندوات والفعاليات تصحبها جوقة لا تنفك عن استعمال "أفعل التفضيل"، من قبيل "المهرجان الأشهَر" و"الندوة الأفضل" و"الفعاليّة الأبرز".

ولكن، بعيداً عن النعوت الاستهلاكيّة، يحق لنا أن نتساءل: كيف يمكننا اليوم أن نجعل من الحدث الاحتفاليّ الجماعيّ الظرفيّ العابر علامة فارقة تمسّ الأشخاص، في صميم ذواتهم المحض؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال الذي يفترض أن يفتح أبواب المستقبل ونوافذ الحُلم، أجد نفسي مجبراً للأسف على الانسحاب نحو الماضي. ففي أواخر ستّينيات القرن الماضي، وعلى امتداد العشريّتين اللاحقتين، كانت العادة الجارية في تونس (والأرجح أن الأمر كان كذلك في العديد من البلدان العربية) أن تُختتم كلّ عروض المهرجانات بحلقة نقاش مفتوحة تضع الجمهور وجهاً لوجه أمام المبدعين.

في ذلك الزمن الذي وضع فيه أبناء جيلي قدمهم اليسرى (لا اليمنى) على عتبة صرح عظيم اسمه "الثقافة" لم يكن مسموحاً للشعراء الذين أنهوْا للتو قراءة قصائدهم، ولا للممثلين الذي فرغوا منذ دقائق من تغيير ملابسهم ومن إزالة المساحيق عن وجوههم، ولا للمحاضرين الذين اختتموا منذ حين قراءة مداخلاتهم؛ لم يكن مسموحاً لهم أن يغادروا فضاء المهرجان قبل المثول أمام "المحكمة الشعبيّة".

محكمة كانت تضمّ زملاءَ لهم كانوا يظنّون أنهم معهم فإذا هم عليهم؛ وأفراداً من البرجوازية الصغيرة التي لم تجد في برامج التلفزيون الحكوميّ ما يشبع رغباتها، وصحفيّين متخصّصين في النقد الفني. وفضلاً عن هؤلاء كان ثمّة جمهور الطلبة.

ومن خلال هذا النقاش المفتوح، كان الكل يتعلّم ويستفيد ويطوّر تجربته ويغذّي أسسه المعرفية والنظرية في انتظار عرض جديد ونقاش أكثر حدّة وإمتاعاً. كان هنالك شيء في خاتمة عروض المهرجانات يقول: "والبقيّة تأتي...". وها نحن اليوم ننتقل من مهرجان إلى مهرجان ومن تظاهرة إلى تظاهرة، في انتظار بقيّة يبدو أنها لن تأتي!

المساهمون